“يوميات كورونا”/ 13 :عشرون عاما صحافة…المهنة بمفترق الوباء: نهاية السير

أحمد الجلالي

 لم أنتبه ونحن نقطع فيافي هذا الحجر الصحي ومعه مشاعر متداخلة، لكون الذكرى العشرين لميلاد يومية الصباح المغربية قد تسللت ــ ومعها عقدان من العمر ــ في غفلة منا.

ففي العاشر من أبريل الماضي كانت الصباح قد طوت عشرين عاما من الصدور، قبل أن تتحول هي وباقي صحافة الورق إلى مجرد نسخ “بي دي إف” تصرف مضامينها عبر الإنترنت..بحثا عن قارئ تغير كثيرا وفقد ملامح تقليدية كانت ممكنة التصور والتخمين،وتحول إلى هويات أخرى لا قبل لأرباب مقاولات الصحف ولا لصانعي المضمون بها.

قدر لي أن أولد مهنيا مع ميلاد هذه الجريدة قد قضيت بها قرابة السنتين، وهي المرحلة الذهبية من تاريخها، الذي لم يتكرر لاحقا، لسبب بسيط هو أن الروح المهنية التي أطلقت بها كأول يومية في العهد الجديد، فضلا عن فريقها المؤسس قد غابا ومعهما غاب إشعاع شمس “الصباح”.

قصة هذه اليومية، أو بالأحرى علاقتي بها كيوميات دونتها قبل سنوات واحتفظت بها محررة، لتنضاف إلى مذكرات مع صحف ومؤسسات أخرى شرقا وغربا. ولست مستعجلا ولم أعد متحمسا نسبيا حتى لنشرها.

لدي مبرراتي طبعا لهذا الفتور في الرغبة بالنشر، وهي كثيرة ومن ضمنها ذلك السؤال القاهر: لمن تكتب ولمن ستنشر؟

لقد غاب الكتاب المبدعون المهرة ولم ينقرضوا لكنهم حقيقة تواروا أو انزووا لأن الجمهور المخاطب وثقافة المغاربة تغيرت واتجهت نحو استهلاك الغث بدل السمين. إنها ثقافة أو صرعة “اللايت” في كل شيء.

الرصين من المنتوج المكتوب أو المسموع أو المرئي صار ثقيلا على قلوب هواها مختلف و عقول “فيري لايت” إلى حد لا تطيق معه أي أمر جدي متعوب عليه مفكر فيه برزانة وشغف.

تلك هي المأساة،وها نحن نجني الثمار المرة للتفاهة والعبث والسفالة وخواء العقول التي حشيت في الأقسام وعبر المقررات بأي شيء، وبواسطة التلفزيون تحديدا بسقط المتاع الفني والثقافي فتردى الذوق ومعه انحرف السلوك.

 اطلعت على تجارب ثقافية وإعلامية خارج المغرب ووقفت من داخل مؤسساتها على أسرار الوصفات الناجحة وهامش الحرية الواسع فيها وبسببه اتسعت الرؤى وصعد منسوب الجودة.

 ولعل أهم عنصر ركزت عليه تلك التجارب واحتفت به هو الإنسان كعامل لا يعوض: فلا الأموال ولا المكاتب ولا ضخامة المقار ولا فخامة السيارات ولا دسامة الأجور ــ لوحدها ــ يمكن أن تنتج لوحدها بضاعة فكرية ذات قيمة.

 وعن “الصباح” مازلت أتذكر جيدا خط السير الذي رسم لها في البداية انطلاقا من “ستة مواكيط” إلى المضمون والانتشار لتكون الصحيفة رقم واحد بالمغرب ووجهه بالخارج.

 شكلا، توقفت في المربع الأول بعد أن غادرها مؤسسوها ومضمونا تغير كل شيء، بل تم التخلي عن الخيارات الأولى لفائدة خطوط تحرير لم يكن الفكر ولا الثقافة ولا رقي الذوق من أولوياتها.

أكتفي بهذا عن “هذا” ولا أضيف المزيد، لأن مكان “المزيد” سيأتي ضمن كتاب قد أجد الوقت والمزاج المواتي لنشره لاحقا.

 يؤسفني أن أكون شاهدا بعد عقدين من الممارسة على تردي حق الإعلام بمغربنا بحوامله الورقية والرقمية، فلا صوت يعلو على “نباح” البوز، ولا سطوة غير سطوة رأس المال ولا تحكم غير تحكم أصحاب الإشهار.

 يحزنني ألا يكون المهنيون هم الصناع الحقيقيون للمضمون، بل صاروا أدوات بئيسة كل همها ووظيفتها هي “تحريك” دواليب الماكينة والخنوع لضغط الخبز ومتطلبات الحياة.

 لم تعد اجتماعات التحرير مناظرات لمقارعة الفكرة بالفكرة والموقف بالموقف وإنما لحظة لتلاوة “الأمر اليومي” في قاعات تحرير هي أقرب للثكنات منها إلى فضاء للإبداع.

 يثير امتعاضي أن قطاع الصحافة والإعلام، وبدل أن يكون القاطرة التي تتقدم مسيرة الديمقراطية والتنمية، صار بؤرة من بؤر الأحقاد والحروب الصغيرة، او لنقل صار جسما عليلا برؤوس فاسدة.

ميداننا في المغرب جسم بلا قيادة مهنية أو نقابية. إننا في أفضل الأحوال سمكة سردين فسدت من رأسها فتطايرت روائح “لخنز” في البيت كله ووصلت إلى أنوف الجيران.

 عفوا، هو تداعي خواطر بسبب صورة المقالة التي عترت عليها صدفة بين حزم أرشيفي وعمرها عشرون عاما، ويبدو فيها من اليمين إلى اليسار: الزميل عبد الله الدامون و الزميل رشيد نيني وعبد ربه. والمناسبة كانت حفل زفاف زميل آخر من مؤسسي الصباح، عمر جاري.

دامت لكم الأفراح والمسرات ورفع الله عن البشرية كلها هم الوباء و رفع البلاء. آمين.

 www.achawari.com


 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد