“الكابوس” المخابراتي المصري اللواء أحمد عبد الخالق:ميلاد بطل قومي؟

أحمد الجَــلالي

ينهمك الإعلام المصري هذه الأيام، وبهمة عالية، في صناعة صورة لبطل قومي جديد قبل تقديمه لرأي عام محلي وإقليمي اشتاق لاستهلاك الأبطال، بقدر حاجة الدول والأنظمة لوجود مثل هذه الأساطير الحية بين الشعوب.

وللتوقيت دلالاته بلا شك، فمصر على المحك وقد كان اختبارها على صعيد محور فيلادلفيا وعقدة معبر رفح قاسيا ومحرجا لبلاد تملك واحدا من أقوى جيوش العالم عدة وعددا، هذا الجيش الذي بقي منذ 8 أشهر يترنح قرب معبر يلتصق بأراضيه دون أن يقدر على إدخال كسرة خبز وقنينة ماء للجوعى المقتلين المحاصرين في غزة.

وفور إعلان فشل صفقة التهدئة وتلميح القاهرة بإعا\ة النظر في اتفاقية “اسطبل داوود” بدأت الحملة من تل أبيب و “سي إن إن ” الأمريكية متهمة شخصا بعينه، لم يكن معروفا حتى لدى المصريين أنفسهم: إنه اللواء في المخابرات العامة الدكتور أحمد عبد الخالق، الملقي في الدولة العبرية بكل ما يشي بالعداء الصراح له وللأدوار التي يتهمونه بالقيام بها على مدى عقود طويلة.

وقد اتهم الامريكان والإسرائيليون أحمد بالتبديل في بنود الصفقة، التي هم من وقعوا عليها ظانين أن المقاومة سوف ترفضها فصدمتهم بقبولها..تذكرون ذلك بلا شك.

وقبل التطرق لانغماس أحمد عبد الخالق في الملف الفلسطيني يجب التنويه إلى أن الرجل حامل لدرجتي دكتوراه في علوم التفاوض، منهما واحدة عن التفاوض مع دولة الاحتلال.

ومن خلال الصور التي سربت عمدا لهذا المخابراتي المثقف العتيد بدت ملامح الشخصية المصرية للفلاح البسيط “ابن البلد” حيث قسمات الوجه الحادة مع نحافة بادية على الجسد، وبريق غير عادي في العينين.

ومن المعلومات التي رشحت عن أحمد عبد الخالق أنه قاد صفقة تبادل الأسرى بالأسير الأشهر جلعاد شاليط، وهي الصفقة نفسها التي أطلق خلالها سراح مئات الفلسطينيين كان أبرزهم يحيى السنوار الذي دوخ الإسرائيليين والعالم بعد سنوات.

وتكشف صور عبد الخالق تاريخ ومستوى علاقاته مع المقاومة الفلسطينية فقد ربط صلات بجميع مكونات الطيف الفلسطيني وجالس هنية والزهار والسنوار وقيادات أخرى في باقي التنظيمات.

ومن اللافت أن الرجل كان قد استقال من عمل المخابرات لكنه أعيد إليه بناء على طلب المقاومة الفلسطينية نفسها. وهذا يبرز المكانة والثقة التي يحضى بها لدى الفلسطينيين جميعا دون تمييز.

ومن الاتهامات التي يروج لها الاعلام العبري أن مصرا ،وبسبب دور عبد الخالق المحوري في التفاوض فضلا عن درايته بالعقلية الإسرائيلية المناورة، لم تقم بردم كل الأنفاق بينها وغزة وأن النظام المصري لعب لعبته وأن أهم أسراهم لدى حماس يوجدون في سيناء عبد مئات الأنفاق.

والصراع بين مصر والصهاينة رغم السلام المعلن، لم ولن يتوقف، وهو يدور على مسارات متعددة وبدورات لا تتوقف. وقد وصل الصراع أيضا إلى الساحة الفنية عبر صناعة مسلسل أوصل رسائل في كل الاتجاهات: “رأفت الهجان”.

أما الشخصية الجديدة التي تتم صناعة ملامحها في وقت صعب، ونعني به أحمد الخالق، فإن الحاجة إليها تبدو “مصلحة وطنية مصرية” إذا استحضرنا العقلية المصرية المتعلقة بالبطولة والريادة في محيطها العربي على الأقل.

وهو فعلا مصلحة قومية مصرية إذ من المرفوض رسميا أن يتم إبعاد أم الدنيا عن مطبخ الصراع الفلسطيني الصهيوني سواء في السلم المؤقت أو ما بعد حرب مستعرة.

في النهاية، مامعنى مصر لدى أهلها وغيرهم دون الالتصاق السياسي والإعلامي بالقضية الفلسطينية تاريخيا؟

طبعا، لا نهدف إلى اختزال أحمد عبد الخالق، إن كان ذلك اسمه الحقيقي، في رأفت هجان جديد. لكننا نحاول التحليل والفهم.

لابد أن يكون للقصة جوانب حقيقية وأخرى ترويجية مصنوعة ومبالغا فيها عن قصد: فالرجل ابن جهاز مخابرات عتيد والخيال المصري في السينما والإعلام رائد ومشهود له.

أما وأن “أحمد عبد الخالق” قد أخرج من دائرة الظل فباب الاحتمالات مستقبلا يكون قد فتح على مصاريع منها:

ــ أن يقدم الدور المطلوب لفترة ثم يختفي ويبقى غموض الأسطورة ساريا،

ــ أن يصبح بطلا حقيقيا ويؤدي دورا سياسيا مرسوما له في المستقبل المنظور،

ــ أن يكون فعلا بطلا حقيقيا ويتعرض للاستهداف المادي فيرتقي شهيدا..ويخلده التاريخ فيرتبط اسمه بتحرير فلسطين إلى الأبد.

ملحوظة: الذات العربية المنهزمة تتفنن في جلد الذات أكثر، وبرغم كل المبالغات والمطبات و “صناعة الأبطال” في أحيان كثيرة  كما لو كانوا سلعا تحت الطلب لا ينبغي أن نيأس، وعلينا في أحلك الظروف أن نتساءل: لصالح من نصر على الاستخفاف الطوعي والمرضي بذواتنا؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد