“بوب مارلي” ضد “طوطو”..حمد الله بعين الإبرة..أنا أتمرد على التفاهة

 أحمد الجَــــلالي

من بين الحقول التي استهوتني للكتابة عنها وأنا محرر مبتدئ: الثقافة والفن عموما. أما الرياضة فقد اكتفيت بمتابعتها كأي عاشق لبعض صنوفها، ولكن كان لي رأي دائما في ما يحصل.

وما تزال أرشيفات يومية الصباح “الأصلية” محتفظة لي بعشرات الصفحات موقعة باسمي ما بين مسرح وأغنية..إلخ.

وأما الرياضة فلم أوقع فيها سوى بضع مقالات رأي تهم مسائل  حين تصبح قضية رأي عام وطني..ولا أقول رياضيا لأن المعنيين بالرياضة هم مواطنون أساسا.

واليوم، أجد نفسي معنيا بمطارحة موضوعين فرضا علينا فرضا ولا يمكن مواجهتهما بالصمت أو اللامبالاة: قصة اللاعب حمد الله وزوبعة المدعو “طوطو”.

أما حمد الله الذي لم نر هدافا مثيلا له منذ فترة الجميل المهذب صلاح الديت بصير، فيتجاوز أمره كأس العالم وتشكيلة منتخب إلى “حالة مغربي” في التعاطي الرسمي مع الكفاءات عموما، والتي برر رئيس “حكومة الكفاءات” أخنوش هروبها إلى الاصقاع البعيدة بجودة التعليم عندنا وليس بأن أبناءنا “هجوا” هروبا من سياسة/ثقافة “باك صاحبي وعمك ديالنا”.

ومع اقتراب كأس العالم بقطر، البلد العربي الذي فرض نفسه على العالم والذي يتعرض لابتزاز غربي رهيب، بغية النيل من أرباح الكأس أو إفشاله على رأس الدولة، مع اقتراب هذا الموعد نرى كيف أن “كبار ملاك” الشأن الرياضي عندنا يمررون حمد الله من عين الإبرة ليقبلوه ضمن تشكيلة منتخب بات يهتف باسم حمد الله ونسي حتى زياش الذي وقف “عظما صلبا” في حلق سيء الذكر “خاليلوزيدش”..الذي بقي يردد “زيدش زيدش” إلى أن زادوه تعويضا خرافيا يكفي سلالته لتعيش برخاء إلى يوم البعث..قبل أن يزيد مع الطريق ليفسح المجال للركراكي الذي يبدو هو الآخر “بخبيزتو” من حيث الاجتهاد في اللعب على أعصاب المغاربة.

وبعيدا عن مهاترات دائرة لقجع ومن والاه فإن العين المجردة والحس السليم والمتابع العادي لـ”الجلالد” يعرف قيمة هذا الشاب في تطويع “جلدة الريح” بعبقرية في ملاعي السند والهند والعجم والعرب.وكفى بالنتائج شاهده.

أما عن قصة الحالة “الطوطوية” التي ضربت المغرب خريف عام الجفاف هذا فهي خلاصة الوضع البائس الذي أوصلونا إليه عبر عقود من تكريس الرداءة والتمكين للبؤس في كل المجالات الثقافية والفنية والسياسية.

ورغم أن هذا المخلوق تقيأ قيحا على المغاربة في شاشاتهم الوطنية/الرسمية وحمل قناني الخمر بيد ولفافات الحشيش بيد أخرى ودعا نهارا جهارا اليافعين إلى الرذيلة وحرض على الفحشاء وهي أمور محرمة دينا وقانونا، رغم كل ها فقد وجد هذا الكائن المنحرف جزءا من الحكومة ليدافع عنها وغابة من الميكروفونات “فاقوا بكري” صبيحة أحد، ليتلقفوا “خطبه العصماء” أمام قبيلة صماء وعشيرة بكماء تردد أي شيء رخيص كالببغاء.

ولقد أصابني “المطوط” بالغثيان حين دافع عن أفعاله بقياس نفسه بالأسطورة “بوب ماركي” الذي كان يدخن الحشيش. يا سلام، لقد ارتقيت مرتقى صعبا أيها التافه. هل كتبت ما كتب البوب وأبدعت كما أبدع؟ هل تفهم ما يقول أصلا وسبب نزول نصوصه وأغانيه التي مازالت تحطم الأرقام القياسية عقودا بعد رحيله شابا عن دنيا الناس؟ هل تدري يا جاهلا بالفن أن بوب مارلي خريج حي “ترينتشتاون” صار رمزا إلى ردجة صالح زعماء أفارقة وأنقذ بلدانا من الحرب الأهلية؟؟

أين الإعلام من كل هذا؟ سؤال وجيه ولكني أرى أن السؤال الحقيقي هو : هل لدينا إعلام؟

نعم لدينا إعلام إن كنتم تقصدون وسائل إنتاجه ومواقعه ومطابعه وماكيناته التحريرية وميزانيات أجور العاملين به..ولكنه “إعلام” صار بلا روح ولا طعم، مفرغا من كل رسالة جدية هادفة.

نعم كان لدينا إعلام وصحافة لكنهما تحولا معا بقرة عبد القادر إلى “هياكل” دعاية سمجة لا أقل ولا أكثر.

الحق أقول، لست راضيا عن الوهدة التي انحدرت إليها الصحافة المغربية، ولست مسرورا بالسياسات الرسمية التي توجه المشهد العام دعما ماليا وتشريعا ومقاربة موضوعية للمهنة وإشكالاتها.

لا، ولست راضيا تمام الرضا حتى على أداء موقعي “الشوارع” ولا مستواه المهني المرتهن ــ شئت أم أبيت ــ إلى شروط ممارسة المهنة بالمغرب من حيث  الإمكانات المالية وشروط الدعم و “ضمسة” التنظيم الذاتي المزعوم للمهنة، لا ولست فرحا بأداء نقابة الصحافة ولا مجلس الصحافة ولا هيئة الناشرين..للصحافة.

كل من أنا ساخط عليه مستعد أن أحاضر فيه لساعات وأطرح من الأدلة ما يدمي القلوب ويبكي الأقلام ويجفف المحابر.

الشيء الوحيد الذي حاز “احترامي” هو وضوح الخط التحريري لمنابر كرست نفسها لخدمة الزيف ومحاباة النفاق وتكريس واقع الرداءة. هؤلاء هم نقيضي المهني والفلسفي، ولكني أحيي فيهم وضوح خط الطريق رأسا نحو كل أشكال الخيوبية والتجهيل والبذاءة. هؤلاء “مناضلون عضويون” في نادي البروباغاندا البائسة، منها وعليها يقتاتون.

أما الأنقياء من أبناء المهنة أو بالأحرى ما تبقى منهم فهم إما منزوون في دوائر النسيان المظلمة أو يئنون تحت وطأة قلة ما باليد أو مستسلمون لليأس متفرجون على لقطات واقع يقول لهم: هذا ليس زمانكم فارحلوا.

لست طوباويا، فللواقع المرير أحكامه، ولكني مؤمن أن عشرات من أبناء المهنة الخلص قادرون على قلب الطاولة على طوفان البراز هذا بشروط ليست كثيرة:

ــ آمنوا بأنكم تستطيعون ولسوف تقدرون.

ــ تواصلوا مع بعضكم فرديا وناقشوا الهوامش المتبقية للتحرك

ــ تحركوا ضمن إطار جديد لا يشبه في شيء بقية التنظيمات المهنية التي خبرتموها وذقتم علقمها

ــ ضموا ميزانياتكم الضعيفة إلى بعضها كحزمة أعواد لو تكاثفت استحال كسرها ولسوف ترون كم أنتم أقوياء.

أكتب قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأعيذكم وإياي به من همزات كل شيطان يأس لعين يوسوس في مسامعنا: طووووط…حيد بالاك.

اغسلوا وجوهم بماء بارد ورددوا ورائي: باقون هنا، نحن الأصل..ولتسقط الرداءات والبذاءات ولتنتحر الميركوبات تحت شمس المهنة والكلمة الحرة الحارقة.

 

www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد