الشوارع/المحرر
من سوء حظ بلادنا أنها ابتليت بحكومات متعاقبة وبمسؤولين مصابين بمتلازمة منطق اللامنطق، ومدمنين على هواية السباحة عكس تيار العقل والمصلحة الوطنية.
وباء كورونا بالمغرب عرت كثيرا من الحماقات في ذهن مسيري شأننا العام. ففي وقت كان يجب الاحتفاء بمقاتلينا في الصف الأول بهذه الحرب الغريبة مع عدو فتاك لا يري، تم الفتك بقدرتهم الشرائية، ونقصد بهم رجال الأمن والأطباء والممرضين ورجال الدرك وجنودنا البواسل وقواتنا المساعدة الصابرين.
بدل رفع تعويضاتهم وشكرهم كما شكرهم الشعب بلا استثناء وقدرهم وتعاطف معهم بالقول والفعل والورود والتصفيق، ارتأى رئيس الحكومة أن يطلق عليهم نيران الاقتطاعات.
إدارة الأمن ــ على سبيل المثال فقط ــ ساهمت بـ 40 مليون درهم في صندوق مواجهة الجائحة، وقامت بحملة تبرع بالدم على مستوى جميع المصالح المركزية والخارجية،ناهيك عن انخراط مجموعة من رجال الأمن في المساهمة ماديا لتوزيع “القفف” على العائلات المعوزة، فما الغاية من اقتطاع ثلاثة أيام من أجورهم؟ ألا يكفي الخطر الذي يجازفون بحياتهم يوميا لمكافحته؟
وبينما شكر مدير الأمن موظفيه على تضحياتهم وتعريض أنفسهم للخطر في سبيل تنزيل قرارات السلطة العامة المرتبطة بإجراءات الحجر الصحي، وتفعيل قانون الطوارئ الصحية، لبى سعد الدين العثماني مبادرة المركزيات النقابية، وأصدر منشورا يقضي باقتطاع ثلاثة أيام من الأجر الصافي لموظفي القطاع العام، بمن فيهم بينهم رجال الشرطة و الدرك الملكي و القوات المسلحة الملكية، القوات المساعدة، الأطباء، والممرضين.
فعلى أي أساس أو نظرية في علم النفس “الإكلينيكي” استند رئيس الحكومة لقصقصة رواتب هؤلاء المواطنين الذين لو استشير الشعب ودافعوا الضرائب لصوتوا بالاجماع على ضرورة مضاعفة أجورهم اليوم ودائما.
أما هذه النقابات الريعية التي عششت في جسد الدورة الاقتصادي لاقتصادنا العليل، فلم نسمع لها حسا ولا خبرا عن حجم مساهمتها في صندوق تدبير الجائحة.
وما يقال عن النقابات والأحزاب يقال عن البرلمانيين الذين لا يشتغلون أصلا ولا طائل منهم، لكنهم لم يقتطع من أجورهم ولا تعويضاتهم ــ تعويضات عن الراحة طبعا ــ لم يقتطع لهم المرسوم “المبارك” شيئا.
رئيس الحكومة يستند في فعلته هذه على الفصل 40 من الدستور، والذي ينص على أن “الجميع يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيبه”.
الدستور على العين والراس من فوق يا سادة، لكن لي أعناق القوانين وتأويلها على الهوى أمر معيب لكم وللدستور ووبال على التوازن المجتمعي.
أليس هناك من يستفسر العثماني أبو الاقتطاعات ومن والاه عن مصير الزيادات في واجبات التأمين، والذي جاءت به حكومته في إطار قانون المالية لهذه السنة لمواجهة الأزمات التي نصت عليها المادة 40 من الدستور؟
أليس غريبا ومعيبا أن الحوار الاجتماعي الأخير بين الحكومة والنقابات، والذي أفضى إلى زيادة قدرها 500 درهما مقسمة على ثلاثة مراحل، قد استثنى، وبصفة خاصة، موظفي المديرية العامة للأمن الوطني، ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة كيف نلزمهم، اليوم، ببادرة النقابات ومنشور رئيس الحكومة؟
www.achawari.com