الشوارع
منذ حوالي عقدين نظر الملك محمد السادس في أولى خطاباته بعد اعتلاء العرش للمفهوم الجديد للسلطة وبشر به لاحقا إما في رسائل شفوية أو مكتوبة أو من خلال أفعال على الأرض.
وبما أن الملك لا يمكنه القيام بكل شيء في بلاد شاسعة وبها ما لا يحصى من المدن والقرى والمؤسسات، فقد ترك للسلطة التنفيذية بكل تلاوينها ومسؤوليها بمختلف رتبهم أمر تنفيذ وتفعيل هذا التصور الملكي للسلطة.
وقد وفق البعض في تصريف فسلفة الملك وفشل آخرون، فيما بقيت فئة متكلسة في مفهومها الخاص للسلطة وفية لتقاليد الماضي البالية والبئيسة في التعاطي مع المواطنين وصالحهم.
والأمر هنا لا يتوقف فحسب على المخزن بمفهومه الميكانيكي الحرفي بل ارتبط بالجميع من رجال سلطة ومنتخبين وموظفين في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية وغيرها، فالسلطة لا تعني فقط عصا ومسدسا وشخصا يعطي الأوامر ويوقع القرارات ويرخص ويمنع.
وليس خافيا أن المفهوم السائد عن تصور السلطة هو الأمر القمعي القهري الفوقي، وللأمر مبررات يعضدها الواقع الذي لا يريد أن يرتفع.
ومع كل هذا الواقع الموشوم بالقتامة وسوء الفهم والتفاهم بين السلطة كأداة إكراه وإرغام والشعب كموضوع تقع عليه تبعات وقرارات وحتى مزاجية السلطة، تظهر من رحم جهاز السلطة سلوكيات ومواقف فردية تعيد المفهوم الحقيقي للسلطة إلى مربعة ومعناه الأصلي.
ولقد مر بنا الكثير من إشراقات رجال ونساء السلطة طوال تجربة كورونا بالمغرب ووثقتها الهواتف لتبقى للتاريخ والأجيال مرجعا لما ينبغي ويمكن أن يكون من أمر السلطة ورجالها.
وبالأمس واليوم فقط أشرقت صورتان ناصعتان لما يمكن أن يكون عليه حال سلطات بلادنا:
ــ الصورة الأولى من سلا خلال هدم براكة سيدة في منطقة بناء عشوائي، حيث احتضن رجل سلطة تلك السيدة كما لو كان يعزيها في بيتها أو ليعتذر لها بلا كلمات عن ضرورة تهديم بيتها مقابل العجز عن توفير سكن لائق بها كإنسانة ومواطنة.
ــ الصورة الثانية من البيضاء حيث عرت الأمطار كل عورات التسيير المحلي حين أغرقت المدينة في سيول جعلتها منكوبة المرافق. وأمام هذا الوضع التقطت صورة لرجال سلطة يقاتلون لفك غطاء بلاعة مياه وهم يشمرون على سواعدهم وسيقانهم، غير مبالين بالمنصب ولا بالنياشين. ولقد قال هؤلاء الرجال بالفعل لا بالقول: حب الوطن ليست فيه رتب ولا برتوكولات..وفيه يجب أن يتنافس المتنافسون.
وكفى بالعمل ترجمانا وكفى بأبناء المغرب المخلصين صمام أمان وبشارة للشعب بغد أليق وأحسن.