حسن المولوع
لم أكن أعلم أن فيروس كورونا بهاته القوة الخارقة ، ليس لأنه خطير على الأبدان فحسب ، بل لأنه عرى واقعا كنا نراه خلسة والآن انفضح أمره وصار مكشوفا للعيان.
يمكنني في ظل هذا الوضع أن أقول ” انفضحت حليمة وعادت إلى عادتها القديمة “، وحليمة تتجسد في النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، حيث أن هناك تحركات من البعض انطلقت قبل أيام بمجرد تعيين الوزير الجديد عثمان فردوس ، تحركات تطالب بتوفير الدعم للمؤسسات الإعلامية التي تضررت نتيجة تداعيات وباء كورونا ، وفي هذا الإطار لي بعض النقط التي أود مناقشتها وأحاول بسطها من أجل محاولة للفهم.
النقطة الأولى : وهي أن المقاولات الصحفية تخضع لقوانين القطاع الخاص والمبادرة الحرة ، يعني ينطبق عليها نفس القانون الذي ينطبق مثلا على “وزين التقاشر أو المشماش” ، فلماذا تقوم الدولة على منح دعم لها دون باقي الشركات الأخرى ؟ ولماذا فقط مهنة الصحافة هي دائما المستفيدة من المال العام وخاصة بضعة فقط من المؤسسات التي لا تأثير لها ، وهذا الدعم لا يذهب إلى جيوب الصحافيين بل يبقى رهينة أصحاب الشكارة ، وهنا يظهر لي أن المال العام في ظل هذه الأزمة يجب أن يذهب للمواطن الفقير لا إلى جيوب المنتفعين والمنتفعات من الذين ألفوا الريع.
النقطة الثانية : النقابة الوطنية للصحافة المغربية قالت قبل أسبوع أنها ساهمت ب 25 مليون سنتيم في الصندوق المخصص لجائحة كورونا ، وبعد ذلك بدأت تطالب الدولة بتوفير الدعم عبر أبواقها ، وكأنها منحت ال 25 مليون سنتيم من الباب وتنتظرها الآن من النافذة ، ألم يكن من الأجدر بدل المباهاة بهكذا مساهمات أن توزع هذا القدر المالي على الصحافيين ؟ أليس هذا الصندوق مخصص للمتضررين من جائحة كورونا ؟ علما أن هاته ال 25 مليون سنتيم هي في الأصل أموال الدولة ، حيث أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية تتلقى دعما سنويا يقدر ب 100 مليون سنتيم ، ما يعني أن هاته المساهمة ينطبق عليها ” بضاعتنا ردت إلينا”.
النقطة الثالثة : من هي هاته الصحافة التي يراد دعمها ونحن نعلم أنه لم يعد هناك أي تأثير لها، فلا أحد أصبح يقرأ الجرائد وتظل في الأكشاك وقارعات الطرق، خصوصا الصحافة الورقية الحزبية ، ومع ذلك تجدهم يتسابقون على أخذ الدعم من الدولة علما أن أحزابهم بدورها تتلقى دعما سنويا من الدولة ، فلا الأحزاب مؤثرة ولا جرائدها كذلك ، وليست الصحافة الحزبية وحدها، بل حتى التي تدعي أنها مستقلة ، إذ لم يعد هناك أي تأثير لها ، واليوم لا يمكن التباكي بمجرد أن رأينا صانع محتوى على اليوتيوب يجري حوارا مع مسؤول في الدولة، فالحق يقال أنه انسان حر وله كفاءة عالية ، والإنسان الحر يمكن أن يبدع لأنه لا يوجد تحت وصاية الشناقة والذين يحترفون التحياحت ، فصناع المحتوى الرقمي على اليوتيوب يجب تشجيعهم وتأهيلهم لأنهم هم المستقبل ، أما الصحافة التقليدية “الله يرحمها”.
النقطة الرابعة : إلى حدود اليوم لا نعلم من هم الصحافيون الذين استفادوا من الدعم التكميلي الذي منحه الوزير الخلفي لجمعية الأعمال الاجتماعية لدعم الصحافة المكتوبة؟ وهل حقق هذا الدعم أهدافه ؟ وهنا أتساءل عن التقارير المحاسباتية للمال العام سواء الذي تأخذه النقابة، أو الجمعية المذكورة ، نريد أن نعرف أين ذهبت تلك الأموال؟ ونحن لا نشكك في الذمة المالية لأي أحد لكن نريد الشفافية والوضوح حتى نقطع الشك باليقين ، خصوصا وأننا أصحاب المهنة دائما نطالب المسؤولين في المؤسسات بالشفافية والوضوح ، إذن يجب أن نطبقها نحن في البداية ونكون مثالا يحتذى به..
إن زمن كورونا هو فرصة لتغيير أشياء كثيرة ، فيجب تغيير الرؤى والاستراتيجيات في أي شيء ، لأن الذين يمارسون الوصاية اليوم على المهنة إنما يريدون قتلها ، وبالتالي فإن الدولة لن تجد من يساعدها في تنوير الرأي العام ، لأن الجميع سينفر مما تقوله الصحافة إن بقيت على هذا الحال ، ولأجل ذلك فحليمة يجب ألا تعود لعادتها القديمة.
www.achawari.com