الشوارع
تصر حليمة المغرب الرسمي وشبه الرسمي على الحفاظ بإصرار على كل العادات القديمة. ولب العادة السرية/العلنية في كل المؤسسات الكبيرة هو “اقطع هبرة تبرا” وقصقص أجنحة كل طائر مغرد خارج سرب الروتين البيروقراطي القاتل.
وبالتزامن مع الجايجة التي هددت بضرب “سحر” المتحكمين في دواليب المؤسسات الضامنين لاستمرار”الهموز” بين أيديهم من صفقات ومناصب تمرر لحبايب وأقارب الحبايب، انتفض لوبي التخلف في وزارة الصحة ليحجب أشعة الشمس التي بدأت تدخل سراديب الإدارة وتفرز الغث من السمين.
ولأن زمن كورونا أعلن حلول مرحلة المعقول و”لي عند وشي يبينو لينا” فقد طفت إلى سطح واجهتي الإعلام والواجهة الشعبية وجوه خيرة بأفعالها وتألق من تألق من أطر طبية وإدارية وتابع الإعلام الرقمي تحركاتهم على الأرض، وأشاد الصحافيون بمن أحسن صنيعا.
غير أن هذه الإشراقة كانت بمثابة وجع وفاجعه حلت بقلوب وعقول من يحزنهم ويخيفهم أن يبرز من يستحقون، كما يقتلهم هلعا أن تصل عينة الأكفاء إلى مراكز القرار لأنها فضلا عن فضحهم وربما متابعتهم سوف توجه ماء الصنابير إلى حيث يجب أن يذهب فيصابون بفطام هو أشد ما يكرهون.
وقد تمخضت الثورة المضادة على تيار الكد والمعقول داخل وزارة الصحة عن حرب مفتوحة يقودها البطل المغوار بالوزارة “الكاتب العام بالنيابة” الذي أصبحت هوايته وقضيته المصيرية تنحصر في إعفاء الأطر اللامعة مثل مندوب الصحة بإقليم قلعة السراغنة، الدكتور المنصوري، وغيره من المناديب والأطر الكفؤة.
غير أن “جهاد” الكاتب العام “بالنيابة”، حبيب قلب الوزير آيت الطالب، سيفتح ثغرا آخر من الثغور “المحتلة” ومحاولة الإطاحة بإطار آخر محمد اليوبي، مدير مديرية الأوبئة، بالوزارة نفسها، والذي تألق نجمه منذ بداية الوباء، عبر تدخلاته الموفقة والمطلوبة إعلاميا وشعبيا.
الحرب الطاحنة على اليوبي منذ بداية الكورونا، نتيجة آرائه المهنية ومواقفه الداعية للترشيد والعقلنة، والحديث عن صفقة الأربعين مليارا لذلك المحظوظ بلا مزايدات ولا مناقصات، ترمي إلى شيء واحد: دفع اليوبي إلى خارج مركز القرار. وما الحديث عن استقالته إلا دخان كثيف لنار حارقة.
لو كان في هذه البلاد من يريدون أن يقطعوا حقيقة مع مغرب ما قبل كورونا ليكون إشارة إلى انطلاقنا نحو المستقبل بوسائل ورجال لا صلة لهم بماض صار مرفوضا بعاداته وعاهاته، إذا لاقترحوا اليوبي وزيرا للصحة والمنصوري كاتبا عاما لها أو مديرا لإحدى مديرياتها، ليس مجاملة لهما بل تقديرا لكفاءتهما.
لو حصل هذا ــ ومثله في قطاعات أخرى ــ سيكون من واجبنا أن نشيد باستثناء مغربي جميل وحقيقي. عدا ذلك، أنعم يا ريع بوقتك وأكرم.