أحمد الجـــلالي
بدأنا قبل بضعة أيام فقط نعد توالي أيام المائة يوم الأولى لحكومة أخنوش التي سبق ميلادها كل ما شذ عن قواعد اللعبة السياسية المتعارف عليها وطنيا على الأقل. والمائة يوم في عرف الحكومات الجديدة هو تمرين لأعضائها على كيفية أداء مسؤولياتهم التدبيرية والخدماتية في مختلف القطاعات، وهي إلى ذلك جس نبض متبادل بين ثلاثي إن غاب أحد اضلعه صارت اللعبة سخيفة: الفريق الحكومي المشتغل والشعب المصوت/المقاطع اليقظ والإعلام الحر النزيه الناقد.
لكن حكومة أخنوش تريد أن تقتل القط مع المغاربة في اليوم/الليلة الأولى، ولا صبر لديها لكشف وجهها ونواياها خلال ثلاثة أشهر وعشرة أيام.
فقد اختارت هذه الحكومة عشية عيد المولد النبوي الشريف بما له من قدسية ومكانة عند الشعب المغربي لتعلن قرارها فرض “جواز التلقيح” في كل أنشطة الحياة من تنقل وعمل وولوج إدارات..إلخ، أي خنق ملايين المغاربة الرافضين للتلقيح من أساسه، وهي الحكومة نفسها التي أقدمت على هذه الخطوة المجنونة دون أن تقيم حسابا ولو بسيطا لجملة من المعطيات/الحقائق:
ـ أولا، سواء الحكومة السابقة أو الحالية فقد أكدا معا أن التلقيح غير إجباري، لكنهم جعلوه عمليا إجباريا ولو بطريقة غير مباشرة، وهذا تحايل على القانون المغربي الذي يضمن للمواطن السلامة الجسدية والنفسية ويحمي حريته في التنقل والسفر.
ــ ثانيا،التلقيح وفقا لمنظمة الصحة العالمية يبقى اختياريا ولا يمكن تحت أية ذريعة أو “قالب” مغربته على هوى المهووسين بـ”مناعة القطيع”، اللهم إلا إذا كان البقر قد تشابه عليهم.
ــ ثالثا،التلقيح كعملية عالمية مازال في طور التجريب أي أن الأساس فيه تطوعي، فكيف يمكن تخيل إخضاع شعب بأكمله إلى التلقيح ما لم تكن الغاية تجارية كمية أو وراء الأكمة ما يخفيه علينا أصحاب الشأن بالأكمة.
ــ بعض أعضاء اللجنة والوزارة بعظمة لسانها الكسول تواصليا، تؤكد بطء التلقيح وامتناع ملايين المغاربة ولم تطرح السؤال الضروري: لماذا؟ أو أنها تعرف السبب ولا تريد النظر إلى شمس الواقع بلا نظارات الزيف والمغالبة.
ثم إن هذا المواطن الذي استجاب لتلقيحين وزدتموه الثالثة لا أحد أخبره ما الذي فعله التلقيح بالناس، أي هل أفادهم أم طور لديهم سلالات أخرى؟ هل رفع منسوب المناعة عندهم أم “خلا دار بوهم”؟ والذين لقحوا ثم ماتوا، هل وافتهم المنية بشكل طبيعي أم عجل اللقاح بحتفهم؟ هل اللجنة “العلمية” تتابع جميع الحالات بما يقتضيه العلم الحقيقي في بلدان الغرب أم كل ما تقدر عليه “اللجنة” هو تدوينات الإبراهيمي التي صارت مسخرة فيسبوكية، وبلاغات ركيكة رتيبة لوزارة صحة ظهرت “قلة صحتها” في قصة الثنائي الرميلي/آيت الطالب.
وهذه المواطنة وذاك المواطن اللذان تلقيا ثلاث جرعات ووقع لهما سوء أصغر أو أكبر لا قدر الله، من سيحاسبان؟ واستنادا على أية ضمانات سيغامر الناس بصحتهم ويقامرون بحياتهم في لعبة تلقيح غير مضمونة العواقب؟
ومع الاعتذار الشديد لجميع المغاربة، فإنه حتى الحيوان الأبكم في بلاد حقوق الإنسان بحق، وليس مجازا، يخضع لعلاج أو عمليات جراحية تحت جميع الضمانات القانونية فما بالكم بالآدمي؟
والغريب أن هذا القرار الأرعن الشاذ يأتي في وقت تعلن فيه وزارة الصحة تحسنا كبيرا في الحالة الوبائية وإقدام بلدان على إعادة المغرب إلى الخانة الخضراء في معايير تحديد خطورة الوباء. هل هناك رغبة دفينة في التضييق على المغاربة وتكدير بعض صفوهم كلما لاحت بارقة أمل أو بدأ الناس يستنشقون هواء انفراج؟
ولأن الكوكب الذي هو مسكننا صار زقاقا صغيرا بفضل معجزة الانترنت فإن المغاربة بدأوا التكتل في اتحادات وتنسيقيات تعبيرا عن رفض هذا الجواز النحس، وبلا ريب لن يتوقف الأمر عند الافتراضي إذ لكما ضغطتم على الجرح وتجاوزتم حدود المسموح به سيتعالى الصراخ وما يليه وهو ما سيجعلكم تجنون عكس ما تريدون.
إن حكومة تبدأ أيامها الأولى بقرار أخرق بدل المبادرة إلى صنع الحلول الجذرية لمشاكل الشعب الحقيقية وتحقيق انفراج متعدد الأبعاد من اجل سلم مجتمعي مستدام لعمري حكومة لا تستحق ثقة المغاربة ولا يمكن الاطمئنان إليها في قادم الأمور ولا لها في اتجاه وسلامة سيرها بالبلاد.
لسنا بحاجة لطرح الأسس القانونية والدستورية لإثبات بطلان قرار فرض “الجواز” فقد تولاها مشكورا المختصون ومعهم حتى كل من يستطيع القراءة فقط نظرا لوضوح النصوص أما شطحات اللجنة ومن ورائها الحكومة “العثمانية” الغير مأسوف على رحيلها، ولاحقتها “الأخنوشية” المتفعفعة منذ أسبوعها الأول..ويا لطيف الطف بنا وحرك لسان وزير العدل المحامي عبد اللطيف ليحرك لسانه ببعض فصول مقتضيات الدستور المغربي وشي ما من القانون الدولي ومثال ذلك:
الفصل 22 من دستور المملكة المغربية الذي قرر أنه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أوعامة”، فضلا عن الفقرة الأخيرة من الفصل 24 التي تشدد على أن “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”،
وهنا لا مجال هنا للتغاضي عن المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص بوضوح على أن”لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته”
في كل قانون استثناءات، ولهواة الركوب على الاستثناء لضرب القانون نفسه نقول بكل صراحة وتحد: إن الاستثناء لا يمكن أن يذبح القاعدة التي هي روح القانون ولا يمكن لأي قانون أن يلغي الحقوق الأساسية للبشر في عمقها، ساعتها سيكون “قانونا لقتل القانون بالقانون” وقضاء للقضاء على القضاء.
إن رفض الجواز رد فعل طبيعي من شعب طبيعي ضد قرار غير طبيعي يصيب في مقتل الحقوق البديهية للناس.
لله الشكر والحمد فبلادنا لا تعيش حربا بل فقط سنتان من الوباء امتثل فيها المغاربة لكل ما طلبه المخزن برضى وأحيانا بصبر ومرات على مضض.
ولكم في تاريخ الأمم العظيمة عبرة يا أولي الألباب، فونستون تشرشل منقذ بريطانيا وقاهر النازية، حتى وبلاده تحت جحيم القصف النازي، لم يكن يسأل مقربيه عن التموين أو عدد القتلى بل كان همه الشاغل هل الناس يعيشون العدالة في المحاكم؟ وإليه تنسب مقولة: مادامت العدالة بخير فلا خوف على بريطانيا.
وسنعزي أنفسها بالقول: مادام في المغرب عقلاء وشجعان في قول الحق وفرض الصواب فلا خوف علينا من مسؤولي آخر ومن ممن قطر بهم سقف “لمصادفة”.