عفوا صديقي أنا ساخط فعلا ولي أسبابي لكني لست “مسخوطا”

 أحمد الجَــلالي

في دردشة مع صديق إعلامي وازن، ويجر وراءه تاريخيا مهنيا ونضاليا، أخبرني أنه قرأ إحدى مقالاتي وهو يضحك بين جملة وجملة ومن فقرة إلى أخرى.

وفي خضم الدردشة المفتوحة والعفوية علق بالتالي: “أنت ساخط ومسخوط”. انتهت المحادثة ولكن كلمتي “ساخط/مسخوط” ظلتا تفعلان فعليهما في مخيلتي..أحدثتا طنينا فكريا وسياسيا لا سبيل للتخلص منه سوى بفعل أشد ألا وهو الكتابة.

وبالعفل، فإنه يبدو أن حكمك على نفسك ليس كافيا لكي تتيقن من ماهيتك في نظر الناس. وحتى لو حرصت على أن تكون “بيرفكت” فلا شيء يضمن لك أن الناس/المتلقي من كل المواقع سيتقبل ما يصدر منك وعندك ــ خصوصا كتابة ــ بحسن نية.

أقول هذا، ولم ولن يكون إرضاء الكل غايتي، ولن أكون حريصا على أي تمثيل، فكل مواهبي في باب وركح “المسرح الإيديولوجي/السياسي” أن يعجب الناس بي أو أغني لهم من المواويل ما يطربهم. كل من يفعل تكون تلك نهايته بل يكون قد انتهى وأفلس فعلا.

سمعت في حوار مسلسل صار كونيا أن من يحرص على جميع التفاصيل لن يصنع بطولة. في كل منا صوت يدعوه للوصول إلى “بطولة ما”، وعن نفسي لا أسعى إلى بطولة بعينها، وإن كان ولابد فأم البطولات أن “أكون أنا”..فقط.

رضي الله عنكم ولا أسخط نسلكم، دعونا نعود لـ “مسخوط”. عن الوالدين رحمهما الله نلت منهما من الرضا ما أرجو من ربي أن يتقبله، وإن قصرت مع من أنجباني فطمعي في مغفرته تعالى كبير.

أما عن تعبير “مسخوط” المتداول شعبيا، ويعني “خطير” أو “واعر” فلا أنكر أنه تردد عني بحصوري وفي غيابي ما لا يحصى من المرات. كنت أعتبرها دائما مجاملات من محيطي بطعم “بلدي”، سمعت تلك اللفظة تتكرر كرد فعل على حقلين خضتهما: الكتابة ويعض الرياضات.

و “مسخوط” يلقى بها على من يكون عنيدا، وهي صفة لا أنكرها. كما قد تُلصق بمن يتصرف بمنطق “إلى حيث ألقت”، وهذه أيضا كانت غالبا ديدني في هذه الحياة.

رضي الله عنكم دائما ولا أحزنكم، هيا نلاعب مفهوم “ساخط”. في هذه التهمة لا أستطيع أن أردها على صديقي، ولكن بمقدوري أن أناقشها:

ــ فعلا، ساخط على مظاهر وعقليات وسلوكات، ولم أولد ساخطا وأعتبر ممارسة السخط أرقى درجات الاحتجاج والتشبث بالمبدأ والفكرة والقناعة. والساخط ليس أبدا متشائما، إذ لو كان كذلك لاستسلم وما صدر عنه صوت.

وللتعبير عن السخط أشكال، غير أني أمارسه نترا وشعرا، أي كتابة. والكتابة ــ لحد الآن ــ بقيت عندي الصديق الذي لم يخذلني، والرفيق الوفي، والترجمان الأمين، والسيف القاطع، والفرس الجموح، والسلاح الأمضى.

لي من الشجاعة الأدبية أن أعتذر لأي كان وأمام الناس إن أدركت خطئي، لكني لن أعتذر أبدا عما خطت يميني على مدار عقدين ونيف. لأن الكتابة تخرج من الأعماق، وهي انعكاس للكيان الأعمق في النفس والعقل.

لا أدري أين لكني قرأت سابقا عبارات لها صلة بالسخط السياسي، أو مساخيط الدولة أو شيئا كهذا. وحسب فهمي الخاص لهذا الأمر/التوصيف فإن هذه الفصيلة موجودة بين ظهرانينا وتعيش معنا، ومنها التالي:

ــ المتآمرون في الداخل أو الخارج، مساخيط وخونة يستحقون سحب المواطنة منهم وتشريدهم في الأرض.

ــ المفسدون ماليا وإداريا، مساخيط لأنهم السرطان الذي ينخر جسم الأمة ويقضي على المناعة الطبيعية للشعب والوطن، يستحقون أن يدخلوا السجون ويبقون فيها حتى “يتختخوا” وراء أسوارها.

ــ أصحاب الإثراء غير المشروع كائنات مسرطنة يأكلون السحت ويعمقون الفوارق بين الناس، ويضعفون هيبة القانون ويهددون الأمن والسلم المجتمعي، يستحقون “التتريك” وتوزيع ثرواتهم على مستضعفي وطني.

ــ المسؤولون الذين يتصرفون ضدا في الدستور والإرادة الملكية المعلنة في الخطابات الرسمية مساخيط حقيقيون لا يستحقون أي احترام بل الأحرى أن يعاقبوا أشد العقاب ليكونوا عبرة لمن يعتبر.

هذه عينة من مساخيط الوطن، لن أكون منهم أبدا مهما تغيرت ظروفي ومهما بلغت الإغراءات شأنا. الضامن في هذا هو الأساس التربوي الزاهد في “طموع الدنيا”.

ختاما، أعتقد أن من يسخط على كل شيء، ومن يرى السماء دائما كئيبة شخص مريض عليه أن يعتني أكثر بنفسه ويسعى منذ الغد إلى أقرب عيادة للطب النفسي. وأعتقد جازما أن من لا يسخط أبدا وكأنه أراح مؤخرته على كرسي من ثلج مريض جدا لأن مناعة الرفض والتمييز والانفعال الإيجابي قد تعطلت في دواخله تماما، وعليه أن يعجل بالاستشفاء قبل أن تموت بطاريته كإنسان.

دمتم سعداء مستبشرين بكل ما هو جميل. دمتم ساخطين على كل ما يجب أن يُسخط عليه، كي لا تتساوى لديكم الأنوار والظُلم، فتخبطون خبط عشواء.

 دمتم دائرين مع الحق حيث دار.  

www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد