قمة العرب بالجزائر..نعم بإمكان محمد السادس أن يصنع المعجزة

أحمد الجَــــلالي

بدأت الفرقعات الإعلامية، أو تحديدا البروباغاندية، حول القمة العربية بالجزائر، ومع هذه الفرقعات عبر منصات التناحر الاجتماعي، في واد عربي غير ذي زرع يأتي صوت “لمشاهب” من ماض سحيق: “يا مجمع لعرب نوضوا نقلعوا..سفون العحم فلبحور دارت قيامة…يايقولوا لعدا لعرب تزلعوا…مركبهم مكسور ما صابوا عولاما”.

السؤال الحقيقي المطروح هو: مامعنى “عرب” في عالم اليوم؟

لخص الجواب عن السؤال مسؤول بريطاني قالها لمواطن عربي مجنس: أنتم بالنسبة لنا مجرد محطات تزوج بالبنزين.

لم يكذب، ورب العزة.

لنضغط على نفوسنا ولتنتصل من عقولنا ونغمض العينين ونعتبر أن هناك “أمة عربية”. وبناء عليه، لابد للأمة من قضايا مصيرية استدعت اجتماع قادتها.

رجاء: استبعدوا قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية والتنمية الحقيقية…استبعدوها كي لا تعكر صفو المشاركين ولا تجلبوا لهم الامتعاض.

ركزوا فحسب على الأرض المحتلة والخطر الأجنبي والخبز المرتبط عضويا بالطاقة بنزينا وغازا.

وحتى قبل انعقاد القمة بأيام بدأت الاعتذارات عن الحضور، ولكل سببه ومبرراته. ما علينا، لنقض أمرا بمن حضر.

وحتى قبيل الموعد الرسمي للقمة، برزت الخلافات والمماحكات و”الطوشات” وحرب البسوس عن مشروع البيان الختامي للمؤتمر.

وحسب قناعتي الراسخة إن لم ترد بالبيان ــ الذي لن يغير أي شيء على أرض الواقع ــ الأمور التالية فسيكون كل ما صنع العرب أنهم وقعوا على مهزلة جديدة تكرس التشرذم والفرقة ووسعت بشكل أعمق الجفاء بين “الأشقاء” المزعومين.

الأمور الجدية التي يجب أن تكون صداحة بالبيان الختامي هي:

ــ إدانة بالإجماع للغطرسة الصهيونية بفلسطين المحتلة مع اتخاذ التدابير الحقيقية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني البطل.

ــ إدانة بلا لف ولا التفاف للتدخل الإيراني الفارسي في الدول العربية كلها وصل تهديده حتى مشارف المغرب الأقصى عبر التدريب والدرونات، واتخاذ المتعين العاجل بشأنها.

ــ إدانة صريحة غير مواربة للأدوار الأردوغانية السافلة في المنطقة العربية وإعلان موقف موحد منها.

ــ إعلان عدم انحياز حقيقي تجاه الصراع القطبي المنذر بحرب كونية بين روسيا وأمريكا ترامب.

ــ إعلان خطة عربية مالية لتجنيب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجاعة قادمة سببها الحرب وغلاء النفط وقلة الحبوب.

ما دون هذا سيكون كلاما ساكتا يثير الشفقة والعويل على مصير أمة ذاهبة رأسا نحو الهاوية.

أما على الصعيد المغربي، ولو أني أدافع عن يأسي المستحق من اي اختراق بفضل “القمة” فإني أرجو أن يحضر الملك محمد السادس شخصيا مرفوقا بولي العهد.

لماذا؟

لو فعلها الملك سيكون ــ بعيدا عن صداع رأس العرب ــ قد حقق أهدافا تخدم المغرب والجزائر كشعبين محكومين بمصير مشترك، بعيدا عن أي شنآن أو حزازات صنعها الاحتلال الفرنسي وتركها لأجيال العرب والأمازيع حصى يدمي الأقدام التي نتحرك بها نحو المستقبل.

ماهي الأهداف الثنائية الاستراتيجية التي ستحققها المشاركة الملكية، إن حصلت؟

عندما نقصد الدبلوماسية المغربية، فدعكم من “لهو الفيسبوك” ومحترفي التلميع لهذا المسؤول أو تلك، ففي النهاية أجود دبلوماسيينا ــ إن وجدوا ــ فليس سوى منفذين جيدين لدبلوماسية الملك، المسؤول حصريا عن حقل العلاقات الخارجية للمملكة.

ولأنه لم يسجل قط على ملك المغرب تقصير أو بخل في ما يخص البحث عن حلول للأزمات المتكررة للعلاقات مع الجزائر، وهذه حقيقة يعرفها الشعب الجزائري ومسؤولوه، فمحمد السادس شخصيا مؤهل لإحداث اختراق سياسي في هذا الاتجاه.

ولأن خطابات الملك ذات يد الصلح والوئام الممدودة بفصاحة في كثير من المناسبات، شاهدة على نية ومبادرات صاحب القرار الحقيقي بالمغرب، فلا أظن أن ابن الحسن الثاني ينتابه أي يأس في تذويب الخلافات المتراكمة على صفحة التاريخ المشترك بين البلدين الجارين..أو التوأمين المتكاملين، كما وصفهما هو نفسه ذات خطاب.

بداهة، أن يهتم رئيس الدولة المغربية حتى بمضمون شتائم استهن ترويجها بواسطة مغاربة تجاه الجزائر، فلا يمكن ألا يكترث من تصريحات طائشة لدبلوماسيين مغاربة مثل هلال عن “لقبايل” أو القنصل  الي وصف الجزائر بـ”العدوة”.

ويقينا، فقد أدرك الملك قبل أن يوجه بالكف عن شتم الجيران، الخطر الحقيقي لإثارة حرائق الحقد بين الشعبين ــ ومن الجانبين ــ بشكل قد يكون معه شبه مستحيل إخمادها، حتى لو تصالح النظامان السياسيان.

ولهذه الاعتبارات، قد تسهم الزيارة الملكية في تهدئة الخواطر وجبر بعض الضرر، ومن هناك وضع لبنة للحوار الحقيقي المفضي إلى “دفن الماضي السيء” والتحديق بعين التفاؤل للمستقبل.

ومثلما للمغرب مطالبه العادلة حول وحدة أراضيه فللجزائر بلا شك هواجسها الحقيقية والمتخيلة.وفي هذه النقطة بالذات فإن “فكاك لوحايل” الحقيقي هو الملك ولا أحد غيره، وكل من يروج لغيره فهو يضحك على نفسه قبل أن يكذب على متابعين مفترضين.

وجوهر التوترات في العلاقات بين البلدان يكون أمنيا واقتصاديا. وما تبقى تفاصيل تتولاها لجان مختصة.

ولا يخامرني شك أن الملك قادر على إعطاء الرئيس تبون ضمانات أمنية جيوستراتيجية، فضلا عن امتلاك محمد السادس للحس الاقتصادي في أبعاده الإقليمية والدولية.

هناك بالفعل فرصة وخيوط أمل في تخفيف التوتر بين البلدين، لو تحلى الأشقاء بالرغبة في طي الخلافات، وسيكون من حسنات هذا المؤتمر لو تطوعت بعض القيادات العربية وعرضت وساطتها الصادقة لإنجاح تقارب بات ملحا، في سياق دولي محموم ومشتعل.

ومثلما تحتاج الجزائر للمغرب خبرات واقتصادا، يحتاج المغرب للجزائر مصدرا للطاقة على الأقل وسندا صلبا في ظهره. وكل من يروج لخلاف هذه الحقيقة فهو إما جاهل بالتاريخ أو أمي في الجغرافيا، ولا خير في كليهما.

إنها أمان أقرب للأحلام. وما يضيرهم في الحلم؟ ألم تبدأ المعجزات الشعبية والفردية والكونية بأحلام في الرأس.

ولكي لا أبريء نفسي، فقد انخرطت في الدفاع عن مغربية الصحراء بمدادي ومقالاتي منذ قرابة عقدين ونصف، وطرحت في القضية كتابا إلى سوق التداول سميته “الخروج من فم الثعبان” بيع بالكامل وبقيت لدي فقط أربعة نسخ منه.

وفي غمرة الحماس واندفاع الشباب هاجمت قيادات الجزائر بناء على قناعات راسخة. لم أشتم أبدا، لكني في بعض كتاباتي كنت قاسيا. أعترف بهذا.

لا تنتظروا مني التراجع عن قناعاتي ولكني أسحب وأنتم شهود..أسحب كل ما قد يكون فهم على محمل غير ما قصدت إليه، أو تم تأويله سبا وقذفا.

أفعل هذا كمساهمة بسيطة من مواطن مغاربي قبل أن يكون من المغرب الأقصى، وواحد من سكان شمال أفريقيا مؤمن حتى العظم بالمصير المشترك.

وبما أن قيادة الجزائر سمت القمة بقمة “لم الشمل” فإني أدعو زملائي بالمغرب والجزائر أن يتصرفوا اعتبارا من هذه اللحظة أن يتصرفوا بما يليق بهم فيقولون خيرا أو يكرمونا بصمت جميل.

ولقد تفاعلت صدقا مع دعوة الملك قبل فترة قصيرة للكف عن كيل الشتائم للجزائرــ رغم أني ساخر لاشتام ــ فعاهدت نفسي  حينها ألا أكتب عن الصراع بين البلدين إلا من منطلق ما يوحد ويشجع على التقارب، لا ما يذكي النيران، وإلا سأتحول بغبا  إلى خادم لا شعوري ومجاني للأجندة  سارية  المفعول للمحتلين القدامي.. والطامعين الجدد.

والعياذ بالله.

www.achawari.com

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد