عامان تحت الوباء..كيف حصلت على دكتوراه من جامعة “كوفيد”

أحمد الجـَــلالي

…ثم اعلنوا عن “متحور” جديد قادم للعالم التعيس البئيس القلق من بلاد “نلسون مانديلا” قاهر نظام “الأبرتايد”العنصري المقيت، ليقهر ما تبقى في الحياة من حياة، وما بقي في قاع الأمل من أمل.

قبل اليوم مر على بني البشر في هذا الكوكب ما يقرب من عامين من حلقات مسلسل مخيف وسخيف حلقاته كلها سلالة تلد سلالة وتفرخ السلالة التالية نسلا لاحقا من الفيروسات المتحورة اللقيطة والتي لا يعرف لها العالم أبا أو جدا سوى تكهنات تغذي آلية صناعة “الحاجة إلى حل” والحاجة إلى خلاص.

قالوا لنا إن الخلاص في الحجر الصحي: فقلنا طيب. ثم قيل لنا إن الأمر يستلزم الإغلاق: فقنا “وعليه”. ثم قيل لنا: عليكم بالحجر مع الإغلاق المشدد: قلنا أنعم به وأكرم…ثم قالوا لنا: عليكم باللقاح إن أردتم الفلاح: فقنا عسى فيه خير..ثم قيل لنا تلقحوا ثانية ففيها خير: فقال الناس: صدقتم وآمنا. وفي الأخير قالوا: اللقاح لا يضمن…فاستيقظ الأنام من الحلم ثم قلبوا صفحات الكتاب كله ولاحظوا ما فيه من مشاهد وفيات وأعطاب وقارنوا الحقيقة بالخطاب فجاء صوت الجماهير: كفى.

ومع كل هذا فلن تفتح على إذاعة أو قناة حتى تجد طوفانا من الوصلات الدعائية المبشرة خارج كل السياقات بما سبق أن بشروا به فجربه الناس وصدقوا عقولهم وأجسادهم وكفروا بالمذياع.

ومع كل هذه التجارب الواقعية مازال العقل/المخيال الجمعي عبر العالم، وفي بلادنا، يأمل في خلاص ما قادم من فوق السحاب أو من وراء البحر لتعود الحياة إلى سابق عهدها.

مصيبتنا أننا تعودنا على الجاهز وعلى من يصنع القرار ويتخذه نيابة عنا، أما نحن فهاهنا قاعدون في انتظار أي “غودو”.

مصيبتنا في كسلنا الذهني ووقوعنا ضحية مرات تلو المرات للعادة التي تغلبت فينا على كل شيء، وتفوقت فينا حتى على العبادة.

وكأي من سكان الكرة الأرضية عشت ما عشتموه، لكني  “عانيته” بأسلوبي وتفاعلت مع كل هذه الأحداث بطريقتي، ومن الطبيعي أن أخرج بخلاصات وإلا فقد كنت مغيبا أو نائما في أحسن الحالات.

 إليكم خلاصاتي/ نصائحي بمختصرات أرجوها واضحة ومفيدة:

ــ الحياة كما عشناها وألفناها كانت وجها من وجوه “التجربة الحياتية” وليست الحياة نفسها، ففيها نسخ، والنسخة القديمة، ما قبل كوفيد، رحلت إلى غير رجعة ولن تعود، فانسوا تماما أي توهم بأن “الحياة ستعود إلى سابق عهدها”. آسف يا إخوتي، طيلة عامين لم نكن في عطلة و”سيحين” يوم وساعة العودة إلى ديارنا..لا، لن نعود والزمن لا يعود بل يتقدم.

ــ ونحن نتقدم إلى مستقبل لا نعرف بالضبط ملامحه ولكن نستطيع أن نجزم أنه مغاير لما كنا عليه وأنه سيكون موسوما بأنواع لم نجربها من قبل من الأوبئة والفيروسات والحروب البيولوجية.

ــ إن جائحة كوفيد لم تكن كلها محنا بل فيها كثير من المنح أيضا. ومن ذلك أنها عرت على بعض المستور عالميا ووطنيا وحتى داخل ذواتنا: عبر العالم، كشف الغطاء عن النوايا والمخططات والأنانيات فالشرق شرق والغب غرب وحتى داخل ذلكم المعسكران معسكرات واصطفافات. وفي بلادنا، تبينت حقيقة الهشاشة وأن إمكاناتنا الحقيقية محدودة جدا. وعلى الصعيد الفردي، سنحت لكل منا فرصة إعادة اكتشاف الذات ثم الرجوع إليها.

 دعوني أترك العالم لعالمه والمغرب لمسؤوليه وأركز على ما توصلت إليه كثمرة تجربة شخصية أنوي تقاسمها معكم:

ألف: كانت فرصة لي لتخفيف السرعة والتوقف مليا لمراجعة كل الأوراق وإعادة ترتيب أولوياتي والانتباه لما شغلتني عنه سابقا سرعة السفر الحياتي القلق. وقد حمدت الله على هذه الفرصة التي لم أكن لأتيحها لنفسي مهما حاولت.

باء: بعد أزيد من عقدين من “السباق” و “التيه” في خضم مهنة ابتليت بها لا تعرف الراحة ولا التمهل أعدت اكتشاف أبعاد الزمكان وفعل الكتابة ودرجة المسؤولية تجاه الذات والآخر.

 جيم: تغير لدي منطق الربح والخسارة حين وجدت أن حياتي وحياة غيري صارت على المحك أمام عدو خفي جعل من أخبار الموت طقسا يوميا فقدت معه حتى الموت هيبتها مثلما صار الحزن كما اكتشفه الشاعر الكبير صلاح جاهين: الحزن معادش له جلال يا جدع..الحزن زي البرد زي الصداع”.

دال: استعدت زمام المبادرة الإيجابية والفاعلة تجاه نفسي وصحتي وجسدي وتبين لي أن الجسم،هذه الآلة الجبارة والهشة في آن، صنعها الخالق سبحانه وزودها بطاقة وميكانيزمات رهيبة بمنتها أن تحقق المستحيلات بشرط أن نعرف كيف نشغلها ونوظفها ونريحها ونتحايل عليها ونوحي إليها..فإلى أن تنتهي صلاحيتها بالكامل لابد لي من الإبقاء على الفرح والغناء. غنوا معي:

Oh Lord my body has been a good friend

I won’t need it when I reach the end 

هاء: نظرا لبدوية منشئي القائم على القليل المفيد والاكتفاء بما يقيم الأود، وهي الميزة التي أفسدت المدينة والمدينية في جزا معتبرا منها، سعدت بعامي كوفيد اللذين أعادا إلي إمكانية الرجوع إلى النمط الأصلي استهلاكا ونوما وحركة وتحررا من المتعود عليه قسرا بحكم ما ظننت أنه حتمية لكنه في العمق مجرد غشاوة وطلاء هش لنفايات العصر مما تلطخت به صحتي ومزاجي لفترة.

واو: قبل سنوات قرأت للمفكر الأمريكي “ويندل بيري” مقالة ضمن كتاب كان عنوانها “فكر جزئيا”  Think little ، ونحن لشديد الأسف لم نجرب هذا الأسلوب المؤدي إلى وضوح الرؤية لأننا نضيع حين ننشغل بالصورة العامة للقضايا الكبرى ونصرف انتباهنا عن تلك “الجزئيات” المؤسسة للحالة العامة. أبسط الأمر: مثلا، بدل أن تفكر في حل مشكلات ذاتك كجزء ،من هذا العالم، قد تصرفك هموم الكون عن نفسك فلا أنت نفعت نفسك بتفكيرك ولا أنت صنعت لهذا العالم ما ينفعه. خلال هذه الفترة، لم أفهم فحسب مبدأ “بيري” بل طبقته وكانت نتائجه علي مبهرة على مستوى وضوح الرؤية، على الأقل.

زاي: وبهذه “الزاي”، آخر حرف بـ”أبجدهوز” أختم: فما تعلمته بالخصوص هو أن هناك كثيرا ما يمكن صنعه، وكثيرا من الإشكالات يمكن حلها بأقل الإمكانات المتاحة. وما كنت أعتبره قليلا صار عمليا كافيا. وما ظننته ثانويا تبين لي أنه ليس كذلك. ثمة أوهام للتخلص منها يجب أن تتوقف، وثمة “قضايا” لا تستحق أن تعد كذلك لأنها خداعة ومضللة استغلت فينا لهاثنا فكرست نفسها “ذات قيمة” وهي محض هراء.

لقد انحصرت “خلاصاتي” هذه،ولست في معرض من يعطي “الدروس”، انحصرت ما بين “الألف” والزاي” فأكملت لكم معكم “أبجدهوز” وصار من حقي أن أحط نهاية لهذا المقال “الكلمن”..وأتركه ليرتاح مني أياما.. هذا “القلمن”.

 www.achawari.com

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد