بسبب حواره مع “فوكس نيوز”..تاب عقلي: آمنت بابن سلمان زعيما

 أحمد الجَـــــلالي

 

ابن سلمان على فوكس نيوز حدث سياسي كبير. أما أنا فبحكم اهتمامي المهني بالشأن الوطني لزوما، والشأن العربي بداهة، وبالشأن السعودي، باعتبار المملكة في قلب كل القضايا الكبرى في المنطقة، فضلا عن انغماسي العملي سابقا في واحدة من أعمق وأكبر  المطابخ الرسمية السعودية، وأقصد بها صحيفة الشرق الأوسط بلندن، فقد واكبت باهتمام مهني وقومي تصريحات الأمير ابن سلمان، ولي عهد السعودية، على هذه القناة الأمريكية.

 

اكتفيت بقراءة القصاصات ذات الصلة نقلا عن وكالات أنباء دولية ولم اشاهد اللقاء كما بث على هذه القناة الأمريكية العملاقة، لولا أن أحد الزملاء المحترمين حثني على مشاهدة اللقاء كاملا.

 

وعدت نفسي أن أفي بوعدي لصديقي، وفعلا فعلت. شاهدت اللقاء مرتين: الأولى باهتمام وفي الثانية بتركيز نقدي مهني.

 

إنه لقاء المفاجآت للعالم بلا شك، ولي شخصيا يقينا، وهناك أسباب كثيرة تجعلني أعتبر  هذا اللقاء استثنائيا، ليس فقط لمضمونه ورسائله للأمريكان وغيرهم، بل لأنه فتح عيني بموضوعية على هذا الأمير الشاب من موقعي الجغرافي المرتبط مصيريا بالشرق الأوسط، وأيضا من منطلقي المهني المؤثر والمتأثر بما ينشر ويقال ويبث.

 

في الشكل:

 

كمحترف صحافة مكتوبة وبخبرة متعمقة في الإنتاج السمعي البصري، لن أتردد في القول إن مرور ابن سلمان فاق في نجاحه التوقعات، لقد كان هادئا طيلة اللقاء، مبتسما مرارا، غير متشنج أمام الكاميرا، كان يتحدث إلى الصحافي الأمريكي وكأنهما في جلسة خاصة وليس تحت الأضواء. كما لوحظ أن ولي عهد السعودية لم يكن يشيح بنظره عن محاوره بل يركز في عينيه وهو يكلمه، وفي مناسبات ظهر الصحافي غارقا بعينيه يبحث عن أسئلة مكتوبة فيما الأمير في الموقع الأقوى. وهذه قمة في الاحتراف التواصلي، بالنظر إلى قيمة الضيف وحساسية كل كلمة يقولها في قناة واسعة الانتشار.

 

وبدا أن الأمير يمتلك فعلا هذه الملكات التواصلية، قبل أي تدريب أو تثقيف. لم يظهر  في لحظة من اللحظات وكأنه يتذكر شيئا نسيه أو غير واثق من الطريقة التي عليه أن يتحدث بها. تصرف بعفوية واعية.

 

وإذا أخذنا بالحسبان أن ابن سلمان كان يتحدث بلغة أجنبية، فلنا أن نتصور قدراته في التعبير والحديث لو تحدث إلى قناة عربية.

 

في المضمون:

خلافا لغالبية اللقاءات التي يعقدها الزعماء العرب مع كثير من المنصات الإعلامية، حيث يبدو أغلبها متفقا عليه مسبقا، وتاليا تبدو الإجابات كما لو كانت فصولا من مسرحية حوارها محفوظ، خرج الأمير السعودي عن المألوف واشتبك في حوار بلا حدود طرح من خلاله الصحافي الأمريكي كل ما يدور في ذهن المواطن الأمريكي والعربي وحتى السعودي.

لم يجامل صحافي فوكس نيوز الأمير، ولكن طرح أكثر الأسئلة حساسية بأسلوب مهذب. وبهذه الطريقة ربح الصحافي سبقه المهني وكسب ولي عهد السعودية نتائج ظهور له من المكاسب ما يفوق بكثير كل ما صرف من ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة بأمريكيا لتحسين صورة العربية السعودية. أوقل هذا واثقا لمعرفتي بالعقلية الأمريكية أولا ولدرايتي برهانات التواصل المرئي من موقع التخصص الأكاديمي.

 

في الأهداف:

بلا شك لابن سلمان غايات من أجراء ذلك اللقاء كما لفوكس نيوز غرضها السياسي والمهني من هذه المقابلة. وأتصور أن ابن سلمان حقق أهدافه كما سطرها في ذهنه ومع فريق عمله وزيادة.

 

ــ لم يتلعثم ابن سلمان حينما أعيد عليه السؤال حول تراجيديا مقتل الصحافي جمال خاشقجي: لم يتهرب من المسؤولية التي سبق له الإعلان عنها، كما لم يلتف على الحقيقة كما هي. وبذلك رسخ صورة الزعيم المسؤول عن كلامه والذي لا يعود فيه.

 

ــ كان أكثر إقناعا للمتلقي وهو يتحدث عن واقع بلاده وعدم رضاه عن جملة من القوانين المخجلة والتي أخبر أنه بصدد تغييرها والعمل على انفتاح البلاد بسرعة. وهذا خطاب يدخل القلوب ويحترم العقول مادام الأمير تفادى نهائيا لغة الخشب والتطبيل للذات الرسمية.

 

ــ استخدم الأرقام الدقيقة في كلامه، وهي تقنية علمية للإقناع والإيحاء بالثقة في النفس ومعرفة عم يتحدث المسؤول. والغرب عموما يحب لغة الأرقام لأنها أقرب للحقيقة ولأن الرياضيات لا تجامل في الاقتصاد.

 

ــ تحدث عن رؤيته لـ 2030 و رؤيته لـ 2040، وبهذا يعلن ابن سلمان عن طموحه الممتد في الزمن، وأن الرجل يشتغل وفق منظور استراتيجي مسطر وخاضع للمراجعات المرحلية وفق أهداف محسوبة، في جغرافيا إقليمية واسعة وحساسة وخطيرة، والتي يبدو أن ابن سلمان عازم أن تكون فيها السعودية دولة عظمى بصفر مشاكل مع الجيران، وفي مقدمهم إيران وحوثيو اليمن.

 

 أهذا ابن سلمان الذي “عرفت”؟  

بعد هذا اللقاء يكون ابن سلمان قد حقق اختراقا في الصورة التي شكلتها عنه متأثرا بما قرأت عنه بثلاث لغات. كيف ذلك؟

 

ــ قالوا عنه إنه “هوم سكولينغ” أي لم يذهب إلى جامعات ودرس “في البيت”، والحقيقة أنه إن كانت الـ “هومسكولينغ” تنتج هذه العينة من الكاريزما في التواصل والثقة في النفس حين الحديث إلى العالم فنعم الـ”هوم سكولينغ”، ولا بارك الله في هذه المعاهد والجامعات التي خرجت لنا جحافل من النخبة لا يحسنون التعبير حتى عن عواطفهم لأقرب مقربيهم..وبلهجتهم حتى.

 

ــ قالوا عن الأمير، معارضين ونقادا، إنه شاب نزق اندفاعي يقول في الإعلام ما يلقن له وكفى. ولكن بعد اطلاعي على اللقاء بالعين الفاحصة والنظرة المتأنية أجزم أن الرجل يتحدث من طاقته الداخلية وبقدراته العقلية الشخصية ووفق رؤية يصدر عنها ويستحيل أن تكون تلقينا. وقد استوقفني أنه لا يفكر كثير في الجواب ــ إلا ثواني أحيانا ــ دليلا على امتلائه بالمعطيات وتسارعها إلى اللسان بعد كل سؤال. كما لا يبدو أن الأسئلة مرتبة، ونظرة دقيقة لسلوك صحافي فوكس نيوز تبين أن الأمر طبيعي: الصحافي يقوم بعمله الأصيل والضيف يجيب بكل تلقائية.

 

ــ صوروا الأمير خطرا على الأسرة الحاكمة في السعودية وعلى المملكة وعلى العالم كله وقاموا بالمستحيلات لتخويف الكرة الأرضية منه، لكنه أثبت أنه من طينة مقاومة نادرة إذ ليس سهلا أبدا أن تكون عرضة للنيران الكثيفة من الشرق والغرب ثم لا تفقد تركيزك بل أكثر من ذلك تسطر رؤية خاصة بك وتهندس للانسحاب بكرامة من حرب/ورطة طاحنة في اليمن ثم ترتب الأوراق مع إيران، وتفرض شروطك بذكاء على الأمريكان. هذا ما فعله ابن سلمان ونجح فيه..وحق علي أن أكون منصفا.

 

 عندما أصبح ابن سلمان وليا للعهد كنت متابعا للأمر وقلت مع القائلين: هذا شاب عديم التجربة وطموحه أكبر منه ولن يصمد مع تشعبات الأسرة الحاكمة وتركيبتها خاصة مع الأعمام من ذوي الخبرة وأبناء العمومة الطامحين الدارسين بالخارج.

 

مع توالي السنين كذب الأمير الثلاثيني كل هذا وأثبت أنه ليس مجرد مغامر صغير يسير نحو الانتحار السياسي. وفي كل مرة كان يقدم على قرارات جريئة تبدو وكأنها تسير ضد كل التيارات التراثية المتوارثة ضمن مجتمع سعودي محافظ وشبه مغلق.

 

لست هنا في وارد التصفيق لقرارات أي زعيم عربي أو تزكيتها، أنا أصف ما حصل بمنطق النتائج على الأرض متوخيا الموضوعية..فقط لا غير.

 

كشاب ابن السعودية ومنتوج لترابها وبيئتها كان يعرف ابن سلمان قبل أن يصل إلى السلطة مقدار الكبت الذي يعانيه شباب بلاده ففتح كوة للهواء قبل أن تختنق الصدور ثم تنفجر. لقد نفس عن المجتمع بما استطاع ووفقا لاجتهاداته. فصارت السعودية” الإبن سلمانية” شيئا مختلفا عن الصورة النمطية التي يعرفها بها العالم. أقصد هنا هيأة الترفيه..وإنعاش السياحة كمثالين فحسب.

 

وعلى ذكر “الهيئات” جاء أجل الهيأة الدينية الأشهر في بلاد الحرمين، والتي جثمت بفكرها التقليداني عقودا على أنفاس أهل السعودية، حيث ألزمها الأمير الصمت فلم نعد نسمع لها صوتا. ثم شرع في ما يمكن أن نسميه الإصلاح الديني أو إعادة بناء المنظومة الدينية بما يساير تطور العصر، وتلك حكاية تحتاج مقالة خاصة.

 

ومع السرعة التي يسير بها وليعهد السعودية في الإصلاح، فلن استغرب غدا إن استفقت على خبر غير متوقع: العفو عن معارضي الخارج وطلب عودتهم للمملكة سالمين غانمين وإطلاق سراح معتقلي الداخل من كبار الشخصيات والنشطاء وتوجيه كل هذه الطاقات نحو نهضة ثورية لجزيرة العرب. مع ” إم بي إس” كل شيء ممكن.لعلها روح الشباب الوثابة نحو المستحيلات الممكنات، إذ كل صعب على الشباب يهون.

 

 مالي وما للسعودية؟

تحدث ابن سلمان عن السعودية الاقتصادية والعالم فقال ما معناه أن أي جهة في العالم إلا ولها مصالح مع السعودية. كذلك أنا…ولست مؤسسة اقتصادية و لا بنكا ولا حتى مستثمرا؟ فما القصة مع السعودية؟

 

قبل أربعين سنة وأنا في طريقي للمدرسة الابتدائية صادفت “شيئا” رأيته لأول مرة فقصصته وأخفيته بين كتبي. كان ذلك الشيء الأخضر نصف صفحة من جريدة “الشرق الأوسط” احتفظت بها ولم أكن أدري أني سأصبح بعد خمس وثلاثين سنة من ذلك التاريخ، صحافيا في أهم صحفها وأقدمهم. إذا، أول لقاء لي بالصحافة..كان سعوديا.

 

في مساري الأكاديمي، قادتني الصدف إلى معهد كبير للترجمة…وكان أيضا..سعوديا.

ولهذه الأسباب وغيرها صارت السعودية جزءا من “قصتي” ولم يعد غريبا أن اهتم بما يحصل فيها سيما وأن علاقتها ببلادي المغرب تبين لي بعد النضج أنها ليست كباقي العلاقات الاستراتيجية الأخرى، وأن صيانتها واجب قومي وطني. هذه قناعة مغربي لم يصب بالخرس حين نال شرف بنات وطنه أذى من بعض “السعوديين”، وقناعة كاتب مغربي يعتبر النقد الصادق واجبا وصدقة يهديها للمسؤولين كبر شأنهم أم صغر.

 

وبناء عليه، فلي حقي كمسلم في “بلاد الحرمين” ومن واجبها علي النصرة إن حمل عليها الأعداء، ومن حقها علي الاعتراض الصريح إن بدا لي انحراف. وقد فعلت مع ابن سلمان ومع من سبقوه بقدر المستطاع والهامش المتاح من المعطيات وحرية التعبير محليا.

نعم كتبت وقلت..ولكن هناك شيئا واحدا احتفظت به لنفسي ولن أكتبه ولن أنشره..وقد تأتي فرصة يوما لأخبر به الأمير محمد بن سلمان شخصيا…ولا أريد لقاء ذلك جزاء ولا شكورا.

لست منجما ولا قارئا في المندل ولكني أرى في هذا الشاب القوي الطموح مشروع قيادة كبيرة للمنطقة في مستقبل تتهيأ السعودية لتكون فيه لاعبا أساسيا يقرر وفق مصالحه ومصالح أمته لا ذيلا تابعا. إنها سعودية أخرى أراها تولد في هدوء كشف لي لقاء فوكس نيوز أن ولي عهد السعودية قد وضع مداميكها بعناية وثقة.

 

WISH YOU THE BEST OF LUCK ,PRINCE

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد