إلى مريم بنصالح زعيمة ذوي الاحتياجات اللغوية الخاصة

 أحمد الجلالي


السيدة مريم بنصالح، أو “مدام لافي ديتيل” كي نتواصل أحسن.

يسرني ويسيئني أن أقدم لك هذه الهدية غير المتواضعة، وهي عبارة عن مقال كنت كتبته قبل تسع سنوات، لم تكني أنت حينها رئيسة للباطرونا، وكان لي أنا مدير عمل وفي نفس الآن كنت مديرا على آخرين..لكن مع “الشوارع” التي يشرفها أن توقظ الغافلات مثلك..تغير الوضع ولم أعد مديرا على أحد ولا عاد فوق رأسي مدير جميل أو حقير، إيذانا بنهاية عهد الباطرونا بحول الله..” لو بون ديو” ياكي؟


هذا المقال الهدية اكتشفت  مساء اليوم فقط أنه مازال صالحا يا بنصالح..تعرفين كيف ؟ سأقول لك: في الراشيدية بمناسبة لقاء لك وبوشكارة هناك، حينما “طرت من القلية” في وجه رئيس المجلس الإقليمي الحبيب أبو الحسن، وأهنته مرارا أمام أهل قبيلته وجهته فقط لأنه طلب منكم الحديث بالعربية، لغة الدستور والإدارة والإعلام والشعب..لن أقول لك “لغة القرآن” كي لا تثار عندك أية حساسية وتلقاي منين تشديني وتهميني بتاإخوانيت ذيال الشرق والحال أني مخيخ في تمغرابيت..تفقصي يا الله.


 لقد أهنت بلا حشمة أو حياء رئيس مجلس إقليمي مننتخب، في منطقة هي الأكثر تقديسا للمرأة في بلادنا. انتفضت بتلك الطريقة وكأنك وصية على بقاء لغة ليوطي في المملكة المغربية. انتفضت لأن الرجل ذكرك بالعطب الذي يعانيه لسانك ولسان مثيلاتك وأمثالك في المغرب.


لقد مسك في الضبرة، وبدل أن تقولي “أح” قلت طز أي والله لقد تغوطت فكريا وثقافيا في وجه أهل تافيلالت، مهد الدولة العلوية الشريفة، حامية العربية والمصحف والمنبر والمسجد وكل ما يغيظ بقايا اللفيف الفرنسي في بلادنا.
قبل أن تقرئي مقالتي القديمة ــ الجديدة، تنفسي واشربي لك قنينة سيدي علي أو والماس..وما يكون باس..بالمناسبة لاش كتبيعي لينا ديك ازعيبيطة ديال جغيمة ما بسبعين ريال؟ يا الله جاوبيني بالعربية او بالأمازيغية وليست “الشلحة” لأن التشليح هو إزالة الثياب عن آدم أو حواء..الله يستر عيبك من عقلك إلى قدميك مرورا بلسانك المصاب بعاهة تفرنيس…واش ماحشمتوش فرضتو على عباد الله في قلب تافيلالت “با لوان” على مولاي علي الشريف نص نهار كله “فارنساوية”؟؟؟
ها المقال يا الله شوفي شكون يترجم ليك، بعد قراءته، ويلا وحلتي راه كين الإيميل نرسل ليك النسخة الإنجليزية مجانا.

ملحوظة قبل البدء: 

صاحب المقال يتقن الفرنسية على مذهب “جاك بريل” في رائعة لافانيط، أما إنجليزيته فقسما ليس في باطرونتك كلها من يجاريه فيها، في حين عربيته الفصحى حصيلة “باك أداب عصرية” فقط.صعب تقبل هكذا نموذج في عرفكم بلا شك.
 

أرا ما قالوا:


“مالك أصاحبي ديما شاد الزكير مع الفرنسوية؟ واش معقد من هاذ اللغة؟”. هكذا علق جليسي على ملاحظة أبديتها حول تصريح تلفزيوني مفرنس جدا لمسؤول مغربي. ليس صاحبي هو أول من لامني صراحة، ولن يكون الوحيد ممن يثير امتعاضهم رد فعلي العنيف أحيانا إزاء الاستخدام المفرط لسلاح الفرنسة الفتاك في المغرب، إداريا وإعلاميا وإشهاريا..وأكاديميا. “”
وقبل أي شيء  آخر أحب أن أوضح لكل متحمس للفرنسة قد يرى في معاداة هذه اللغة رد فعل عن عقدة نقص تجاهها، أني خريج لغات وأن مستواي في الفرنسية كتابة وقراءة ونحوا وصرفا ليس أقل من جيد:في الابتدائي كنت حسمت في مدرسة “سيدي الكامل” العزيزة كثيرا من الإشكالات اللغوية التي يصادفها كثير من تلاميذ الباكلوريا حاليا، وفي الإعدادي كنت أصل درجة اللجاج بالفرنسية وفي مستوى الثانوي كنت أقول ما أريد وأكتب ما أرغب فيه بلا أخطاء وبثقة كبيرة في اللغة والأسلوب.سقى الله ذكرى من علمونا مثل السادة الجيلالي المنصوري وعبد اللطيف لفراني ،وبا الخليفي.إذن لا مركبات نقص هناك ولا هم يعقدون. فماهي مشاكلي مع هذه اللغة التي أقول لكم من الآن إنها ميتة، وسأشرح لاحقا؟
إليكم بعض الملاحظات، وهي شبه قناعات لدي وأرجو أن تتفضلوا بتصحيحها إن كنت مخطئا:
أولا، المغرب هو البلد الوحيد في العالم الذي يكتب في دستوره إن لغته الرسمية هي العربية لكن واقع الحال أن الفرنسية هي لغتنا الوطنية المفروضة بقوة اللوبي المفرنس حتى النخاع.أدعوكم أن تتخيلوا مثلا فرنسا الفرنسية لغتها الإدارية هي العربية..لا ليس العربية..لنتخيلها الإنجليزية.هل يستقيم الوضع؟ قطعا لا.
أفتح قوسا (سيقول إخوتي الأمازيغ إن الأمازيغية يجب أن تدستر لأنها لغة المغرب، فأقول عن قناعة: أنا لست معكم في هذه القضية فحسب، بل مستعد لأقود الدعوة إلى هذه الأمنية وأني منكب على تعلم الأمازيغية في سن متأخرة للأسف، لكني أحاول فادعوا لي أن يفك الله عقدة أمازيغية من لساني كي أفقه أحاديثكم.قولوا أمين).
ثانيا،دلوني على كبار دعاة الفرنسة ممن لا يتنكرون للهوية المغربية في بعدها الثقافي والديني والتاريخي، إن وجدوا فقليلا ما هم.وبالمقابل لاحظت أن أحسن من يتقنون العربية وينحازون إليها ولو كتراث هم من دارسي الإنجليزية.

صدقوني إن دارس هذه اللغة الأجنبية تحديدا، المتمكن منها اشتغالا لا خوف عليه أو منه، فهو بقدر الغوص فيها يفقه خبايا العربية ويكون مترجما بالفطرة، فما بالك إن تخصص.
ثالثا، ما تفرخه معاقل ليوطي الثقافية مثل ثانوية “ديكارت” ومعهد “بالزاك” وغيرهما من أفواج ممسوخة غرباء في وطنهم وفي محيطهم، كائنات غريبة في المغرب.جسدهم بالبلاد وعقلهم في السربون.لا يستخدمون العربية إلا لشتم بعضهم، أي والله لقد سمعتهم مرة يتحدثون الفرنسية إلى بعضهم ولما تشاجروا نطقوا بما لا يعرفه عتاة أبناء الشارع المنحرفين.
رابعا،يحدث أن يفتخر بعضهم بجهله العربية في مناسبات كثيرة ويبتسم تلك الابتسامة البلهاء “ديزولي، جو باغال با بون أغاب!”، وهذا الأمر يتفاحش كثيرا و”يتباشع” ( من البشاعة) عندما يعود أبناؤنا من فرنسا إلى المغرب مسؤولين عن قطاعات حيوية فيعيتون في الإدارة فرنسة، والأدهى أنهم يفكرون بالفرنسية ويشعرون بالفرنسية ويقومون بإسقاطات الواقع الفرنسي على الحقيقة الاجتماعية والثقافية المغربية، ولا أستثني من هذه العينة المخرجين السينمائيين.
خامسا،الإعلام المغربي، الممول من جيوب المغاربة، يصر أن يخاطب المغاربة بالفرنسية، حتى ليظن المتتبعون أن الأمازيغ والعرب أقلية في هذه البلاد، ولو أن حقوق الأقليات كما تنص عليها المواثيق الدولية طبقت، لكان نصيب العربية والأمازيغية أحسن من مجموع الحصص الزمنية المخصصة لهاتين اللغتين أمام الفرنسية المستأسدة إدارة ومواد مرئية ومسموعة.
سأكتفي بهذه الملاحظات وأعود لصلب الموضوع وأتساءل بفرنسيتهم ( أكوا سيغ لو فخانصي مينتونان؟) أي: لم تصلح الفرنسية الآن؟ جوابي: إن اللغة الميتة لا تنفع حتى الأموات فكيف تفيد الأحياء في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؟ لغة العلم والتجارة والأعمال والإعلام هي الإنجليزية،ليس تعصبا لها ولكنه الواقع.ويعلم الفرنسيون قبل غيرهم أن لغتهم لا مستقبل لها ولا حاضر، وكل من يقوم منهم ببحث علمي لا غنى له عن المصادر الأنجليزية، فلم نصر نحن على التشبث بلغة دوغول المحنطة؟ إنه الجهل المكعب يا سادة.اسألوا السيد غوغل عن محتوى الانترنت بالفرنسية وقارنوا.أسألوه أيضا عن ترتيب اللغات عالميا ولاحظوا موقع العربية.


اسألوا اليابانيين عن السر بين اعتزازهم بلغتهم الصعبة و كيف تقدموا وأصبحوا معجزة القرنين؟ اللوبي البائد ثقافيا في بلادنا يريد أن يمد في حياته بأية طريقة وبأي ثمن نظرا لارتباط “وضعه الاعتباري” بلغة المستعمر. اللوبي الفرنسي عبارة عن “غيتو” يقاتل عن حصونه باستماتة ولن يستسلم بسهولة إلا بثورة ثقافية تعيد الأمور إلى نصابها، وثقافة الغيتو دائما متكتمة، ويقيني حتى لو صار كل المغاربة يتحدثون الفرنسية ليل نهار وبإتقان فهم لن يسعدوا، لسبب بسيط أنهم يعتقدون أن تفرنسهم هو العلامة الاجتماعية للتحضر التي تجعل منهم زبدة الوطن، مقابل “المايص” الذي تعلوه القشدة دائما.
لا أفهم سر فرض لغة ميتة على شعب حي ثقافيا وفكريا.وهي مفروضة عليك في الإعلام السمعي والبصري والمكتوب وفي اللافتات والشوارع والحارات والبارت والمراقص والمطاعم…والمزابل ودورات المياه؟ لا مهرب منها إلا إليها.تنزل من “التران” لتأخذ “بوتي طاكسي” ليمر بك “الشيفور” عبر شارع “بوردو” لتجلس في “كافي لا فرانس” ويعطيك “الكارسون” “كافي نوار” وتقرأ “جورنال”…تفو على “بناشي” عفن.
في المباريات التوظيفية، على صوريتها، ينتصب شبح الفرنسية أمام المتبارين مخيفا.في التحصيل العلمي بالمدارس والجامعات هلكت الفرنسية طاقات عديدة ذنبها الوحيد أنها لا تتقن هذه اللغة وكتب عليها الرسوب والطرد.أليس ممكنا تعريب المعرفة لجعلها ميسرة للجميع، مع تشجيع اللغات الأجنبية، بما فيها “العبرية”، لغة العدو الحضاري التي تستحق الاهتمام؟.

وللإشارة ففي “الشرق الأوسط”، الصحيفة التي تدعي أنها صحيفة العرب، لا أحد في طاقمها بأكمله يتقن العبرية لغة عدو العرب، وبالمقابل انظروا كيف يتقن بعض المسؤولين الصهاينة العربية الفصحى.
وعلى ذكر المشرق، فإن كثيرا من العربان يعتقدون أننا شعب مفرنس لا علاقة له بالعربية الفصحى ولا بقواعدها، وكم تكون دهشتهم كبيرة عندما تجادلهم في المبني للمجهول ومنتهى الجموع وباقي القواعد الإعرابية..وغيرها من دقائق النحو.
في قناة عربية حللت عليها ضيفا شعرت بأن صاحب البرنامج كان مندهشا من “هذا الكائن المغربي الذي يصر أن يكون فصيحا ولا يرتكب أي خطأ وينطق لغة عربية سليمة”، وفي نهاية البرنامج بادرني بالقول:” والله برافو عليك إستاذ أحمد تحكي عربي منيح كأنك مو مغربي”..

يا سبحان الله.ابتسمت بحرقة ولم أعقب.
مفارقات وقصص كثيرة حصلت لي كانت بسبب هذه الفرنسية اللعينة، سألخصها لكم ما استطعت:
في مناسبات كثيرة ألتقي فرنسيين بالمغرب وأتعمد أن أخاطبهم بالأنجليزية فيشعرون بالإهانة لأن في مخيلتهم من العيب أن “نخون” الأمانة التي تركها لنا الاستعمار، بهذه السهولة، رغم أن رئيسهم “الرويجل” ساركوزي قال في مجلس العموم البريطاني إن الاتحاد الأوروبي يستحيل أن يقوم بلا إنجليزية.رسالتي تكون كالتالي: أنا مغربي لكني وكثيرا من أمثالي نعتبر المؤشر على أن زمن الفرنسة لن يطول في هذه الأرض.
في مصادفات كثيرة تأخذني مشاغل إدارية إلى بعض المؤسسات فيصرون على الحديث بالفرنسية فأمهلهم إلى أن ينتهوا فأبادرهم بأني لم أفهم شيئا لأني لا أعرف الفرنسية وأني سأكون ممنونا لو يشرحوا لي بالعربية أو الإنجليزية أو الأمازيغية ( الأمازيغية أدعيها إمعانا في العزف على وتر بعينه). يرتبك المسؤولون وأقرأ على محياهم الكثير من غبائنا وكوارث سياساتنا الخرقاء..ومآسينا كأمة مسلوبة.
في القطار تصادف قوم “بني فرنس” وتجدهم يقرؤون مجلات وصحفا معروفة وكم يتضايقون عندما تدخل عليهم المقصورة صباحا وتقول لهم “السلام عليكم”.كيف تريد منهم أن يبدؤوا هذا اليوم بتحية “غير بونجوغ”؟
في رجلة طويلة من مراكش إلى القنيطرة حشرني زحام القطار ذات مرة في مقصورة لم يكن بها غير فتيات مفرنسات حتى كعب الأحذية.هن يرطن بفرنسيتهن وأنا أجيب من يهاتفني بدارجة توحي بأني لا أعرف غيرها وأرفع صوتي متعمدا كي أسمعهن.هن يقرأن “ليكونوميست” والداعي لكم بالخير يتمتع بقراءة “أرض السواد” للرائع عبد الرحمان منيف.

بعد أكثر من ساعة وصل حديثهن إلي، قالت إحداهن بالفرنسية طبعا: “لم أكن اعرف أنه مازال في المغرب أناس متخلفون إلى درجة أنهم يقرؤون كتبا عربية بحجم الوسادة “، في إشارة إلى كتابي كبير الحجم.ضحكت في نفسي ولم أنظر إليها كي أستمر في الاستغفال.بعد هنيهة أردت الخروج إلى الممر فخاطبتها: “عفاك أختي سوخري كراعك بغيت نخرج نتسبرا (حشاكم)”، لعلها لم تفهم مفرداتي، وقد أسعدني ذلك.

بعد أن أوشكنا على الوصول إلى الرباط طويت كتابي واستأذنتهن في الحديث.باختصار، أحصيت لهن كل الأخطاء اللغوية الفرنسية اللائي ارتكبنها منذ محطة مراكش. صححت لهن بفرنسية لم تخطر لهن على بال.تركت علامات الصدمة على وجوههن وغادرت.
في الحقيقة أنا المصدوم من كل ما ذكرت وما نسيت ذكره.”

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد