الشوارع/المحرر
لم يبتل المغرب فقط بسياسيين فقدوا كل الشرعية ، ولم يبتل المغاربة بنخب وصلت إلى قمة الإفلاس في الاقتراح والتفكير وابتداع الحلول في الزمن والمكانين المناسبين.
ابتلي شعبنا كذلك بمعارضة كلاسيكية أخلفت كل المواعيد مع التاريخ وأهدرت زمنا سياسيا ثمينا على ملايين المغاربة.
ولم يتوقف قطار الخيبات عند هذه الحدود الجهنمية بل واجهت الطبيعة الفراغ الحاصل بفراغ قاتل: تحولت المعارضة من كائنات من دم ولحم إلى كائنات افتراضية تلخصت في أصوات قادمة من وراء المحيط عبر أسلاك وخيوط الشبكة العنكبوتية، حاملة خطابات ترفع عاليا صوت الانتهازية و لواء التخريب والهدم.
ويوحد هذه الأصوات أزمات نفسية أبرز سامها الإحباط الشخصي والفشل المهني والمعاناة المريرة الناتجة عن الاصطدام مع الهوية المغربية في أبعادها الدينية والثقافية.
وبمجرد أن يصدر موقف دولي أو شبه خبر يوحي بأنه ليس في صالح المغرب وقضاياه الحيوية حتى تتداعى هذه المفترسات الرقمية لتهلل وتطبل وتنتشي بأوهام الثورة القادمة على صهوة دبابة عميلة أو طائرة أجيرة، تحت يافطة تحرير الشعب من الدكتاتورية.
وآخر “مناسبة” لاجتماع ضباع “النت” كان تصريحات الناطق باسم الخارجية الأمريكية بشأن الحكم على الصحافي سليمان الريسوني، ولأنهم يحملون إيديلوجيا “سائبة” فقد كان اللقاء تحت سقيفة قناة “دار السيبة” حيث يمارس صاحبها كل أنواع الشذوذ العقلي والتسيب الفكري والأخلاقي، وليس أقله شتم الملة والدين ومعاقرة الخمر نهارا جهارا.
ولأنها قناة فعيلة للسيبة فلابد أن يكون ضيوفها “كراما” من طينتها، ولذلك “شرفها ” على المباشرالعجوز، الزعيم التاريخي لأصحاب “روتيني الفاجر” إضافة إلى واحد من بقايا المعسكر السوفييتي البائد، والذي مازال يحمل أوهامه الصدئة صدأ محطة شيرنوبيل النووية.
لا جديد حمله خطاب هذه الشلة ولم ينتج أي شيء ذا بال يمكن أن يصنف في خانة “الفكر الثوري” أو النفس التغييري أو الحس الإصلاحي، اللهم الترديد المرضي لشعارات تبعث على الشفقة عليهم وعلى المغرب الرقمي الذي ابتلي بهم جراء الفراغ القاتل من كل ذي رأي حقيقي أو ذي فكرة متنورة.
أسباب تكاثر نبات الفتنة الشوكي كثيرة، ولكن السماد الذي شجعها على التعاظم من بينها تقاعس الإعلام الرسمي عن التطور وتكلس البنية الإعلامية الوطنية الرافضة لأي تغيير أو تثوير مهني يمكن أن يفسح المجال ويستقطب الكفاءات التي يمكن أن تملأ الفراغ وتشتغل ضمن شروط مهنية صحية.
إن عالم “التواصل الاجتماعي” لم يعد ترفا لا للمغرب ولا للعالم، وهو قطاع لا يمكن مطلقا التعاطي معه إلا بوعي يبدأ بإبداع مضامين قوية وحقيقية وليس ملأ الزوادة بالتفاهات والكم المبتذل.
وما لم تؤمن الدولة، والأوصياء على قطاع الإعلام والصحافة تحديدا، بضرورة تسليم الخبز لخبازه، فانتظروا مزيدا من تفاقم السيبة الرقمية مع ما تحمله من أخطار على الرأي العام، لأنها تصنع ــ بفعل التكرار والفراغ ــ وعيا زائفا وسلبيا ومسموما..أي كل توابل تحويله في اتجاه طاقة تدمير الذات والواقع.
ولأن المغرب ــ التاريخ والجغرافيا والثقافة والامتداد الروحي ــ أكبر من كل هذه التفاصيل التي غرقت فيها الدولة داخليا وخارجيا، فإن الإنتاج المحلي للحلول مقدم على تعاطي أي شيء يمكن أن يجلنا تحت رحمة إملاءات الخارج.
حين نقول “إنتاج الحلول” فإننا نعنيها ونقصد أن المواد التي تدخل في صناعتها هي تحت أيدينا وفي مقدمها الإنسان..أبناء وبنات البلد المعتقدين حد الإيمان أن النقد هنا والضريبة تدفع هنا..والحل يولد هنا، ومعه مغرب جديد نستحقه…وبالحد الأدني من الخسائر..وليس بين أبناء الدار غالب ولا مغلوب.
أبناء “دار العقلاء”………….أما “دار السيبة” فلا هي لنا ولا أهلها منا..ولا بأي حال من الأحوال.
كلمة واحدة.