سعيد لحليوي *
لا شعار اليوم يعلو على جملة ادخل لدار وسد عليك. نعم إنهم يتحدثون عن دور، لكن الواقع يتحدث لغة الحقيقة: براريك الصفيح وأقفاص ما يسمى السكن الاقتصادي/الاجتماعي.
لقد بدت علامات الإحباط على وجوه بعض الفئات من المجتمع اليوم واضحة لا تحتاج إلى روتوش أو نفاق. واقع ضاغط يطرح عليها أكثر من علامة استفهام لا جواب لها، في ظل هذه التغيرات العالمية الفاقدة لراس الخيط بحثا عن انفراج قريب لأزمة ليست ككل الأزمات العالمية والوطنية.
على أي مجتمع نتحدث اليوم: مغرب الفيلات والشق الغالية أم مغرب الأحياء الصفيحية والـ “دواوير” أم “البراريك” أم الـ “كاريانات”، وصولا إلى السكن الاجتماعي.
تعددت التسميات لكن الواقع بائس واحد ، يتقاسم الإنسان فيه بيتا صفيحيا مع ابنائه وبناته وأحفاده وبضع عنزات وأبقار وحصان، ضمن مجال يفتقد لأبسط وأدنى شروط الحياة الآدمية.
ادخل لداركم وهنينا.. تعني أدخل شقة في سكن الاجتماعي مساحته لا تزيد عن 50 مترا ، وتتراوح مساحة الشقة الواحدة من وحدات هذا السكن غير الاجتماعي بين 40 مترا و55 مترا، في أقصى تقدير حسب دفتر التحملات الذي تعمل وفقه الشركات التي تبني تلك الشقق/ القبور.
وبحسب التقطيع الطوبوغرافي فهي مقسمة إلى ثلاث غرف صغيرة، ومرحاض ضيق جدا، ونوافذ أشبه بشبابيك السجن، بينما الأبواب مصنوعة من الكرتون الذي لا يصمد أمام أنياب الفئران الصاعدة من أنابيب الصرف الصحي المهترئ.
أليست هذه كلها حاضنة خصبة لأسباب وشروط الأوبئة والأمراض الفتاكة؟
جهاز تسخين الحمام من النوع الرديء في ظل الاحتراز الذي قامت به الدولة الآن في إقفال الحمامات مخافة انتقال العدوى بين المستحمين. و في الوقت الذي نتحدث فيه عن فلسفة المجال، بربكم هل ما تبقى من مساحة هذا القفص سيتسع للمطبخ و للثلاجة ولتناول وجبات الطعام؟
في ردود أفعال على منصات التواصل الاجتماعي نصادف قاموسا موحدا: تكمش، ادخل داركم، هنينا … كلها تدعوا إلى الالتزام والتقيد بروح المسؤولية بالجلوس في البيوت والتزام بالحجر الصحي ،الذي تعمل مصالح وزارة الداخلية على تنفيذه: مقدمين ،شيوخ قياد و قائدات المقاطعات ورجال الأمن وأطر وزارة الصحة..نعم هذا جميل.
لكن في ظل الإكراه السكني فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الزمن من الناحية النفسية و السيكولوجية هو واقع الأطفال والمدرسة والتعلم عن بعد مع غياب الوسائل، زد على ذلك انعدام الراحة النفسية بين طفل طليق في رحاب المدرسة ،وطفل اليوم يجد نفسه مقيدا في بضعة أمتار بجدران الاسمنت ورنين أواني المطبخ ورنات الهواتف وصوت التلفاز…عن أي تحصيل تتحدثون حتى لو توفرت الحواسيب و شبكة الربط بالإنترنت؟؟
وفي مجال السكن غير الإنساني هذا فالكل يعانون وليس الأطفال فحسب، فلكل احتياجاته ذكورا وإناثا..ومثال مدمني التدخين وغيره من الآفات يغني عن أي توضيح.
مع هذه الأزمة التي جعلت المواطن يتأمل كل شيء ويسائل كل جزئية يبسط دفتر المحاسبة صفحاته بيضاء صارخة:
المنعشون العقاريون عاملوا الفئات المسحوقة كبقرات حلوب مصوها وراحوا…إلى أين؟
يقينا، سيكون لكورونا وواقع كورونا على النسيج الاجتماعي المغربي والعلاقات الأسرية من الآثار ما لا يبدو اليوم بوضوح لكنه سيقف في وجوهنا غدا بكل قوة…استعدوا وهيئوا الإجابات.
* باحث في علم الاجتماع/ سلك الدكتوراه
www.achawari.com