أحمد الجــلالي
نصف طريق الحجر الطبي قطعناه تقريبا. الأيام تمر ثقيلة على نص البشرية، لكنها ستنقضي في كل الأحوال.
ما يجعل هذا الظرف قاسيا أسبابه كثيرة، لكن الواقع يمكن أن يرتفع لو تأمل الناس، وفي المغرب تحديدا، أنفسهم وراجعوا ذواتهم، مادامت هذه الذوات مجبرة على القعود في البيوت، وهي فرصة سنعرف قيمتها لاحقا.
هذا التمرين البسيط على تفادي عادات وتقليص أخرى مهم جدا لمن له الرغبة والقدرة على المراجعة وإرادة التصحيح والنقد الذاتي.
قاوم رغبتك الجامحة في الخروج لأجل الخروج فحسب وسأل نفسك ماذا تصنع بوقت تهدره في لا شيئ، وهو كل حياتك يا هذا.
قاوم عادتك السيئة في التجمع من أجل “لهضور الخاوية” مع أناس هم الفراغ بعينه، واكتشف أن الحياة ممكنة بل وهادئة ومنتجة في غيابهم.
قاوم تلك الرغبة المرضية في قضاء أوقات طويلة في المقاهي مبحلقا في التلفاز، وارحم مسمعك من أصوات هي الضجيج والتلوث الآدمي، هي هدير الملاعب ومعها أصوات معلقي الرياضة الذين أفسدوا الذوق واللغة: وساااااع.. يعني وزع الكرة..وي واسااااع..ما هذا بالله عليكم يا شباب المغرب؟
قاوم تلك العادة القبيحة التي تجعلك تقحم جسمك في تلاصق مرضي مع الآخرين وتشم نفسهم وتجعلهم يشمون عوالقك بميكروباتها ومصائبها، امسك لجام نفسك وتعود من اليوم فلاحقا على أخذ المسافة الضرورية، مسافة الأمان بينك وبين الخلائق..فلا ضرر ولا ضرار…أفهمت؟
فوجئت الدولة، ومعها الفئة الواعية من المغاربة، بملايين أفراد الشعب يقاومون قوة السلطات بقوة التخلف: لا يريدون دخول منازلهم ولا يطبقون تعليمات ولا يفهون ولا يريدون أن يفهموا حتى أية نصائح..ولولا هذه الجائحة ما اكتشفنا أو أمعنا النظر بالأحرى في مستوى الانحطاط الذي نبت بيننا ونحن عنه غافلون متغاضون لعقود طويلة.. هي فرصة بينا أيدينا اليوم لتعقيم الميكروبات البشرية والطبيعية والنفسية والسلوكية.
يجب أن نكون ممنونين لهذه المحنة التي بباطنها ما لا يحصى من المنحات والإجراس المنذرة بخرابنا إن لم نتدارك الموقف لاحقا بلا استرخاء أو استسلام.
خرجت اليوم للتبضع، لأول مرة منذ أسبوعين، لم أستغرب لكني سجلت الملاحظات التالية:
ــ ليس الشارع كما كان في السابق حرفيا، وفي الوقت نفسه ليس الناس كلهم على القدر نفسه من الحيطة
ــ التغيير ممكن بقوة الدولة وبالحزم، ولو انضافت المدرسة إلى إعلام هادف معقم من الجراثيم سنصنع مغربا آخر يقينا
ــ التغيير يبدأ من أعلى منطقة في الجسم وهي الرأس ــ العقل ثم ننزل إلى البطون وما تحتها، وليس العكس. وللأسف فكل ما صرف من جهد في التعليم والإعلام والثقافة لم يخاطب أعلانا إلا لماما.
www.achawari.com