حرب كونية؟..مصالح المغرب أولا..لن نكون حشو بنادق..وليكسر الفخار بعضه

 أحمد الجَــلالي

قوة غاشمة ما، في مكان ما مظلم من هذا العالم، وضعت سكان كوكب الأرض طُرا في قفص الوباء طيلة عامين ونيف وكادت تجنن البشرية تخويفا من الموت بفيروس فتاك لن يماط اللثام عن سره إلا بعد سنوات، أوتضييقا على الحريات إلى حد صار معه الإنسان حبيس بيته أو مقر عمله أو كمامته، أو تجويعا جراء نسف فرص الشغل والمهن البسيطة وما ترتب عنها من مآس.

ثم ــ وبكل سرعة ــ أعلنوا انحدار خطر الفيروس ليستفيق العالم على حرب بدأت بصور أرتال الدبابات الروسية تتجه صوب العاصمة الأوكرانية “كييف” ليبدأ القصف تباعا ومعه حرب الصور والتضليل والتهويل والتنقيص والمبالغة..والغاية التشويش على الرأي العام العالمي وتوفير ما يكفي من الضبابية لإشعال نيران حرب مدمرة كان أخطر فصولها إلى اليوم تهديد الرئيس الروسي بوتين باستخدام السلاح النووي الرادع بحق كل من سولت له نفسه الأمارة بالمواجهة والتآمر دخول معمعان حرب غير تقليدية فسرها وزير خارجية موسكو سيرجي لافروف للجزيرة بأنها ستكون نووية مدمرة.  

في غضون هذا الفصل الأول من تراجيديا القرن الحادي والعشرين ظهر المعدن الخالص لرعاة البقر الأمريكان حين ردد الرئيس “بايضن” أنه خائف على بيضه من الانكسار أمام الوحش الروسي وبالتالي لن يحارب في أوكرانيا من أجل أي كان.

وبينما نكصت أمريكا على عقبيها كأي شيطان رجيم انقسم المشهد الأوروبي معبرا عن وهنه وعن كون القلوب شتى وأن القوم لا يجتمعون أصلا إلا على افتراس المستضعفين في الأرض خصوصا إن كانوا أفارقة أو عربا أو مسلمين.

بلغ تشقق الحلف الغربي منتهاه هذه الأيام وتضاربت المواقف، هذا يحسب كلماته قبل النطق وذام يصيغ بلاغا حذرا وأولئك يجتمعون بالأمم المتحدة ليصدروا قرارا يعلمون قبل الجلوس لمناقشته أن الفيتو الروسي سينسفه في نهاية المطاف.

وبينما ظهرت قلة حيلة الغرب أمام القوة الضاربة للروس تحركت الآلة الإعلامية لتحقيق أهداف مرحلية مؤقتة:

ــ شيطنة بوتين ورسم صورة مجرم حرب له، مع الاستعانة بصور مجاز ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة قبل سنوات، لتأليب الرأي العام العالمي ضد موسكو.

ــ التركيز الشديد على البطء الروسي في احتلال أوكرانيا، لإيصال رسالة مفادها أن جيش روسيا الاتحادية ليس بالقوة المتخيلة.

ــ التلويح بورقة المقاتلين الأجانب، بعد دعوة زيلينسكي لهم لدخول البلاد للقتال جنبا إلى جنب مع جيشه وباقي المجمرين المعتقلين من “ذوي الخبرة”، والغاية تخويف روسيا من حرب شوارع..

وفي هذا الخضم المتلاطم، كانت آلة جبارة منهكمة في صنع “ممثل بطل” على أرض الواقع هذه المرة وليس عبر شاشة السينما والتلفزيون: إذ من فرط الخرجات الإعلامية لرئيس أوكرانيا، مرتديا “قميصا تائيا” قصير الأكمام ظن الناس أن الرجل مازال يظن نفسه في عالم السينما، فيما تساءل آخرون عن سر ذلك “التريكو” في بلاد درجات الحرارة فيها تحت الصفر، بينما لم يستبعد ملاحظون “شطار” أن يكون قد فر إلى تل أبيب التي يحمل جنسيتها باعتباره يهوديا لم يتردد قبل أيام في مطالبة يهود العالم بأن يتحدوا ويهبوا لإنقاذ أوكرانيا.

والغريب أن بلدان الاتحاد الأوروبي تزعم من جهة أنها ليست طرفا في حرب أوكرانيا، ولكنها تصرح علنا هي وواشنطن بمد الأوكرانيين بالسلاح، أي أني لست من ذبح الخروف ولكني فقط مكنت الجزار من السكين.

وبهذا “الترهبين” الغربي المفضوح تكون صورة الأمور بلا تشويه كالتالي:

ــ زيلنسكي يواصل ممارسة مهنته الأصلية أي التمثيل ليمثل على شعبه المطحون المشوي بنيران الاحتلال الروسي الغاشم، مستلذا بدور البطولة الافتراضية على شاشات التلفزيونات، وهو يعلم علم اليقين ألا قبل لبلاده بالقوة الروسية.

ــ أوروبا تشارك في الحرب ضد روسيا عمليا وتؤدي دور “مشارك مصنعش حاجة”، وهي أدرى من غيرها بما يمكن لبوتين أن يصنعه بها اليوم أو غدا.

ــ أمريكا “شيكا بيكا” تريد لأروبا أن تدمر ولروسيا أن تسحق ليأتي العم “سام” بعد أن يخر الجبابرة أرضا ليطلق رصاصة الرحمة، بمنطق من يتصرف وكأننا نعيش أواخر أربعينيات القرن العشرين وليس الآن.

أما بنو يعرب، هذا المسخ الحضاري الممتد عبر الصحاري الشاسعةـ ومن فرط الويلات التي عانوها بسبب الحروب التي فرضت عليهم، فلم يصدقوا أن الحرب يمكن أن تقع في مكان آخر من العالم خارج مدن الملح وبعيدا عن بيداء الثلث الخالي من كل عقل.

ولو كان في بلاد العرب أوطاني “المفترضة” بقية عقل حتى لتراجعوا إلى الخلف، فهذه حرب لا ناقة لنا فيها ولا بعير، ولتركوا الفخار يكسر بعضه حتى ينقشع الغبار، أو إن كان ولا بد من “الاصطفاف” لاشترطوا أن يسيروا في ركاب هذا الطرف أو ذاك ولكن خلفه وليس أمامه كي لا تأتي الطعنة الغادرة المتوقعة من هذا أو ذاك.

وفي بلادي المغرب، حلم الناس عامين بالعودة إلى شيء من الحياة الطبيعية..وما إن….حتى سمعوا طبول الحرب تقرع وبعدها وصل لهيبها إلى أبنائهم وبناتهم في شتى مدن أوكرانيا وصار الناس يتابعون وقائع ما يجري هناك أكثر مما يهتمون بقرارات الحكومة بشأن أسعار الفول والبصل والمازوط وكسرة الخبز.

أما النخبة “الافتراضية” عندنا فقد تفرقت قبائل قددا: من له عاطفة استيلاب غربية، موروثة عن “البزولة” الثقافية الفرنسية، فقد وضع نفسه إراديا “رهن إشارة” الغرب. وأما من ماتزال في نفوسهم “حتى” من “الاشتراكية واليسار” فقد رأوا في “جهاد بوتين” بشرى سارة بعودة المعكسر الشيوعي إلى سابق أمجاده، رغم أن بوتين لعن سنسفيل لينين وباقي الرهط البولشيفي المؤسس.

 هل على المغرب أن يصطف مع أحد الفريقين من وي الشوكة؟ هل الرباط مضطرة للسير مع أمريكا؟ هل تملك  الدولة المغربية خيارا في هذا الأمر، هي التي ظلت محسوبة تاريخيا وتقليديا على المعسكر الغربي؟ ماذا ستخسر بلادنا  إن كسرت جرتها بجرة روسيا التي صارت في السنوات الأخيرة أحد أهم شركائها الاقتصاديين؟ هل يملك المغرب كبلد ثالثي من أمره شيئا كي يقول لأمريكا المترنحة “لا؟ وماذا سيربح ــ حقا وليس وعدا ــ إن سار في ركاب أمريكا في حال نشوب حرب عالمية؟

الزمن هو من سيتكفل بإجابات تفصيلية عن الأسئلة المصيرية أعلاه، أما “مول الشوارع” ذو الرأي الذي لا يطاع فيرى ويعتقد في هذا:

ــ في زمن المصالح يجب أن يسير المغرب في “درب المصالح” فقط، مع الضمانات الكافية، وهو ليس مضطرا لأن يكون حشو بنادق موسكو أو واشنطن…أو غيرهما.

ــ لا خجل من التحدث بلغة المصالح، وفي أجواء الحرب تكون المصالح بطعم وقيمة الغنائم، ومصالح المغرب برائحة التراب المسلوب والخير المغربي المنهوب من سبتة إلى الصحراء الشرقية وباقي الجزر المحتلة.

ــ في الحرب العالمية السابقة سالت دماء الأجداد من أجل فرنسا الامبريالية ضد ألمانيا النازية…وعلى ماذا صفت الأمور…أجلسوا الأجداد ساسة ومقاتلين على خوازيق تاريخية..وعلى أحفاد المقاتلين اليوم أن يقلبوا الصورة ويصفوا الحساب العالق لا أن يعيدوا الخسارة ويسقطوا في المكيدة مرتين.

ــ ولكي يكون المغرب مستعدا لمواجهة هذه التحديات الرهيبة التي ستواجه شمال أفريقيا كما ستضع بقية العالم أمام امتحان وجودي سيكون على أصحاب القرار السياسي طي كل الملفات التي تعيق حركة رشيقة للبلاد في كل المجالات، عبر قرارات سياسية جريئة تضمن صلابة الجبهة الداخلية وقوة اللحمة الوطنية. ومن دون شك فالمدخل الحقيقي والوحيد لهذه الصفحة هو دولة القانون والمؤسسات التي تنحر وحش الفساد على عتبة ضريح الولي الصالح “المعقول”.

ليس في المستجدات الدولية الراهنة ما يدعو للإفراط في التفاؤل، ذلك أن الأحداث تتسارع بإيقاع قد لا يتحكم به حتى من وضبوا أوركسترا نشيد الدمار الشامل.

وبالتالي، على المجانين الذين يتحكمون بالعالم وباقي ذيولهم الأنجاس أن يعلموا أن الرئيس الروسي لا يمزح أبدا في تلويحه بالسلاح النووي. وقد سبق لبوتين أن صرح بما يفيد “ألا داعي لوجود عالم من دون روسيا العظمى”.

في النهاية، الهدف الاستراتيجي للحملة الروسية هو وضح حد للنظام العالمي بزعامة الغطرسة الأمريكية. وبوتين ماض إلى النهاية في هذا الطريق رافعا شعار”علي وعلى أعدائي”.

وتأسيسا على ما سبق، على وطني أن يشد الحزام تحسبا لكل شيء عالميا وإقليميا، فشرارة الحرب مثل حريق ينتقل بسرعة رهيبة في بيداء قاحلة ينعدم فيها الماء قبل رجال الإطفاء.

“شد حزامك كلشي عدو”.

www.achawari.com

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد