إلياس العماري “عاد” قُبيل العيد لكبير..قراءة محايدة في واقع مغربي متحيز

 أحمد الـجَــلالي

قبل أسابيع من اليوم تساءلنا في مقال رأي وإخبار عن أسباب اختفاء الياس العماري وما أسفر عنه هذا الغياب على الصعيدين السياسي والحزبي التنظيمي. وقد كانت تحت يدنا ساعتها أخبار غير مؤكدة ذات صلة بالموضوع، لكننا أحجمنا عن نشرها حول دواعي “الغيبة الكبرى” للزعيم السابق لحزب الاصالة والمعاصرة.

يقول مثل انجليزي “اعط للوقت وقتا” وسوف ترى.

وليس وموقع الشوارع وحده من يحتاج لإعطاء الوقت وقتا كي تتضح رؤاه، بل إن إلياس كأي إنسان قبل أن يكون ذا وزن سياسي فهو بحاجة للوقت للراحة أولا من طاحونة العمل السياسي، ولأخذ مسافة من التفاصيل كلها لإعادة ترتيب الأوراق والانطلاق بنفس جديد.

والأهم من أي نفس هو الانطلاق متحررا من الأخطاء السابقة. وقد عبر العماري بلسانه عن ذلك في حوار العودة بالقول: “بغيت نصحح أغلاطي وليس الحديث عن التجارب الجماعية السابقة”.

ومن بين التجارب الجماعية السابقة ليس انغماس العماري في المجتمع المدني بمعناه الجمعوي ولكن أيضا معمعان العمل الحزبي حيث تزداد مطبات السير ويكون الكائن المسيس، وفي موقع المسؤولية، أكثر عرضة لانقلاب العربة، سواء كانت “جرارا” أو دراجة هوائية.

 وبعيدا عن العلاقة العاطفية التي قال إلياس انها تربطه بإذاعة “كاب راديو” وعن اليتم الذي ابتليت به هه المحطة بعد وفاة علي لزرق فإن ظهور العماري ليس ظهورا “كأيها الناس” لنمر عليه مرور اللئام.

اتفقت مع العماري أو اختلفت فهذا لن يغير من حقيقة قوة حضوره شيئا، إذ أن حضوره في الملعب السياسي يكون صاخبا، ولا يكون غيابه أيضا “ساكتا”. فهذا المواطن المغربي يبدو وكأنه خلق منذورا للسياسة والجدل وإثارة الزوابع الإعلامية والسياسية بقصد منه وحتى من غير قصد.

وعبارة “بغيت نصحح أغلاطي” رسالة سياسية قوية بلا شك التقطها من يعنيه أمر فهمها سواء في أوساط “البام” حيث “روح إلياس” باقية في العمق أو في معسكر الخصوم، وفي مقدمهم “العدالة والتنمية”. والرسالة أيضا موجهة وبلا شيفرات إلى مربعات أخرى أوسع وأقوى في عملية صنع القرار.

إلياس كائن سياسي بحواس شم وأنياب انقضاض جامدة، وهو ليس غرا كي يخرج متى يشاء ويقول ما يرد عفو الخاطر على لسانه، كما أن إلياس ليس بذلك الشخص الإمعة الذي يقاد من تلابيب عنقه إلى أي ميكروفون ويملى عليه حرفيا ما يقول.

هو بين هذا وذاك، التمس منذ زمن طريقه وبصمته في العمل الإعلامي والسياسي، مع هوامش كبيرة نتركها لأنفسنا في باب نقد تجاربه السالفة.

غير أنه سيكون من الإجحاف أن ننكر على الرجل مساره وما حازه من تراكمات.

.لاحظوا جيدا ما وراء سطور هذه الجملة الطويلة الدالة والتي قالها في معرض حديثه عن العمل الإعلامي الذي” سيجبره على الاستمرار في الانسحاب من العمل السياسي”.

“سيجبرني” تعني أني لا أنوي التخلي عن العمل السياسي وتعني أيضا أني مازلت فيه غارقا حتى الأذنين.

 ثم تمعنوا في الجملة الثانية: “إذا رجعت إلى العمل السياسي لن يساعدني الناس لأني سأكون طرفا”: معناه أن العودة العملية ليست مستبعدة لقيادة البام سواء من موقع القيادة أو من وراء ستار شفاف وفعال.

ثم هاكم الجملة الثالثة: “واليوم سأقف على المسافة نفسها بين كل الفاعلين السياسيين، ولم/لن أؤذِ أحداً ولن أظلم أحدا، ولن أكون بديلاً للمقاولات الإعلامية”: إنه ميثاق شرف مهني وإعلان نوايا قد تتخطى محطة إذاعية إلى بعد سياسي وطني يكون فيه إلياس جديد ليس فقط بلوك الشعر وإنما بأداء آخر وسقف سياسي مغاير بخطاب سياسي مختلف.

كل ذبذبة تصدر عن إلياس العماري لابد أن يكون لها صدى في اتجاه حزب الأصالة والمعاصرة، حيث يبدو وهبي تائها في صحراء تنظيمية لا يعرف كيف يعتر فيها على واحات ظليلة، كما لابد أن يكون لكلام العماري رجع صدى قوي في بيت “العدالة والتنمية” الذي بدأ يستعيد تدريجيا وهجه الجماهيري مع عودة الداهية بنكيران إلى دفة قيادة الحزب.

ونظن أن خروج العماري في هذا الوقت بالذات قد تكون أملتها حاجة ملحة لضبط التوازنات وعدم السماح لكفة ما من الخطاب السياسي أن تميل بالميزان كله.

وبصرف النظر عن هذه الفرضية فإن الساحة السياسيةــ ولو في الهامش المتاح ــ قد افتقدت لنشاط كان يغذي شرايين المشهد كله وينشط دورة الدماء في جسم الدولة بالنتيجة.

ولو وضعنا التقاطبات الأيديولوجية جانبا وفكرنا خارج الصندوق الانتخابي والمصلحي الآني فإن الثنائي “العماري/بنكيران” فيتامينان حيويان لهذا المشهد السياسي الذي تجمد كثيرا بعد أن حلقت الحمامة عامين فوق سماء أرض الوطن.

بل إن هذا التكلس الذي تسببت فيه حكومة أخنوش يعد بلا تردد مقدمة لموت سريري لما تبقى من السياسة في المغرب.

نأسف مثلكم أيضا على كون اللعبة كلها مازالت عاجزة عن إنتاج نخب بديلة فرديا وجماعيا، وتلك معضلة قديمة أصابت المغرب وأصبح تفريخ النخب أصبح أصعب من العثور على “الزئبق الأحمر” في كل خربة أو في قعر أي بئر في مجاهل هذه الأرض.

لكي تفهم “السياسة” في المغرب يجب أن تكون خريجا للأكاديمية الدولية لالتقاط الإشارات، إن وجدت هذه المؤسسة. فكل ما قد يرد ببالك استعد لكي تثبت لك الأيام أنه غير ذلك.

ومع أننا لا ندعي فلسفة في ضرب المندل إلا أن هذا الظهور الأخير للعماري بعد راحة بيولوجية/نفسية طالت على مناصريه وتمنى استمرارها خصومه، ليست مجرد ظهور لرجل احترف الإعلام واشتاق لبريق العدسات..وفقط.

وعسى أن يكون ما يعد له اليوم من خلال إلياس وعلى جبهات أخرى مقدمات وتسخينات لدخول سياسي بعد هذا الصيف، بنفس كله أمل في مغرب ممكن، تزيح الدولة من خلاله كثيرا من غبار الرتابة  والكآبة والقنوط الممتد من أعلى جبين البلاد إلى أظافر أقدامها.

عسى….عسى ولعل.

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد