الوزير بنسعيد..اسحب الجوائز والغِ الثقافة واشطب الإعلام..من أجل المغرب

 أحمد الجَـــلالي

سحب مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة، جائزة المغرب للكتاب من تسعة  كتاب مغاربة كانوا قد حصلوا عليها مناصفة خلال دورة 2021، وفتح الباب ليس للجدل فحسب وإنما لأمور أعمق يجب أن تقال بالوضوح اللازم.  

والكتاب المعنيون بالسحب أعلاه هم  يحيى اليحياوي، إدريس مقبول، يحيى بن الوليد، أحمد بوحسن، الطيب أمكرود، محمد الجرطي، محمد علي الرباوي، حسن أوبراهيم أموري، وبوبكر بوهادي.

المتوجون بالجوائز مناصفة طالبوا بـ”الحصيصة” كاملة أي اثني عشر مليون سنتيم للرأس الواحد، وعبروا عن رفضهم تسلم ستة ملايين فقط. أي أن سبب الخلاف مالي مادي محض لا صلة له بأي معيار آخر.

الوزير “المستغرب” دوما وأبدا واصل عادته بالاستغراب، زيادة عن الأسف  من”اختزال  كل دلالات الجائزة في قيمتها المادية” ثم لم يكن من “العاكزين” الحكوميين فقام وضرب لباباها بسحبة تاريخية تتماشى وبعدها التاريخي باعتبارها أقدم جائزة ثقافية بالمملكة المغربية.

ونحن في “الشوارع” التي تمتح من واقع إنسان الشارع المغربي لا نزعم أننا نمتلك القدر المطلوب “رسميا” من اللباقة أو “حسن الخلق ” لننشر هذا الخبر دون تعليق أو رأي مصاحب، وعليه يسعدنا أن نثير ونطالب بالتالي:

ــ أيها الوزير، أكمل معروفك واسحب كل الجوائز ذات الصلة بالفن والإبداع والصحافة، فلم يبق في بلاد العجب ما يعجب..ففي زمن تشجع فيه الرداءة بكل صنوفها ثقافيا وفنيا وتلفزيونيا لا معنى للاستمرار في منح جوائز كانت لها القيمة وعليها “السر والملح” في ما مضى من العقود أيام كانت الكلمة كلمة واللحن لحن والقصة قصة…دابا ما بقا مذاق.

ــ أيها الوزير لا تستغرب من لهفة “المتوجين” على المال ولا تلمهم فتلك الحصيصة لو منحت لهم كاملة مكمولة لاعتبروها هدية من السماء تفي بمصروف عام، وأنت ــ عدم المؤاخذة ــ بسحبك لها سينظرون إليك في زمن الجفاف والحروب كمن “قرصن” رزقهم أو اعترض غيثا نازلا من السماء تحتاجه أرض قاحلة جف فيها النسل والضرع.

ــ أيها الوزير لا تتعجب من قولنا هذا..فلو كان ضروريا لك ولوزارتك وحكومتك من “الناحية الشكلية” الإبقاء  على الجوائز فلا بأس ولكن دعها تصبح “الجوائز الوطنية في الإبداع في فنون الرداءة”..أي والله هكذا تكون مع حكومتك “واقعيين” منسجمين مع اللحظة التاريخية الرديئة محليا وإقليميا وعالميا.

ــ إن بضاعات فاسدة يروج لها في “دوزيم ” وغيرها بإلحاح وتفان وإصرار غير مسبوقين حُق لها علينا أن نعترف بها كمكون أساسي في المشهد العام ثم نتوج هذا الإقرار بما في السوق بتسمية الأمور بمسمياتها فنحدث لها الجوائز القيمة بمئات الملايين وليس ستة ملايين من الفرنكات التي لن تسمن من جوع ولن تنقذ من فاقة.

ــ أيها الوزير، مادام القطاع بالقطاع يذكر وحيث أن لك ــ ما شاء الله قطاعات توأمان ـت فلتتكرم بسحب ما يسمى الجائزة الوطنية للصحافة، مادامت “الصحافة” بعد أن صارت مهنة من لا حرفة له هاهي تصل ذروة الهزال وتمسي “تهمة” قد تودي بممارسيها إلى المهالك..وهاهي المقاولات تشكو ضعفها لدى أضعف شدة..وهاهم المهنيون يبكون أمام “باب الوزير”..وهاهي القطارات تنكرت لراكبيها السابقين بعد أن سحبت بطاقات التنقل المجاني من عدد كبير ممن يحتاجونها يوميا من الصحافيين، مثلما تحتاج الكائنات للأوكسجين..سحبت منهم وأعطيت لصحافيي القطاع العام المتعيش على ضرائب المواطنين، والذين ما على مريضهم باس…

حدث كل هذا للصحافة وغيره كثير فما بالك ومن يعنيهم أو لا يعنيهم الأمر تمعنون ــ بِلغل ــ  في الضحك على هذه المأساة  المتصاعدة فصولها كل عام؟؟

   إن الشأن الثقافي والفني والإعلامي الذي تم تدميره بكل أسلحة التخريب الشامل من محسوبية واستسهال وتتفيه وزبونية ومحزوبية ومسخرة المعايير والإسهال في عدد اللجان وكل “مانيرة” أو “قالب” ماكر أدى في النهاية إلى تغييب الإبداع الحقيقي وبالتالي فسحت الأبواب على مصاريعها لكل ألوان العهر والتخنث الثقافي والفكري المؤدي رأسا إلى إحلال كائنات عفنة لتصبح رموزا تحتل المنصات وتتسيد المشهد كله “بزز” من كلشي وضدا على العقل والمنطق والذوق السليم.

والنتيجة الحتمية القادمة التي لا مراء من نكرانها قد أتت فعلا بشائرها من ملعب الرباط قبل أيام حينما خرجت مخلوقات “غاية في الثقافة والذوق” وعملت كل أنواع “الماساج” لقوات الأمن وممتلكات البلاد والعباد.

ألهؤلاء سيكتب الكتاب قصصهم؟ أم لهؤلاء سيغني المغنون ألحانهم؟ أم لهؤلاء سينشر الصحافيون مقالاتهم وأخبارهم وتحقيقاتهم؟ إنه قرن شيطاني لمغرب آخر سيولد بحكم طبيعة الأشياء والتحولات التاريخية والبيولوجية ذات الحتمية القاهرة.

ما يصنع الحضارات ــ بغينا ولا كرهنا ــ ليس النفاق ولا الترقاع بل الجد والعلم والأخلاق. وما يرتقي بالأمم ــ بزز منها ــ ليس الالتفاف عن المشكلات البنيوية العويصة بل مواجهتها كلها بالتفكير الاستراتيجي والتخطيط طويل الأمد.

ولكن لا معنى لأية حضارة، وإن سميت هكذا تجاوزا ، إن غابت عنها الأخلاق والقيم التي تضبط الإنسان وتضع له الميزان. والحاصل أن المنتوج الفكري والتعليمي والإعلامي هو المسؤول عن البرمجة الحقيقية لمواطني الغد.

اصنع منه طبيبا لجراحة القلب أو المخ أو الأعصاب..عاريا من القيم فتكون أمام روبوت أو بشر مادي قد يتاجر بأعضاء مرضاه.

اصنع منه مهندسا معماريا بلا أخلاق ولسوف يغش في البناء ويوقع العمارات فوق ساكنيها بلا أي وخز للضمير..فالضمير لديه غير موجود أساسا.

اصنع منه قاضيا أو رجل سلطة بلا ضمير ولسوف يرسل الناس للسجن أو يرتشي فيضع المسمار السام في صرح البنيان الوطني كله بما ينشر من ظلم وتعد وفساد قتال.

اصنع منه ومنها ما تشاء بلا تربية وانتظر كائنات مدمرة بكل معاني التدمير للوطن.

إن الكتاب والفنانين والصحافيين وأهل الإبداع عموما هم أخطر وأقوى شريحة في أحشاء أي مجتمع. فإن سقطوا سقط الكيان كله. تأثيرهم ليس سريعا لكن له مفعولين يقينا عبر الوقت: إما تلقيح الضمير الجمعي والذوق العام بمضادات التخلف والانهيار، وتاليا منعة الأمة وصمودها، أو تلويث الدم الطبيعي، وبالنتيجة سقوط جهاز المناعة وإثره البنيان بما فيه على من فيه.

   الثقافة بكل فروعها، في النهاية، ليست ترفا  نأتيه كما اتفق، ولا إنتاجا  كإنتاج الزيت والسكر، ولا قطاعا عاديا يسير بإجراءات تقنية وعلاوات تحفيزية للعمال، ولا جرارا تستبدل عجلاته من أجل موسم حرث واحد ولا خزان محروقات أسعاره ترتفع وتنزل..ومن ثمة فالثقافة والفكر قطاع استراتيجي مكوناته متشابكة ومتفاعلة وسهلة التلف.

إن مقاربة هذا القطاع بعقلية تقنية ومقاربات تدبير مرحلي أو مسيس هو ما دفعه رأسا ببلادنا إلى قمة الهاوية. ولن تفيد الجوائز مهما تم نفخ قيمتها…لأن العطب في العظم و الورم تسلط على الدورة الدموية كلها.

فلينل الكاتب المبدع عندنا الاعتبار الذي يليق به، وليحتل الفنان مكانته اللائقة، ولينتشل الصحافي من وهدة المهانة والاحتقار والتبعية والذيلية والهشاشة…وبعدها “يحن الحنان المنان في الجوائز”.

 www.achawari.com

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد