أحمد الجَــلالي
قلما وجدت نفسي متفقا مع خرجات الرئيس التركي أردوغان أو مصفقا لقراراته، وهذا ليس على خلفية نفسية ولا مذهبية ولا حتى سياسية.
لدي مبررات بلا شك، وهذا حقي ولكن ليس من واجبي عرضها لأسباب منها أنها ليست مهمة لقرائي.
ولكن، و “ولكن” هذه سواء في التعبير أو الترجمات تعتبر لفظا “مجرما”..ولكني من باب الموضوعية يسعدني أن أعلن اتفاقي هذه المرة مع ما أقدم عليه أردوغان جملة وتفصيلا ولو كنت مواطنا تركيا لبصمت للرئيس على هذا القرار تأييدا ودعما وتصفيقا.
القرار ليس سياسيا ولا قوميا ولا إسلاميا يتعلق باتخاذ قرارات لصالح لجم الاحتلال عن اقتراف مزيد من الإبادة في حق الأشقاء بغزة.
والقرار ليس إعلان اتحاد استراتيجي مع إيران مثلا أو السعودية أو مصر يكون من شأنه قلب المعادلات الإقليمية والعالمية.
كما أن القرار الذي أخذ بتلابيب قلبي ليس إعلانا عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع أكراد تركيا يجعل من مآسي الجرائم بين مكونات الشعب التركي من الماضي.
فما هو هذا القرار يا ناس؟
قرر الرئيس التصدي لمجرمين خطرين يقتلون سنويا عشرات الأتراك، خصوصا منهم الأطفال، بلا شفقة. وهؤلاء المجرمون يتمتعون بسلطة رهيبة على الناس ولا أحد واجههم أو فكر في إيقافهم من قبل.
حزم أردوغان أمره بكل المهابة العثمانية واستل في وجوه سدنة الإجرام سيوف القانون والمؤسسات وأعلنها جهادا حتى القضاء عليهم وتجفيف نسلهم.
قبل كشف من يكون هؤلاء الأشرار وجبت الإشارة إلى أننا في المغرب أيضا نعاني من هؤلاء الأوغاد في صمت، وفي سجلاتنا الأمنية والاجتماعية قصص مصائب ارتكبوها تشيب لها الخيول البيض.
أردوغان الذي ضمن لنفسه سنوات على كرسي الرئاسة فكر ودبر ثم قرر القضاء على الكلاب الضالة.
مهلا، فالأمر ليس مزحة ولا سخرية بل في غاية الخطورة والجدية.
ومن لم يزر تركيا قد لا يكون بوسعه تصور حجم كارثة الكلاب الضالة التي تجوب الأحياء والأزقة بكل أريحية تأكل من كل مكان وتتجول وتتبول وتتغوط..والأدهى أنها تنهش المواطنين وتقتلهم بالعشرات كل عام.
السؤال الضروري هنا: لماذا تتمتع الكلاب الضالة في تركيا بكل هذا الجبروت؟
جواب: لأن جمعيات الرفق بالحيوان المتياسرة وليست اليسارية حرمت قتلهم، وبالتالي تكاثروا أكثر مما يلزم وتناسلوا فاصبح تعدادهم بالملايين.
وعموما، تم إحصاء كلاب تركيا فحصر عددهم حاليا في عشرة ملايين “مجحوم ومجحومة”. وفي توقعات كلباوية علمية سيقفز عدد المجاحيم في تركيا إلى 50 مليون قانع في ظرف عشر سنوات من الآن.
والمعركة الأردوغانية مع بني كلبون البشري لن تكون نزهة إعلامية أو استعراضا ترويجيا بل حرب كسر عظام مع “نسل معين” من الأتراك ممن يكادون تقديس الكلب..فقط لأنه كلب وليس لأنه حيوان ذو منافع لا توجد في غيره.
ويتمتع أصحاب العشق الكلبي غير الممنوع بنفوذ داخلي تاريخي وامتدادات علائقية في الخارج، وهم باحتصار لا يقلون خطرا ولا امتدادا من شبكة المدعو عبد الله غولن.
وبما أنني من قاع المغرب أجد نفسي “مؤهلا” أكثر من أبناء الذوات ونسل الأغنياء وسليلي الطبقة المتوسطة في المدن، للحديث والتنظير للأسلوب الوطني “الخلاق” في التعاطي مع الظاهرة الكلباوية.
ولكن لنؤجل هذا المشروع إلى حين اقتراب موعد النزال الانتخابي الذي أدعو مسبقا إلى اغتنامه في حينه للتصدي الواعي والمخطط له سواء للكلاب أو لأبنائهم.
وكلما أثير موضوع الإجرام الكلبي في العالم قدحت في مخيلتي صورة من مأساة سيدة كانت تشتغل مدرسة في منطقة جبلية وعرة، ولأنها كانت مضطرة للتنقل بين الجبال فقد اعترضتها كلاب ضالة وافترستها عن آخرها.
يحزنني أن تلك الأخت كان قدرها أن تكون بطون الكلاب قبرا لها. ولم يتعرفوا على هويتها سوى لأن القتلة تركوا بطاقتها الوطنية قرب ما تبقى من الهيكل العظمي البشري.
تركيا مهما كان الرأي في ساستها تبقى قوة كبيرة ومتصاعدة وآخذة في التحولات الاستراتيجية، والأمة التي تصدرت صناعة الدرونات في العالم لها بلا شك من الآليات المؤسساتية لحسم هذا الملف الشائك.
يهمنا في وطننا المغرب استلهام العبر وعدم الاستخفاف بظواهر بعينها نعزي النفس خطأ بأنها تحصل هناك وتبقى بعيدة عنا.
للأسف، لا شيء اليوم يبعد عن شيء: من شرور ومحاسن العولمة أنها ربطت البشر بالبشر، وتاليا الحجر بالحجر.
مدننا وبوادينا وقرانا تعاني تفشيا مرضيا لتكاثر الكلاب الضالة بأمراضها وعفوتنها وإزعاجها وخطرها الصحي والبيئي. هذه حقيقة لا ندري لصالح من يتم غض الطرف عنها منذ سنوات.
كما نجهل تماما لماذا اختفت من ساحاتنا ومن وعينا أيضا تلك الشخصية الأسطورية التي تسربت حتى لأدعيتنا ضد من عادانا: أقصد “قتال لكلاب”.
التسمية لا لبس فيها ولا تأويل، إذ الجنس ذكر والوظيفة هي التخلص المادي من الكلاب الضالة.
نعم، كان التخلص من الكلاب الضالة من وظائف وواجبات الدولة والإدارة في وقت بلا شك لم يكن عدد تلك الحيوانات بهذا العدد الذي لا تخطئه العين اليوم.
وحينما ندعو لمحاربة الظاهرة هذه فليس لأننا أعداء هذه الحيوانات التي لي معها شخصيا قصص وحكايات جعلتني أكتب عنها باسمي وأذكرها بأسمائها والثناء على أحدها بأن وضعته في مصاف “سيد كلاب العالم”.
أبدا، ولكن التطبيع مع أي ظاهرة سلبية يكون تمرينا على التطبيع بعدها مع ما هو أفدح منها وأخطر عواقب.
ويعد العلاج العام لبعض تشوهات الحياة والمجتمع نوعا من التمرين والتطبيب والتعلم الجماعي حتى ولو بدت مواضيعه بسيطة فالغاية منه تتخطى إصلاح العيب بالتعويد على العمل الجماهيري الذي قد نفتقده في حال مواجهة الأخطار الوجودية الماحقة.
وليست الكلاب الضالة وحدها من ندعو للإسراع في التعامل معها بل هناك فصيلة أخرى تجدها في كل زقاق وحي وأيدي المراهقين تمسك أو قد لا تمسح بطوقها وهي تجوب الطرقات بين الناس بأشكالها المفترسة المخيفة.
بأية تراخيص ووفق أية قوانين يمتلك هؤلاء المراهقون والشباب ومنهم المنحرفون والجانحون وتجار المخدرات..هذه الحيوانات/آلات القتل في أية لحظة؟
وفق اية قوائم وقوانين يتم إدخال هذه السلالات إلى بلادنا وما الغاية من ذلك: هل هي أبقار نحتاج حليبها أم ماعز نتغذى على لحمه مثلا؟
فإن كان ولا بد من امتلاك حيوان في البيت فليكن قطا أو أرنبا أو سلحفاة أو طائرا..مثلا وإذا اقتضت الضرورة النفسية المتكلبنة فليكن الكلب المغربي “لحمر” ذا الزغب ذاك الذي يشبه نوعا سابقا من ابقارنا لم يعد لها أثر كانت لذيذة اللحم والحليب.
المغاربة يحبون الكلاب وحين يستعملون أسماءها للشتيمة فيعيرون قليل الأصل والخائن والمرتشي والخسيس والفاسد وعديم الأخلاق و”الشماتة”..فهم إنما يقصدون تشبيه هذه الفصيلة من بني كلبون البشري بأحط ما في شخصية الكلب وتكوينه وهي نجاسته.
وبناء على هذه الفلسفة المغربية الأصيلة فكل خائن للوطن كلب، وكل فاسد في موقعه كلب ابن كلب، وكل فاسدة مفسدة فهي كلبة بنت كلبة، وكل مرتش بلا ضمير مجحوم بن مجحوم، وكل مصاص لدم الناس بطرق ملتوية فهو مهما تلقى من نفاق اجتماعي إرضاء لكلباويته لا يصل عندهم في أعماق الأعماق مستوى “سلوقي”..كلب الصيد النبيل ذاك.
أجدد لأردوغان خالص تمنياتي له بالنصر والسداد في حربه تلك لفرض قانون القتل الرحيم للكلاب الضالة معبرا عن عظيم تقديري لكل مغربي نزيه مخلص يقاتل بذكاء وصمت وتواضع ضد كل “أولاد الكلب” المتربصين بالتراب والإنسان سواء خارج الوطن أوبين ظهرانينا في ربوع هذا الوطن الذي ليس لنا بيت غيره.
أفيدوني: متى كان عيبا الدعوة لتطهير البيوت من النجاسات…كل النجاسات؟