مرحبا بكم مجانا في المهرجان الوطني الكبير “لاغتصاب الفراغ”

 أحمد الجـَـــلالي

أطلقت قبل بضعة أسابيع مدونة شخصية لكتاباتي البعيدة عن هوس الخبر والركض خلفه. عن لي ان اسمي مدونتي هذه “فيسبوق”. لم انتق الاسم نكاية في مارك بن زوكربيرغ ولكن لأن “البوق” الة مغربية اصيلة عرفناها في أسواق البادية قبل ان تسبقنا هي بلوك حداثي الى الاعلام الذي حلمناه رسالة وابداعا فوجدنا جوهره ابواقا ودعايات فجة.

فما الداعي الى الـ”فيسبوق” خاصتي اذا؟

لعلي ابحث بواسطته عن تسطير المقالة التي لم اكتبها بعد، والقصيدة التي ما فتئت تتمنع وتلك القصة المصرة على الهروب.

ىخر قصصي المنشورة بالفيسبوق حملت عنوان: ” قصة المختار الشبقي وابنه عامر..ناكح الفراغ”. انا متهم في الوسط الصحفي بالشغب الادبي في ثنايا ما نشرت وانشر، فما رايكم بمفارقة العنوان: سمى ابنه عامرا لكن الابن ينكح الفراغ؟

عادة لا اعيد قراءة ما نشرت لكن مع هذه القصة استوقفتني مفارقة العنوان التي لم اقصدها بل هي من قصدت فتح عيني على مفارقة اكبر نعيشها في هذا البلد الذي كافح طويلا كي يكون سعيدا ففشل في هذا الطريق بقدر لا يستحقه.

المفارقة هي الإصرار على نكاح الفراغ بجميع المعاني وعلى جميع الصعد وفي كافة الابعاد:

في النضال السياسي:

 وعدنا “الصف الديمقراطي” بأن يصلح الأمور من الداخل وفق استراتيجية سلمية مبنية على التدافع فإذا بالرفاق يتمخزنون ويندفعون نحو المناصب والريع فيما دفعوا بالشعب إلى حافة اليأس.

جاء زمن الأخونة فنكحت السياسة الدين وقضى “الإخوة الكرام والأخوات الفضليات” مآربهم ونالوا أوطارهم الحكومية وغرقوا في النعيم، فيما نال الشعب أصابعهم الوسطى الطويلة…الله يخلف.

في الاقتصاد:

تعاقبت على المغاربة عقود من الإنتاج الفلاحي وأخرى من الفيضانات و القحط، وبين هذا وذاك اقترضت الدولة ملايير الدولارات لا أحد أخبرنا اين ولا كيف صرفت..في النهاية لا شيء هناك يلمس أو يذكر سوى الفراغ إلى حد صار معه أي وليد مغربي حتى قبل أن يرى النور مدينا للبنك الدولي وأحفاد روتشيلد بعشرات آلاف الدراهم.

في الثقافة والإعلام:

غابت النخب كلها، ومنها من قبض المقابل، ومنها من قبض على جمر الضمير حتى احترق، وفرغت الساحة تماما لكل الأبواق والكذابين والمنافقين والدجالين والمشعوذين، ونزل الفن إلى الدرك الأسفل من العفن، وصارت الصحافة مهنة وصفة تخجل من إعلان بطاقتها في وجه مواطن بله أن تتوسل إليها من أجل مكان اعتباري مستحق إزاء أبسط مسؤول.

مع التاريخ:

على مدار بضعة عقود ظن كثير منا ومن مفكرينا أن حل المعضلات له مدخل دستوري لتسهيل إعادة ترتيب الأوراق ومأسسة كل شيء، فتعاقبت الدساتير الممنوحة والمصلوحة والمطروحة والمدروسة والمتعوب عليها..فانتهينا إلى الدستور الأخير ذي الميزات غير المسبوقة، غير أنه لكوننا متعاقدين مع الفراغ..كانت الحصيلة أن المغاربة اصطدموا بدستور “مكتبر” يأبى التنزيل الديمقراطي…….وكأنك يا أبا زيد ما غزوت…إنه الفراغ.

 أن ما نراكمه من فراغات قاتلة كوطن يتألف من دولة وشعب يسير بنا في طريق تحفه المهالك، إذ الطبيعة تأبى الفراغ بطبعها، وهكذا يحتل كل حيز غادره الجد والمنطق والعقلانية، يحتله الفسدة والمرابون وقطاع طرق الخبز والحرية والقانون و التنمية.

والفسدة عندما يملؤون الفراغات في كافة المؤسسات ومناحي الحياة لا يكتفون فقط بما تقوم به الحشرة القرمزية في “زعبولنا” منذ سنوات بل يطورون المناعة الذاتية لمنظومة الفساد ويجعلونها مع الوقت عصية ومستحيلة على التفكيك، حتى لو توفرت الإرادات الفوقية بصدق لإنقاذ ما تبقى.

وكارثة الكوارث في بلادنا شعبيا ونخبويا ليس ما نزلنا إليه من زهدة الفقر والإملاق المطلق والأمراض البدنية والنفسية فحسب وإنما أم الآفات هي التطبيع مع الواقع اعتبار كل شيء عاديا وأننا خلقنا لنعيش هكذا وهذا نصيبنا وقدرنا و”مكتوبنا” وأننا “أحسن من غيرنا”، رغم أن الأرقام الأممية تقول إن “غيرنا” كما هو في مخنا صاروا أحسن منا بمراحل ضوئية في مؤشرات التنمية والخدمات والحياة الكريمة.

من شدة ما كذبوا علينا صرنا نكذب ــ يا ناس ــ على أنفسنا وعلى “غيرنا” ثم نصدق بهتاننا الاصطناعي ونباهي به كثيرا في معمعان واقع افتراضي أمسى مخدرنا اليومي مدفوع الثمن مسبقا من جيوبنا في اللحظة ومن مستقبلنا القريب والبعيد..إن كان بمهرجان الفراغ هذا قد بقي لنا ولمستقبلنا بعض حيز.

أجزم أن الأغلبية الساحة منا وفينا، على الصعيد الفردي الشيق والحيوي، لو توقفت دقائق وتأملت شريط حياتها وحسبت قيمة وجودها بجودة الحياة التي عاشتها أو الأهداف التي حققتها فسوف تصاب بالجنون: نحن في هذه الأرض ماذا صنعنا لأنفسنا ولنسلنا من شيء ذي قيمة غير القتال من أجل كسرة خبز لنبقى على قيد العيش وليس على قيد الحياة؟

أبصم أن الأغلبية المسحوقة فينا وبنا لو جلست أرضا وأعطت للوقت بعض وقتها وتأملت في ذاتنا الجمعية كأمة وقارنت بيننا و رواندا ــ ولا أقول أروبا ــ لرأت محيط الفراغ والانتظارية التي حكم علينا بالبقاء رهائن فيها ولها ولأيقنا أننا لا نفعل شيئا آخر في سفر الحياة المضني هذا سوى أننا أدمنا نكاح الفراغ ــ كما صنع عامر بن المختار ــ بينما استمرأ الفراغ المركب اغتصابنا في أحلامنا وأبسط حقوقنا الطبيعية.

نعيش تحت عتبات الفقر لأننا آمنا فقط بالحد الأدنى في كل شيء.

سبقتنا الأمم والشعوب لأنها آمنت بأن الحياة تجربة قصيرة تستحق المجازفة بينما نحن آثرنا السلامة والمشي بحذر جنب الحيطان الصماء.

صبرنا على المهانة لأنهم افهمونا ان الصبر عبادة بينما الصبر الحقيقي يكون طاقة إضافية وضرورية لتحقيق الأهداف الكبيرة والنبيلة ويكون الصبر على الظلم والقهر والتعسف عنوان جبن وايمان مزيف تحت عباءة التسليم بالقدر.

اغلب العادات السيئة تكون سرية لكن ادماننا التاريخي كل صنوف الخيبات صار علنيا وبلا قليل حياء او ماء في الوجه.

فمن ينفخ في “بوق” اين منه “فيسبوقي” أنا عسى نصحو من كرنفال النوم السرمدي هذا..حيث الألم والصمت واللاجدوى وانتظار اللاشيء والفراغ الذي يغتصبنا..والموسيقى التصويرية الرتيبة لهذا الفيلم الحضاري الخليع شاعرها هو نفسه ملحنها ومغنيها المردد في الارجاء لازمته الشيطانية الابدية: استمتعوا…استمتعوا…استمتعوا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد