يعرف عن الفقيه المقاصدي المغربي، أحمد الريسـوني ، أنه سني قح، وأنه يغيب طويلا ثم يفتي بأمر أو يصدر موقفا يثير الزوابع، ويبقى صامدا في مواجهة ردات فعل خصومه ولا يتزحزح عن موقفه قيد أنملة.
ولكن كل المواقف الفقهية والسياسية للريسوني دأبت على أن تبقى في إطار “أهل السنة والجماعة” في الخطوط العامة بالحد الأدنى، غير أنه هذه المرة فكر ثم عبر خارج صندوق الطائفة السنية فبعثر أوراقا مذهبية، بعد إعلان موقفه الصريح من الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية.
وقال الريسـوني، في هذا السياق، إن الشيعة أيدوا ونصروا المقاومين الفلسطينيين وقدموا تضحيات جسام ولم يقدم أهل السنة شيئا منها، مشيرا إلى أن كلامه يُعد شهادة حق لابد من الإدلاء بها.
ويرى الريسوني في مقال له بعنوان “وأقيموا الشهادة لله”، أن “المسلمين الشيعة قد أيدوا ونصروا إخوانهم المجاهدين في أرض فلسطين، وأبلَوْا في نصرتهم بلاء حسنا، وبذلوا في ذلك أرواحا وأموالا وأسلحة، وتضحياتٍ جساما، لم يقدم أهل السنة شيئا منها”.
وأوضح الريسـوني أن هذه الشهادة التي أدلى بها، ودعا الجميع إلى أدائها، تمثل “إثباتا للحق وإقامة للقسط، وإزهاقا للباطل والجحود”، موضحا أن “هذه الشهادة إنما وجب أداؤها وإعلانها، لمواجهة الحملات الجاحدة والمشككة الظالمة، في شأن نصرة الشيعة للقضية الفلسطينية ولجهاد الشعب الفلسطيني”.
وبري الريسـوني فشهادته هذه “ستُغضب هؤلاء المشككين الجاحدين، وسيكررون علينا أساطيرهم المعلومة”، مردفا: “لكني أقول لهم: أنا أُعول على الوقائع والأخبار المستفيضة المتواترة، ولا أبالي بالأقوال والظنون الخيالية المتهاترة. وأقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي”.
وشدد الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن “من الواجبات الشرعية، التي قد تكون عينية، وقد تكون كفائية: واجب أداء الشهادة”، مستشهدا بقول قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}”.
وتابع الفقيه: ”ومن المحرمات الشرعية: كتمان الشهادة، مع قيام الحاجة إليها. قال الله عز وجل: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 283]، وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 140]”.
واعتبرالريسـوني أن “الشهادة متى تعينت على من له علم بها، وجب عليه أداؤها بتمام الصدق والحق، حتى ولو كانت شهادته ضد نفسه أو قريبه، أو صديقه أو محبوبه، أو كانت لصالح خصمه أو عدوه. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}”.
وأشار الريسوني إلى أن “الشهادة كما تُطلب وتجب في الأمور والحقوق الخاصة والدنيوية، تجب كذلك – وبدرجة أشد – في الأمور العامة والقضايا العلمية. وكذلك كتمان الشهادة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}” وفق تعبيره.
تعليق:
وبالفعل، انطلق الهجوم على موقف الريسـوني من كل حدب وصوب من داخل المغرب وخارجه، وقبله تعرض المقريء الادريسي أبو زيد لهجوم كاسح لأنه أبدى رأيا في أيران من خارج الصندوق.
وفي المغرب كما في المشرق ينتشر مفهوم أو شعار “أهل السنة والجماعة”، وهو يافطة ترفع في وجه كل من خالف المذهب حتى لو صام وصلى وحج ووحد الواحد المعبود.
غير أن “السنة والجماعة” تختفي ساعة الشدة والحرب: وهنا لا أحد سيجيبك على الأسئلة التالية ذات الصلة بالحرب الصهيونية على فلسطين:
ــ أين يوجد المقر الرئيس للسنة والجماعة لمن أراد أن يخبرهم بأن فلسطين وفي القلب منها “حماس” هم أيضا “سنة وجماعة”، وأنها تباد من حوالي سنة فأين أنتم؟
ـــ وإذا كان لكل مذهب مركز فمركز “السنة والجماعة” يجب أن يكون هو بلاد الحرمين، أي السعودية، فماذا قدمت الرياض لفلسطين ومقاومتها كي لا تتجه صوب إيران؟
ــ إذا كان أهل القضية، وفي مقدمتهم حركة التحرير الفلسطينية حماس قد شكروا إيران علنا على دعمها، فما بال “السنة والجماعة” لا تدع الأمر لمن أياديهم في النار وتلتزم صمت العاجزين؟
ــ أخيرا، قبحا للطائفية بكل أشكالها وألوانها فما جلبت على المشرق العربي سوى الحرائق والهم والغم منذ قرون.