سفر في مجاهل ذاكرة أستاذ تعليم ابتدائي…مغربي

 كتبها: محمد بن توزالت

 

الحقيقي والمزيف:

لا يعتقدن أحد أن المزيف والحقيقي يخص فقط العملات الورقية والأفكار، فهناك أيضا أناس حقيقيون وآخرون مزيفون.. حقيقيون استطاعوا من خلال تزكية أنفسهم وإيمانهم العميق أن يحافظوا على إنسايتهم الحقة وطبعهم الأصيل رغم مرارة ما مر بهم من بلاءات وفواجع، في هذه الدنيا الفانية، إلى أن خرجوا منها وما ملكوا منها غير ما يحملون من نبل في أنفسهم ونقاوة في قلوبهم.

وٱخرون مزيفون فقدوا كل شيء جميل وأضاعوا أنفسهم رغم كل ما كسبوه من متاع الغرور…فلا تغتروا يا أحباب، فالمرء بما هو لا بما يملك.

وماذا وجد وملك من فقد إنسانيته وإيمانه وأنسه بالله لا إله إلا هو؟ وإن ملك الدنيا وما فيها من زينة ومن نعيم هو حتما تاركه يوما…وسأحكي لكم بعضا من قصصي مع هؤلاء البسطاء الحقيقيون ولا عليكم من الزائفين الذين لا يخفون على أحد من كثرتهم

الموسم الدراسي 2018-2019

التحقت بمقر عملي الجديد كأستاذ للتعليم الابتدائي على كبر سني وبعد تجارب مهنية حلوة ومرة مثل كثيرين، وكان بدوار  يسمى دريع موسى تابع لجماعة مجاط-إقليم شيشاوة…دوار بسيط بمنازل متواضعة من طين، يسكنه أناس طيبون في أغلبهم، رعاة من أصول صحراوية وبعض أمازيغ وافدين اشتروا أراض فلاحية لهم وحفروا بها آبارا، ومن فلاحتهم وماشيتهم يقتاتون، التحقت بمقر عملي فإذا به حجرة من البناء المفكك مهترئة في عراء، ولا آمل في إيجاد سكن لي بداكم المكان بعدما سألت أهله واستقصيت.

 فما كان من بد لي سوى أن أسكن بدوار أخر أبعد قليلا بجانب الطريق الرابطة مجاط بشيشاوة، وكذلك كان، فقد عثرت بالكاد على غرفة صغيرة عند صاحب دكان بقالة كان يواري فيها بعضا من متلاشيات دكانه من كراتين وغيرها, غرفة لا يمكن أن تلجها إلا وأنت راكع بالكاد تتسع لسرير صغير -كاتري- وثلاجة صغيرة وبعض أواني الطبخ ودارجتي الهوائية التي تحملني إلى عملي كل يوم وبمدخله حنفية ماء وقبالته مسجد أصلي فيه بعض فروضي وأقضي حاجتي البيولوجية بمرحاضه، وأنا الذي اعتدت -التْواسع- في حياتي كلها كون أبي من المهاجرين إلى أوروبا الميسورين الذين وفر لنا بيتا فسيحا -جازاه الله خيرا- محاطا بأشجار الزيتون واللوز والرمان -يحرّك فيه العاود كما يقال- بمسقط رأسي بأزيلال ودار لا تقل عنه فساحة بمراكش

النصيب حفرة

حمدت الله مكرها، وسكنت بيتي الجديد محاولا الرضى بالنصيب -فنصيب الإنسان من الأرض حقيقة حفرة تنظره في آخر المشوار – بتعبير الحكيم الروسي تولستوي رحمه الله.

أمضيت أياما من الأسى والآسف في بيتي الجديد وما كان مؤنسي حينها سوى كتاب -تاريخ موجز للزمان- للوذعي ستيفن هوكينغ ورواية -زوربا اليوناني- لنيكوس كازانتزاكيس الذي لا يقل روعة، وهاتفي الذي بالكاد يسعفني أحيانا في تصفح والاطلاع على ما يروج في بقية العالم من أخبار وحواديث، لضعف شبكة الاتصال في مثل تلكم الدواوير.

وكان لايضايقني أو بالأحرى يزعجني سوى سؤال أهل داك الدوار، الذي يدعى سيدي سعيد -نسبة لزاوية ولي صالح يدعى سيدي سعيد أمهيل من أهل لمْكان- عن شأني وحالي كلما خرجت لباب بيتي الصغير لشرب كوب قهوة سوداء معصورة بُعيد العصر…يسألون صاحب الدكان الذي اكترى لي عني فيجيبهم: معلم من أزيلال فدوار دريع موسى- فيجيبون أفرادا كانوا أو جماعات: مسكين مسكين… مسكين؟ ..دي…مكم كنسعى الصدقة ولا ضاربني الجايحة؟

يتبع…..وبيت القصيد في كل هذا لم يأت بعد

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد