يعتبر محمد أبو عطية وردة الأسير الفلسطيني المحرر من سجون الاحتلال، أمس الخميس، من بين أعلى الأسرى عقوبة، إذ صدرت بحقه أحكام بالسجن 48 مؤبدا وقد كان الرجل إلى جانب زكريا الزبيدي عنوانين للصمود والتحدي الفلسطيني رغم أنف الاحتلال.
وبعد نحو 23 سنة في سجونه، أفرج الاحتلال عن “أبو وردة” (49 عاما) ضمن 110 أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق حركتي حماس والجهاد الإسلامي سراح 3 إسرائيليين و5 تايلانديين من قطاع غزة، في الدفعة الثالثة من تبادل الأسرى.
ومن بين الـ110 أسرى فلسطينيين المحررين 32 أسيرا محكومون بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، و48 أسيرا بأحكام مختلفة، و30 أسيرا من الأطفال.
و”أبو وردة” من مخيم الفوّار جنوب مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وهو قيادي بكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ولديه 48 مؤبدا.
ولد “أبو وردة” في 17 كانون الثاني\يناير 1967، وتنحدر عائلته من قرية عراق المنشية المهجرة عام 1948، وهو واحد من 5 إخوة وأخوات.
وأنهى دراسته الأساسية في مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “أونروا” في مخيم الفوّار، ثم التحق بالمدرسة الشرعية في مدينة الخليل لدراسة المرحلة الثانوية.
بعد إتمام الثانوية العامة، التحق بجامعة بيت لحم ثم جامعة القدس، وبعدها كلية دار المعلمين بمدينة رام الله، التي درس فيها تخصص التربية الابتدائية أكاديميا.
ونشط سياسيا في الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابي لحماس، والتحق بفرع جامعة القدس المفتوحة في بلدة يطا جنوب الخليل، لدراسة التخصص نفسه، لكنه اعتقل قبل أن يتم دراسته.
للمرة الأولى، اعتقل “أبو وردة” لمدة ثلاثة شهور وكان عمره 15 عاما، بتهمة بإلقاء حجارة على جيش الاحتلال والمستوطنين، وكتابة “شعارات نضالية” على جدران المخيم.
ثم جاء الاعتقال الأهم في 4 نوفمبر 2002، بعد سنوات من المطاردة؛ بتهمة التخطيط مع الأسير والقيادي في كتائب القسام حسن سلامة وتجنيد ثلاثة فلسطينيين فجروا أنفسهم في حافلات للاحتلال.
وهؤلاء الثلاثة هم مجدي أبو وردة وإبراهيم السراحنة ورائد الشرنوبي، وأسفرت العملية في فبراير 1996 عن مقتل 45 جنديا ومستوطنا إسرائيليين وإصابة أكثر من مئة آخرين.
وجاء ذلك ردا على اغتيال إسرائيل القيادي في كتائب القسام يحيى عياش في مدينة غزة.
وفي يناير 1996، اغتالت إسرائيل عياش عبر تفجير هاتف محمول مفخخ، بعد مطاردته لسنوات، شهدت محاولات فاشلة لاغتياله.
ومساء أمس الخميس وصل 66 أسيرا فلسطينيا من المفرج عنهم إلى وسط مدينة رام الله بالضفة الغربية، حيث كان مئات المواطنين في استقبالهم بالتهليل والتكبير.
ويأتي ذلك ضمن الدفعة الثالثة من المرحلة الأولى لصفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، المتضمنة في اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.
ونقلت حافلتان تابعتان للجنة الدولية للصليب الأحمر المحررين إلى المركز الترويحي وسط رام الله، بعد مغادرتهم سجن عوفر العسكري الإسرائيلي غرب رام الله.
واستبق الجيش الإسرائيلي خروج الحافلات، باقتحام بلدة بيتونيا بعدد من الآليات العسكرية وجرافتين، وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع على مواطنين كانوا بانتظار خروج الحافلات، ما أسفر عن إصابة 14 فلسطينيا، وفق الهلال الأحمر الفلسطيني، بينهم 3 بالرصاص الحي.
ولحظة خروج الأسرى من الحافلات، حملتهم الحشود على الأكتاف وسط هتافات بالتهليل والتكبير.
وكان من أبرز الأسرى المحررين زكريا الزبيدي من مخيم جنين شمال الضفة الذي قالت صحيفة عبرية إن الجيش الإسرائيلي سيمنعه من العودة إلى المخيم.
واعتقل الجيش الإسرائيلي الزبيدي عام 2019، ووصفه مسؤول كبير بالمخابرات الإسرائيلية بأنه “قط الشوارع الذي وقع أخيرا في المصيدة”.
ونجح الزبيدي بالهروب من زنزانته عبر نفق مع 5 من رفاقه في الأسر من سجن جلبوع الإسرائيلي في 6 سبتمبر 2021، في عملية وصفها مراقبون بـ”الأسطورية” ليعاد اعتقاله بعد ذلك بأيام.
وبدا الأسرى في حالة صحية متردية نتيجة ما تعرضوا له في السجون الإسرائيلية من عمليات تعذيب وتجويع ممنهجة، سبق أن تحدثت عنها مؤسسات فلسطينية رسمية.
وعمت فرحة كبيرة أوساط أهالي الأسرى فور وصول الحافلات، وعلت أصوات الزغاريد ابتهاجا بذلك، وهتافات تشيد بالفصائل الفلسطينية وصمود أهل غزة وتضحياتهم.
وضمن الدفعة الثالثة من التبادل، التي تشمل إجمالا 110 أسرى فلسطينيين، هناك أسرى سيتم إطلاق سراحهم من مركز تحقيق المسكوبية في مدينة القدس المحتلة حيث سيعودون لمنازلهم من هناك مباشرة، إضافة إلى عدد آخر سيخرج من سجن النقب (جنوب) حيث سيتم إرسالهم لقطاع غزة أو للإبعاد إلى مصر.
وتشمل هذه الدفعة: 32 أسيرا محكومين بالسجن المؤبد، و30 طفلا، و48 بأحكام مختلفة.
ومقابل هذه الدفعة من الأسرى الفلسطينيين، أطلقت فصائل فلسطينية في غزة، في وقت سابق اليوم، 3 إسرائيليين كانوا محتجزين في القطاع، وهم الأسيرتان أغام بيرغر وأربيل يهود، والأسير جادي موشي موزسس.
والتبادل الثاني للأسرى جرى السبت الماضي، حيث شهد إطلاق سراح 4 مجندات إسرائيليات من غزة، مقابل إفراج إسرائيل عن مواطن أردني و199 فلسطينيا بسجونها.
فيما جرى التبادل الأول مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في 19 يناير الجاري، حيث شمل الإفراج عن 3 أسيرات مدنيات إسرائيليات مقابل 90 من المعتقلين الفلسطينيين، من النساء والأطفال، وجميعهم من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس.
وفي المرحلة الأولى من الاتفاق، المكون من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما، تنص البنود على الإفراج تدريجيا عن 33 إسرائيليا محتجزا بغزة سواء الأحياء أو جثامين الأموات مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين والعرب يُقدر بين 1700 و2000.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 159 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، وإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.