التميز الرياضي القطري: تفاهات “عشائر النفط” لن تلغي الحقيقة العارية

أحمد التجاني *

 انتهت الجمعة الماضية كأس آسيا للمنتخبات، وأعلنت قطر فائزة بعد غياب العرب 12 سنة عن بوديوم هذه المنافسة.. تماما كما سبق وصرح تشافي هرنانديز لاعب البارصا السابق، الذي تنبأ بنهاية يابانية قطرية، فقالوا إنه يحابي العقال القطري الذي يأويه. 

 لكن الرجل لم ينطق يوما عن هوى، فهو مضطلع عن قرب على المشروع الرياضي لبلد آمن وطبق القولة الشهيرة “من جد وجد.. ومن زرع حصد” ويبدو إن موسم قطر الرياضي تماما كالمواسم الفلاحية الأمريكية.. بمحصولين، أولهما كان الجمعة الماضي، وثانيهما سيكون ــ بإذن الله ــ شتاء 2022

لم تثنهم الكثير من المعيقات المحيطة بالدولة ككيان.. مساحة، تعدادا بشريا ولا حتى الكفاءات، بل حتى الحصار السياسي من أتفه خلق الله بالجوار لم يغير الاستراتيجية.. آمنوا بمنطق الفكر، واستقطبوا من أجل تنزيله صح كل ما يلزم، وتواروا في الخلف دون بهرجة..

 انتدبوا سنة 2013 رمز الثورة الكروية للماسيا برشلونة أو معلم إنييسطا، تشافي، ميسي واللائحة طويلة.. وأسسوا قبله بسنوات صرحا رياضيا وليس كرويا فقط بمواصفات تجعله الرقم واحد عالميا، لا في تكوين الرياضيين في جميع الرياضات فحسب بل حتى في تكوين المؤطرين والمدربين بل إن مستشفى أسباير يعتبر مرجعا في الوسط الرياضي، فبدأ تحصيل النتائج لديهم بتكوين فريق قوي لسباقات السرعة في ألعاب القوى والمسافات المتوسطة.

 ولديهم اليوم بطل عالمي في القفز العلوي، أما بالعودة لكرة القدم فهم حاملوا لقب آسيا للشباب وحتى فئة أقل من 20 سنة والبقية تأتي لأن العمل متواصل، وأحد دلالاته دوري الفئات للأندية المقام حاليا بأكاديمية أسباير بمشاركة الميلان، باري سان جيرمان، الريال، الباييرن، أرسنال، البارصا وغيرهم..  

تعالوا الآن لنناقش زعم البلداء والعاجزين أن منتخب قطر عبارة عن منتخب للأمم المتحدة أو مجموعة من المرتزقة، بل إن جامعة الإمارات قامت بحركة مضحكة تثير الشفقة، إذ قامت بالطعن لدى الفيفا في شرعية انتماء لاعبين اثنين لألوان قطر!!

وكأن اللعبة لا قوانين لها، أو لنقل أن ما هو حلال ومستساغ بالنسبة لمجموعة من المنتخبات الأوربية، يعتبر رجسا من عمل الشيطان حين يتعلق الأمر بقطر!!

 فلننعش ذاكرة الأغبياء بقليل من التاريخ ولن نتحدث عن التتويج الأخير لفرنسا، ولنمر لبطلة العالم 2014 ألمانيا بمنتخب تكون من اخضيرة التونسي، أوزيل التركي، بواتينغ الغاني، أووجو النيجيري، كلوزة وبدولسكي البولنديين، ماريو غوميز الإسباني.. ثم أمثلة هولندا التاريخية ولاعبي مستعمراتها أمثال غوليت، ريكارد، سيدورف، كلويفرت، إدغار دافيدس.. والأمثلة عبر التاريخ متوفرة بمنتخب فرنسا  1984وبلاتيني الإيطالي، لويس فرنانديز الباسكي، تيغانا وطريزور من الأفارقة وغيرهم..

بعد هذه اللمحة التاريخية نطرح السؤال التالي: لم هذه الحمأة والبلبلة خصوصا بالإمارات والسعودية ومعهم تابعهم مصر السيسي وليس مصر التي على بالي؟ الجواب للأسف حقد سياسي طال الرياضة لغباء ساسة ربما لا يعلمون أنهم وقود استراتيجية كونية يقودها ترامب وإسرائيل لضرب أمة.. ولسنا كعرب بمعزل عن الشظايا، بل إننا غارقون فيها حتى الركب.  

الغريب، ويا لمكر التاريخ، أسوق اسمين تألقا بدولتي “إم بي إس” و “إم بي زد”، ونالا لقب لاعبي القرن العشرين، وهما عدنان الطلياني غير الإماراتي، والكبير ماجد عبد الله صاحب الهدف الأنطولوجي سنة 1994 للسعودية على بلجيكا.. وأصله سوداني!

 إن لم تخجل فقل ما شئت، هذه خلاصة  الكلام.

ولنعكس إنجاز قطر وما قامت وتقوم به على تجربتنا نحن بالمغرب، ببطولتنا الاحترافية ومدارس و أكاديميات التكوين لدينا مرورا بمنتخبنا الوطني، وهنا     سأعطي خلاصات محددة في ثلاثة محاور:

أولا، التكوين

إذا استثنينا العمل المقبول نسبيا الذي قامت به أكاديمية محمد السادس والذي حاربته بعض الأندية برؤسائها ومدربيها السماسرة، سنجد أن التكوين لدينا عبارة عن نصف ملعب نلهي فيه بعض قدماء اللاعبين بأشباه شهادات براتب شهري عبارة عن صدقة 2500 درهم وربما أقل، فقط إتقاءا “لشغبهم” أو فتاواهم التي تقلق راحة رؤساء الأندية بالجموع العامة، وكذلك ليتحصل النادي على منحة مدرسة التكوين الدسمة التي توزعها الجامعة سنويا، ولكم في فريق صغار الرجاء المشارك اليوم بدوري أسباير بقطر مثال، فمدربه هو هشام أبو شروان!!

 وأقول مدربه، وليس المشرف على تكوينه، لأن شهادة التكوين تقتضي أولا تعليما عاليا ومتشعبا في علم النفس وعلم التواصل مع الطفل ودراسة بيئته الخاصة.. قبل الحديث عن التكوين الرياضي.. فاسألوا هشام وغيره كثيرون جدا عن شواهدهم الدراسية.

ثانثا، البطولة الاحترافية

كثير من المسؤولين والصحافة الصفراء و “الصوحافيين” الهزل تكوينا وأخلاقا تجاوزهم الركب ولا يفهمون في قراءة الأرقام والاحصائيات التي تحكم التطور والتراجع في الرياضة، والدليل إن معدل اللعب خلال 90 دقيقة في ما يسمى بالبطولة برو.

هو أقل من  34 دقيقة، بمعنى أن أكثر من 56 دقيقة من عمر مباراة تستهلك في التظاهر بالتوعك والاحتجاج والكرات الميتة، فيما يبلغ اليوم معدل اللعب من خلال 90 دقيقة بالسعودية وقطر أكثر من 60  دقيقة.. علما أن أعلى معدل لعب بمباراة هو الذي تحققه البريمرليغ أو البطولة الانجليزية ب 78 دقيقة

ثالثا، المنتخب الوطني

وهنا تكمن الطامة الكبرى، لأنه إذا كان البعض يبخس مجهود قطر العلمي والوقوف عند ويل للمصلين.. أقول لهم: أهون علي أن تجنس قطر أطفالا منهم من ولد بهذا البلد وتبني عليه استراتيجية علمية مدروسة بأهداف متوسطة وبعيدة.. أهون من أن يمارس العبث الرياضي داخليا كاستراتيجية،والتموقع بين البينين.. أي بين الرغبة في نهج التكوين السليم والرغبة في النتائج الآنية فقط خدمة للسياسة والإلهاء الجماعي.. والدليل أن أنديتنا غير قادرة على إنتاج نصف لاعب بمواصفات الدولية.

تحية للعمل الجاد وسحقا للتفاهة والتافهين.

[email protected]  

* فاعل جمعوي وناقد رياضي  

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد