من رام الله إلى القدس..صمت ناطق بلغات الدنيا..والكلمة لفيروز

أحمد الجــلالي

أمام فندق “ابراج الزهراء” الذي تحول إلى خيمة لضيوف فلسطين من عدة دول بمناسبة المؤتمر، توقفت حافلة من النوع الممتاز. لم يستغرق الأمر طويلا قبل أن يلتحق كل الصحافيين بمقاعدهم، مباشرة بعد انتهاء وجبة الفطور.

كنا متحفزين لهذه الرحلة التي لم تكن متوقعة، فالوجهة ليست عادية خلال هذا الصباح الجميل من حزيران رام الله.

الوجهة ببساطة مختزلة ظالمة بلا شك نحو رقعة جغرافية تعد من أقدس مقدسات بني البشر، وهي بؤرة من أقوى بؤر الصراع بين ذرية آدم، وهي مهوى روح الديانات السماوية، وهي واحد من شغاف قلوب المسلمين، وهي زهو الحضارات، وهي روضة الرياض كلهم، وهي أزكى قبلات الصلوات، وهي أم المساجد، وهي مهد الكنائس، وهي أرض الرباط، وهي حيث يخلد التاريخ عدل وقوة الخليفة عمر بن الخطاب، وهي تاج تاريخ الزعيم الكردي المسلم صلاح الدين الايوبي، وهي حيث للمغاربة باب لا كالأبواب، وهي المقصودة بسبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..

بيت المقدس كان وجهتنا.

تحرت الحافلة بسرعة عادية. عم صمت غريب أغشانا فجأة. كان كل فرد على مت الباص يفكر في شيء ما ولا جدال أن الرحلة وكيف يمكن أن تمر لم تغب عن الأذهان. شخصيا، كنت ألهو في صمت بلعبة الاحتمالات: هل سأدخل المسجد الأقصى؟ ماذا لو منع الصهاينة دخول الحافلة إلى مدينة القدس، أو هب أنهم سمحوا لنا بالدخول، ما الضامن أن دخول المسجد ممكن؟

سرحت بي الظنون بعيدا، وكانت عيني على الروابي بين رام الله ومدينة القدس، كنت أدقق في كل شبر وكأني أحكل به عيني، لأن الظروف في الغالب لن تسمح لي بالعودة إلى فلسطين، وإلى القدس تحديدا.

وكسحابة تنقشع فجأة، ضغط سائق الحافلة على زر جميل فجاءت الأغنية التي تربينا على سماعها ونحن صبية: السيدة فيروز تغني “زهرة المدائن”: الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان..الغضب الساطع آت سأمر على الأحزان…ولما وصلت إلى مقطع “لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي..سأدق على الأبواب..” تفاءلت أننا سنمر.

ومرة أخرى وفجأة توقف  السائق. دققت النظر إلى الأرض من جهة السائق يسارا. رأيت شرطة بني صهيون يدققون في أمور ما مع السائق. بلا شك كانت لديهم معلومات عن الوفد الدولي المتوجه إلى القدس.

لم يتأخر توقف الحافلة طويلا، وما هي سوى دقائق حتى تحركة الحافلة متجاوزة الحاجز الأمني ومعها ارتفعت الأصوات بين أعضاء الوفد مشكلة توليفة صوتية تشبه الصوت الصادر عمن أزيحت عن صدره أثقال كانت تخنق تنفسه العادي.

رفع السائق من مستوى صوت مكبر الصوت. سمعنا فيروز وكأنها معنا تغني: بأيدينا للقدس سلام..للقدس سلااااااااااااام آت آت آت”.

دخلنا مدينة القدس من شرقها. توقفت الحافلة فتسابق أغلب الزملاء والزميلات على النوافذ لمشاهدة ذلك البريق الذهبي الساحر، القادم إلنا من قبة  مسجد الصخرة المذهبة. لقد حولنا ذلك المشهد من شبان وكهول إلى أطفال نتقافز لرؤية السحر والجمال الممزوج بروحانية نابعة من قدسية المكان والزمان والتاريخ والوعي واللاشعور.

المشهد لا يصدق وأنت تطل على المسجد الأقصى من تلك الربوة، في ذلك المكان، في شهر يونيو..حيث ربيع فلسطين وبداية صيفها وحدهما حكاية تروى في دواوين من شعر ولوحات ترسم بلون الحب وتعفر بروائح القدس والخليل والبيرة ورام الله والجليل وتل الربيع وحيفا ويافا وجنين وغزة..

 www.achawari.com

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد