“يوميات كورونا”..الحلقة 3..السيف والهيف و “الثلث الناجي”

أحمد الجــلالي

ونحن في الأيام الأولى للحجر الصحي الذي نتمنى ألا يطول لم أندهش من قدرتي على التكيف السريع. لطالما فرضت على نفسي سابقا أن أصبح بيتوتيا لفترات.

سموها خلوة أو عزلة اختيارية، لكني كنت أمارسها كلما شعرت بالقرف مما حولي بشرا وأمكنة. وبما أني أدخل عامي الرابع بلا تدخين فإن دواعي الخروج ليست قوية، فضلا عن انخراطي من سنوات في الصحافة الرقمية، وتاليا استفيد من تكنولوجيا الأنترنت نشرا وتوزيعا، وهو ما يصادف توقيع كورونا على نهاية عصر “الكاغيط” هذه الأيام.

أعترف أني غاوي قهوة مرة واحدة في اليوم، لكن يبدو لي أنها فرصة للتخلص منها أيضا مثلما تخلصت من “صحبة الكلب مع الطراف” مع كثير من الخلق.

هذه الأيام عندي رغم أن شبح الموت يخيم في كل مكان، بل في كل ميليمتر من مساحة تحركاتنا، فهي أيضا أيام لا تخلو من متعة الهدوء في الحي وما حول الحي.

اختفت كائنات لا يطيب لي رؤيتها وانكتمت أصوات ملؤها التخلف والبذاءة والجهالة وكل ملامح المغرب الآخر القبيح الذي أمقته: مغرب بوهرو و اشعيبة بكل حقاراته في السلوك و”تحيوانيت”..المغرب السفلاني.

فرصة هي للقراءة والكتابة ونفض الغبار عن تفاصيل صغيرة وجميلة بالبيت من أرشيف وتذكارات من هنا وهناك وملفات في المكان والعقل تنتظر إعادة ترتيب.

فرصة هي أيضا للتذكر، وأجدني في هذه الفترة الوبائية أحاول استرجاع كل جميل عبر شريط الذكريات، ولا أدري لم تتوقف سفينة ذهني عند أصدقاء ذلك الماضي البعيد ممن  رحلوا إلى أروبا وأمريكا وباقي القارات.

أدعو لهم بالسلامة والنجاة من هذه الجائحة وأتأمل مجددا سبب هجرتهم وطريقة مغادرتهم تراب الوطن، مثلما فعلت أنا ايضا ثم عدت وفي يدي فيزا صالحة سنوات لما بعد عودتي..بقيت بالمغرب مصرا عليه برغم إمكانية الرجوع إلى أروبا وفرص اخرى إلى أمريكا وغيرها.

شعرت بغياب الرغبة بالعيش مجددا عند الآخر رغم المغريات التي فقدت مفعولها في لأني ذهبت إلى هناك خاليا تماما من مخدر “جنة” الغرب، أي ملقحا بتمغرابيت غير منبهر إلا بجوانب قليلة بما وراء البحار، نظرت إليها بعين ناقدة أكثر من أي إعجاب.

إن أتيح لي إتمام مذكراتي ببريطانيا والتي اخترت لها عنوانا لن أكشف عنه الآن سأطلعكم على تفاصيل لأمور كثيرة عن ذلك العالم بليله ونهاره أبيضه وأسوده.

أعود إلى الوراء أربعين سنة وأتذكر جدي رحمه الله في تلك السبعينيات الرومانسية الجميلة وهو يجلس أرضا ويرشف بتلذذ كؤوس الشاي ويروي لنا عن عالم “بكري” ثم يختمها بتلك اللازمة التي أدرك الآن قوتها: “أودي ما بقات ثمارا في لوقت”، ثم يأتي التنبؤ المخيف:” الثلث يموت بالسيف والثلث يموت بالهيف عاد الثلث الناجي”، ويعني به أحداثا للمستقبل كان يستشرفها.

ــ الثلث يموت بالسيف: أي ثلث العالم تهلكه الحروب

ــ الثلث يموت بالهيف: أي الثلث الثاني من البشرية تسحقه المجاعات

ــ الثلث الناجي: أي من سينجو من بني البشر ويستمر على الأرض.

وبرغم رجائي وتمنياتي ألا يصدق هذا التنبؤ بالمطلق لا علينا ولا على من بعدنا فإن المؤشرات هذه الأيام تتحدث بلسان جدي أو تترجم كلامه على الميدان.

إننا كجنس بشري نوجد وفي الآن نفسه تحت حرب صامتة وقصف من عدو غير مرئي وبوادر كساد اقتصادي ينذر بـ”الهيف”.

اللهم سلم.

www.achawari.com


 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد