استقال كل فريق تحرير موقع قنطرة الرقمي، المموّل من الحكومة الألمانية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بعد إعادة هيكلة جعلتهم “غير قادرين على ضمان استقلالية الخط التحريري”، مع تلميحات بوجود دوافع سياسية وراء التغيير وعدم الأمانة من جانب وزارة الخارجية الألماني، في ظلّ حملة قمع للأصوات المؤيدة لفلسطين في ألمانيا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي بيانٍ نشر على الموقع قال فريق تحرير “قنطرة”: “أعلن فريق التحرير المسؤول عن هذه المجلة الإلكترونية الفريدة والمتعددة اللغات والمعروفة دولياً استقالته قبل بضعة أشهر. نود أن نشكر جميع قرائنا على ولائهم ودعمهم النقدي على مدار السنوات الـ16 الماضية، ونتمنى لكم كل التوفيق”. لكن مصادر في موقع قنطرة قالت لموقع ذا نيو آراب بشرط عدم الكشف عن هويتها إن استقالتهم مرتبطة بمخاوف حول تهديد استقلالية الخط التحريري.
وقال الفريق لوسائل الإعلام: “لقد استقلنا معاً لأننا توصلنا إلى استنتاج مفاده أن صحافتنا النقدية المستقلة لا يمكن أن تستمر تحت إشراف معهد العلاقات الخارجية (أي إف إي)، لأنها تعتمد بشكل شبه كامل على وزارة الخارجية”.
وفي وقت سابق من هذا العام، أُعلن أن “قنطرة” سيخضع لإعادة هيكلة، تنقله من عهدة هيئة البث الحكومية دويتشه فيله إلى معهد العلاقات الخارجية، وهي مؤسسة أنشئت لتعزيز سمعة ألمانيا دولياً، من دون خبرة كبيرة في مجالي الصحافة وإنشاء المحتوى.
آنذاك، بررت وزارة الخارجية هذه الخطوة بأنها هيكلية بحتة، ولا تتعلق بمحتوى الموقع. لكن تصريحات لاحقة لوزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، نقضت هذا الادعاء.
وقالت بيربوك لصحافي في المؤتمر الكاثوليكي الذي أقيم في درسدن في ماي الماضي: “لدينا تحدّ، خاصةً في ما يتعلق بمعاداة السامية. لذلك يتعين علينا التحقق من بعض المنصات مرةً أخرى، ومعرفة ما إذا كان كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح”. أضافت: “الأمر يتعلق بالمال، ولكن أيضاً بالمحتوى الذي يُنشر”.
وافتتح موقع قنطرة لتعزيز الحوار مع الشرق الأوسط بعد هجوم 11 سبتمبر. اعتمد الموقع على نصوص وتقارير باللغات الألمانية والعربية والإنكليزية، وحصل على الإشادة باعتباره صوتاً نادراً يجمع التوازن والخبرة في وسائل الإعلام الألمانية، حيث نشر أكثر من 90 ألف مقال لأكثر من ألفي كاتب.
ومن ضمن ما نشره الموقع، مقابلات مع خبراء شكّكوا في النقاش الألماني “البعيد عن الواقع” حول معاداة السامية، مشيرين إلى أن “سمعة ألمانيا تتدهور على نطاق واسع”.
وأدان المؤرخ البارز يورغن زيمرير، الذي استمع إلى تسجيل بيربوك الصوتي، إعادة هيكلة الموقع والتصريحات المضللة على ما يبدو من وزارة الخارجية.
قال: “إذا كان ما يقلق وزيرة الخارجية والوزارة الآن، كما يبدو من التسجيل الصوتي، هو معاداة السامية، فهذا يعني أن كل التصريحات في الماضي كانت أكاذيب. والكذبة ستكون فضيحة يجب أن تكون لها عواقب سياسية”. كما اعتبر ما جرى مع موقع قنطرة “هدماً متعمداً لجسر مهم إلى العالم الإسلامي”.
وبرّرت وزارة الخارجية الألمانية هذه الخطوة جزئياً بأنها تريد جذب المزيد من الجمهور، لكن “أي إف إي” يملك ربع عدد متابعي “قنطرة” على “فيسبوك”، والبالغ عددهم 800000، ممّا يشكّك في صحة هذا التبرير. إضافةً إلى امتلاك “قنطرة” 22 ألف مشترك في نشرتها الإخبارية الأسبوعية.
وترى عناصر من هيأة التحرير أن وزارة الخارجية “أرادت السيطرة على مكتب التحرير”، مضيفاً: “أرادوا نزع الطابع السياسي عنه، وهو ما سيفعلونه خطوةً خطوة، وليس دفعة واحدة”. تابعت: “كنا دائماً دقيقين بشأن الشرق الأوسط، ولم يعد هناك مجال لذلك في ألمانيا بعد الآن”. كما اشتكى من ضعف التواصل من جانب وزارة الخارجية و”أي إف إي”، وعدم الرد على أسئلتهم.
وقالت مصدر في فريق تحرير “قنطرة“: “لقد انتقدنا المثالية الذاتية للألمان في ما يتعلق بمعاداة السامية، إذ يأخذ النقاش الشعور بالذنب من الألمان ويلقيه على عاتق المهاجرين”.
ونشر 35 كاتباً في قنطرة رسالة قالوا فيها إن “الخطر الحقيقي متمثل في إغلاق مشروع يسمح بتنوع الرأي ويطرح أحياناً أسئلة عن السياسة الخارجية والثقافية الألمانية في مناقشاته”، كما عبّروا عن شكوكهم في “امتلاك أي إف أي إمكانات تحريرية لمواصلة هذا المشروع المعقد بنجاح”.