سعاد المولوع*
يمر المغرب والعالم أجمع بظرف دقيق غير مسبوق يتعلق بالصحة والاقتصاد والسلوك, ويؤطر لمرحلة مهمة من مراحل بناء الوطن وكيفية التعامل مع الأزمة.
فلسنا بمرحلة تشكيك في الحكومة وفي جهودها, ولافي مرحلة اتهام للشعب أنه قليل وعي وإدراك فيتهافت على رغيف الخبز الذي يشكل العمود الفقري للمواطن المغربي وانه حجر الأساس في تغذيته وسد جوعه.
وباء كورونا جرس إنذار حقيقي أننا في أزمة الكيف: كيف نتعامل مع الناس وكيف نحترم القانون وكيف يكون السلوك لحظة الاصطدام بواقع الجوع والخوف من المجهول، وهنا يطرح السؤال كيف يمكن للمغاربة إثبات الاستثناء المغربي؟ أهو حقيقة ام مجرد وهم استطبناه؟
كورونا جرس إنذار للإصلاح ؛ إصلاح منظومة التعليم والاعتماد على الوسائل العلمية الحديثة في إيصال المعلومة, وكيف يتفاعل التلميذ مع أستاذه وكيف تنساب المعلومة وكيف نستخدم الأدوات التي نملكها، فلقد أدركنا متأخرين أن الهاتف و جهاز الحاسوب لم يصنعا لسماع الأغاني أو تبادل التهاني والمجاملات ولم يصنعا للتسلية.
وباء كورونا كذلك جرس إنذار في كيفية التواصل مع الناس, ويؤطر أيضا لمرحلة من الواجب الحديث عنها، وهي مرحلة لجان الأحياء وقادة الرأي في المجتمع والجمعيات التي يجمعها باحث عن ضوء أو وجاهة, والنتيجة أنها غابت في هذه الأزمة تماما، كما غابت الأحزاب والنقابات على حد سواء، ومن حقنا أن نتساءل بمرارة أين هي مؤسسات المجتمع المدني من نواد رياضية وثقافية واجتماعية؟
كنت أتوقع خلال هذه الأزمة أن يبادر حزب مغربي أو نادٍ رياضي لمهمة توزيع القفة ورغيف الخبز، فالعالم يراقبنا كيف نتصرف وكيف نتعامل مع هذه الأزمة.
للأسف تبخر المجتمع المدني فجأة وأعلن موته، وترك السؤال ملحا: ما مبرر وجوده بعد انقشاع غمة هذا الوباء؟
إننا أمام جائحة، فلا تطلبوا من الدولة أكثر من طاقتها، لا ينقصنا الخبز بل الطمأنينة، وأنا مطمئنة أننا نمضي على الطريق الصحيح وان الدولة بكافة أجهزتها تعمل بأقصى طاقاتها لإدارة الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر، فالأنانية يمكنها أن تعيق التضامن خلال خوضنا معركة الوجود والبقاء هذه، والأمر في كل الأحوال يتجاوز سقف مطلب الخبز، على حيويته لنا ككائنات حية.
فمن تأخرت عليه القفة اليوم ستصله غدا فهذه الأزمة مناورة “بالذخيرة الحية” للدولة بكافة أجهزتها وللمواطن ولرب الأسرة وربة البيت، مناورة في كيف نعظم بعض عاداتنا الاجتماعية وكيف نتخلص من بعضها الآخر، فالحجر الصحي يفرض واقعا اجتماعيا وانسانيا جديدا وغريبا: التباعد بين أفراد المجتمع والالتحام بين أفراد الأسرة الواحدة، في الوقت ذاته.
من يعمل سيواجه العراقيل ومن يتحرك ستدمى قدمه وقد يقع، فلننشر الطمأنينة ولنقف مع الوطن، فرغيف الخبز مهم لكن الوطن وصحة المواطن أهم، والتأييد الشديد والمعارضة الشديدة كلاهما يشوه القدرات وكلاهما يحرف العقل بعيدا عن التفكير المتوازن والقدرة على التقدير، فالجهد إذا تفرق ضعف.
لذا فمن واجب الواعي ان ينصح دون جلد ودون اتهام، ومن واجبنا الانفتاح على الأخر ، فالأزمة تعني الجميع والوطن للجميع.
علينا جميعا وضع الأمور في أحجامها الحقيقية، ولنبتعد عن التذبذب الشديد في ردود الأفعال، ولنرفع شعار أننا سنعبر الصراط بعلو همة, ولنرفع من الروح المعنوية الجماعية، ولنقطع على خطابات التبخيس والتيئيس.
فمن بنى المغرب وأقام صروحه وانتصر في المسيرة الخضراء قادر على أن يبدد هذه الأزمة ويرسو بالسفينة على بر الأمان بكل اقتدار، فلتتسع قلوبنا ومحاجر العيون لنرى الأزمة من كل المناحي والزوايا بكافة أبعادها.
فهل التضامن كقيمة سيبعث بفعل الأزمة؟ أي بلد سيكون مغربنا فكريا وسياسيا وإداريا بعد الوباء؟
أي قطاع صحي نأمل؟ أي مراكز بحث علمي نرجو؟ أي علاقة مع أي عالم سنبني ونتبنى ؟
فأزمتنا ليست أزمة رغيف لأننا بلد زراعي…علينا تحويل تفكير الأزمة إلى تفكير استشراف المستقبل: كيف نبقى وكيف نكون غدا.
*باحثة جامعية/مؤهلة لممارسة المحاماة
www.achawari.com