أحمد الجلالي
أشعر بالقهر والقرف هذه الأيام، ليس لأني أعاني مظلمة، ولكن من فرط الحديث المكثف عن “النموذج التنموي”، فأينما يممت وجهي وعيني أقرأ عن النموذج التنموي المطلوب، وحيثما نبشت أجد وجوه النحس المألوفة تتحدث عن النموذج التنموي، ويزداد قهري أكثر حينما يختمون بالإشارة إلى أن الملك تحدث عن فشل النموذج التنموي.
هنا اشعر بالرغبة في الانتقام من الزمن الماضي الذي كرس رموزا زائفة، ولكن لا حيلة لي في الأمر فأكتفي بالتساؤل ــ في نفسي الأمارة بالنقد ـــ يا هؤلاء: أكنتم ستتحدثون عن فشل هذا النموذج لولا أن الملك قالها صراحة في خطاب رسمي؟ ثم يا أيها المنافقون، لم لا تحدثونا عن دوركم أنتم في فشل هذا النموذج؟ أليس منطقيا أن النخب والأشخاص المسؤولين عن فشل تجربة ما، لا حق لهم في التنظير لتجربة تليها؟ فلترحمونا بصمتكم رجاء.
قرأت كتابا لمفكر سوداني عن النخبة وإدمان الفشل. الأمر ينطبق على سياقنا المغربي بلا شك.
لقد اكتسب الفاسدون في بلادنا مناعة ضد الإصلاح، وهم يقاومون كل رغبة في خلخلة الوضع من أجل مستقبل يستحقه هذا الشعب الذي صبر كثيرا. وكما أن الفساد والفشل منظومة على الإصلاح /النموذج التنموي أن يشتغل كمنظومة.
ولأن الناس صاروا هذه الأيام يلوكون عبارات ببلاهة جراء التكرار الاستهلاكي لها، فقد حملت نفسي على التدقيق في معنى المنظومة. و في بحثي غالبا ما أطمئن للأكاديميين الإنجليز وجدتهم يعرفون “السيستم” بأنه مجموعة من النظم المترابطة والتي تشتغل مجتمعة بتناغم.
وعليه، يجب علينا قبل البحث عن أي نموذج تنموي يلائمنا أن نجيب عن سؤالين: من أفشل نموذجنا وكيف تعطلت منظومته؟
دعونا أيها الناس نضرب الأخماس لأسداس ونضرب الأمثال ليتضح المقال:
ــ ندرس الجيل تلو الجيل حتى إذا تأبطوا شهادات عليا اكتشفوا متأخرين أن ما لقنوهم إياه لا يساوي “ريالا” عند الاصطدام بحقيقة سوق الشغل والإنتاج..سير تضيم..
ــ ينشئون الأقسام الممتازة للرياضيات وغيرها، وزبدة العقول بعد التخرج يكون مكانها الملائم في فرنسا أو كندا..طاح عليك الضيم؟
ــ تأتي حكومة بميثاق وأغلبية فيكون أو شيء يركزون عليه “تبدال لبلايك” في الإدارات، في كافة المصالح مركزيا وإقليميا ومحليا..يبدلون الأسماء كي لا يتبدل شيء في الواقع..اطلب التسليم.
ــ يشرعون القوانين فيظل أغلبها في حاجة إلى مراسيم تطبيقية أو بيئة ملائمة..أليست الوثيقة الأسمى هو الدستور، لقد مرت سنوات ومازال غير قابل للتنزيل وكأنه متكبر متعجرف لا يريد أن يتواضع قليلا.
ــ يأتي مسؤول ما في قطاع ما بفكرة مشروع ما ويصرف ملايير ما..ثم ننسى الأمر، فلا محاسبة ولا متابعة، ولكم في “البرنامج الاستعجالي” الذي صرط وضرط الملايير، أسوأ مثال.
هذه أمثلة فقط لمظاهر صارخة تبين لماذا فشل نموذجنا التنموي. لنمر إلى المستقبل، ونطرح السؤال الفارق: ماهي الأسس الضروري كي لا نقف بعد ثلاثين سنة من اليوم ونسأل: لماذا فشل نموذجنا مرة أخرى؟
وأهم ما يجب التشبث به في صياغة أية خطة تنموية لمغرب المستقبل في نظري هو التالي:
ــ أن تكون الخطة مغربية بنت تربتها وليست مستوردة من الخارج، سيما فرنسا هذه الحضارة التي شاخت حتى داخت بين الأمم ولم تعد تجد من يصفق لـ “خيخها” سوى بعض المستعمرات السابقة.
ــ استبعاد وجوه النحس من العهد السابق الضالعين في الفشل المشهود عليه. فلا مكان للعقول الفاشلة أو المفسدة في مغرب المستقبل.
ــ تكريس مبدأ المحاسبة بحملة “تتكريك” صبورة وطويلة النفس تستعمل نار القانون وحديد العدالة ضد الفاسدين واللصوص والمتآمرين وكل الكلاب الضالة التي نهشت الوطن ودمرت حلم أبنائه.
ــ في التعليم، يجب توقيف الدراسة سنة وإغلاق المدارس كي يعم الصمت ونعرف بالضبط ماذا نريد..ولي تلف عليه أن يرمي بوكلاخ في القمامة ويستلهم روح المرحوم بوكماخ.
ـــ لقد اكتسب الأمن الضرورة القصوى كركيزة تنموية فلا اقتصاد ولا استثمار بلا أمن. صارت الجريمة في تصاعد خطير في مدننا الصغرى والمتوسطة بل حتى الحواضر التاريخية مثل فاس وسلا أمست وكرا للجريمة وما عاد الناس في مأمن. الأمر الذي يستدعي مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمعهد الملكي للشرطة، فعدد رجال الأمن والمقاطعات والإمكانات المرصودة للعناصر الأمنية لا تساوي شيئا بالنظر لعدد السكان.
ـــ مشروع الجهوية الموسعة فكرة ممتازة، وستكسب الدولة وأجهزتها الأجر والثواب إن حالوا بطرقهم دون استحواذ الوجوه القبيحة المعروفة تاريخيا على تسيير الجهات وخيراتها. وإن حصل ذلك سينخر السرطان الأمل المنتظر وما حرثه الجمل سيدكه بغل الفساد الجهوي.
ــ المغرب المنسي أي البادية التي تشكل السواد الأعظم من الأمة المغربية يجب أن تحظى بنموذج تنموي يخطه لها أبناؤها الذين قاسوا فيها ومن أجلها قبل أن يصلوا إلى مراتب علمية وإدارية. أما من تربوا في الأحياء الراقية بالرباط والبيضاء ودرسوا في معاهد أوروبا فلاحظ لهم ولا نصيب في فهم احتياجات البادية ولا طرق تفكير أهلها ولا سبل تنميتها.
ـــ تفكيك أخطبوط البيروقراطية والنكد الإداري في جميع المؤسسات. فالتخلف الإداري بالمغرب و “التراث القبيح” المتعلق بـ “سير واجي” يجب أن ينتهي، والجيش العرمرم من الموظفين المرضى نفسيا يجب أن يسرحوا..وإلا فلا إصلاح ولا تصليح ولا هم يفرحون.
www.achawari.com