أحمد الجلالي
إذا رغبت في معرفة مكان المسروق فادع ربك كي يتخاصم اللصوص، لكن إذا أردت فهم ما يدور في خاطر وعقل الخصم/العدو وما يعتمل في عقله الباطن فابتغ أبواقه الإعلامية فهي تقول كل شي.
ومن مازال بحسن نية يأمل شيئا من شعارات “خاوة خاوة” فما عليه سوى مطالعة ما أملاه إعلام عسكر الجزائر على بوقه المعروف “الشروق” التي نشرت أخيرا مقالا منعونا بـ”من يعتدي على الجزائر سيحترق”. والرسالة موجهة للمغرب بلا تشفير.
وقالت “الشروق” استنادا إلى مصادرها/آمريها إن “التطورات الأخيرة التي فرضها النظام المغربي بالتدخل العسكري في منطقة الكركرات، جعلت الجزائر تضبط مقاربتها الجديدة تجاه القضية الصحراوية، باعتبارها تمثل من الآن فصاعدا قضية سياديّة تتعلق أساسا بالعمق الأمني الاستراتيجي لإقليمها الوطني” .
الكلام واضح ولا تعليق. ولكن عبارة “من الآن فصاعدا” هي ما تتطلب التوقف: الأصل أنه ليس هناك من الآن فصاعدا، ولكن “منذ عقود مضت” وقصر المرادية استخدم يافطة “تقرير المصير” للنيل من المغرب وقضم ترابه.
وعلى ذكر “تقرير المصير” المزعوم، ما بال الطغمة العسكرية الجاثمة على صدور ملايين الجزائريين لا تساند إقليم “الباسك” الإسباني لتقرير مصيره؟ وما بالهم نسوا مساندة شعب الإيغور بالصين ليقرر مصيره؟ والأمثلة لا حصر لها في عالم لغته المصالح والنفاق.
ومن صبيانيات العسكر أنه صنع “جمهورية” على المقاس ب”قيادة” متحكم فيها وجعل منها قاعدة خلفية متحكما فيها للانطلاق نحو المرغب لضربه. الأمر يشبه أي صبي جانح في أي زقاق بحي شعبي يضربك ثم يفر ليخبئ في بيت كبير “الزعراف” بلهجة أهل الشام أو الشمكارا بالتعبير المغربي الصرف.
ما صنعته الجزائر ببساطة أنها تحمي عصابة من الإرهابيين وقطاع الطرق وتوفر لهم الحماية بعد عودتهم من أعمال القرصنة والسلب، وحين يشتكي منهم الجيران تقيم المناحات والعويل لأن الطرف المشتكي “حكر عليهم مساكن”.
هذا هو الوضع بالضبط. ولقد طال أمد هذا الوضع الشاذ المساعد للجزائر على عرقلة تنمية المغرب ولم شمله الترابي. وواهم من يظن أن الجزائر المحتلة من قبل أذناب الاستعمار المحكومة بالنار والحديد من قبل جيل شنقريحة ستغير نهجها. وحالم يا سادة من يرى بإمكانية أي انفراج يؤدي بالمغرب إلى التخلص نهائيا من هذا الحصى الذي استقر بين اصابعه في نعل ضيق.
لقد قال العسكر على لسان “الشروق” إن “الجزائر لن تتسامح أبدا مع الاقتراب المغربي، ولو بشبر واحد، من حدودها الغربية، وفي هذه الحالة ستكون كل الردود مشروعة بالنسبة لها، وعلى رأسها الردّ العسكري الكاسح، لردع كل من تسوّل له نفسه التعدّي على سيادتها بأي شكل”.
كل النفاق السابق والتلاعبات الماضية طلعت عليها شمس الحقيقة.نحن إزاء عدو حقيقي يتربص ويهدد بالحرب الشاملة، بل أفدح من ذلك تحدث المصدر العسكري للشروق
“بثقة كبيرة عن القوة العسكرية للجزائر إقليميا وقاريّا، مؤكدا أنها قوة غير قابلة للمنافسة في المنطقة بحكم الفارق الشاسع في موازين القوى”.
إن أحلام العسكريين محكومة بقوة السلاح فهم يرون العالم كله ملخصا في العتاد حتى لو كان خردة موروثة عن زمن الحرب الباردة.
الجزائر التي ظلت لعقود تردد أنها ليست طرفا في الصراع ولم يكل المغرب من نعتها بالطرق الحقيقي في الصراع لم تجد هذه المرة بوجهها قطرة حياء تمنعها من القول بوضوح إنه
“يستحيل الوصول إلى أي حل للنزاع، وتحت أي صورة، دون مشاركة مباشرة للجزائر كطرف رئيس معني في المنطقة بالصراع وآثاره”، ولمزيد توضيح قالت إنها لن تقبل “أي مبادرة مستقبلا تتعامل معها بصفة المراقب” وإنه “يستحيل فرض أي حلّ خارج الإرادة الجزائرية وتصوّرها وشروطها”.
هل رأيتم الآن مع من نحن؟ إننا وجها لوجه مع “طرف رئيسي” له تصورات وشروط. وبعبارة أخرى: له أطماع ويريد حصة من الكعكة ظنا منه أن الصحراء المغربية وزيعة في قرية جبلية بمناسبة اجتماعية يحق لكل بيت من الدوار نيل نصيبه منها.
كنت كغيري من المتابعين لملف الصحراء المغربية متيقنا من أن زمن النفاق الدبلوماسي إلى نهاية وكثيرا ما عبرت عن امتعاضي من الكلام الساكت لدبلوماسيينا الذين لا “يبردون جنون” المواطن المغربي كلما تحدثوا. كنت أتابع سباق التسلح بيننا وجارتنا الشرقية وأعرف جازما أن كل ما اشتري سيستخدم لاحقا وأن كل ما كنز سيستهلك.
وقد آن الأوان اليوم وجاءت لحظة الحقيقة وزمن الشد..فاشتدي.
هل أنا “أحمق” من دعاة الحرب والدمار؟ قبل أن أجيب أسأل “العقلاء” الذين طالما استغربوا “نزقي”، أسألهم: وهل الوضع منذ عقود تعتبرونه بربكم “سلاما”؟
نعم أنا من دعاة الحرب العادلة وإعداد العدة لاسترجاع الحق المسلوب ليس في الصحراء وحدها بل في سبتة ومليلية وكل الثغور السليبة التي تقع تحت نير المحتل…كل محتل.
إن الصحراء المغربية وباقي ترابنا المحتل ليست قضية نظام سياسي فقط ولا شأنا حكوميا فحسب..إنها قضية قومية، قضية شعب..ولا عاش هذا الشعب إن لم يهب بكل مقدراته لإنهاء هذا الذل الذي طال لا يليق بنا أبدا.
ولقد لاحظتم كيف أنه في ظرف أيام تخلخل الوضع الراكد وتطاير الغبار. هل تعرفون لماذا؟ لأن الدولة المغربية أخيرا فعلت ما ترددت في فعله منذ سنوات طويلة. تحرك الجيش وغيرت الدبلوماسية نبرتها وتقاطر الدعم الدولي شرقا وغربا.
والأهم من هذا أن الشعب المغربي كان في الموعد وتصدى على منصات التواصل لكل الأفاكين والمضللين وأنجز المهمة دونما حاجة لإعلام رسمي متكلس متجمد في دار لبريهي بالرباط.
هذا الشعب المغربي الذي يئن تحت ويلات نتائج سياسات اجتماعية واقتصادية إلى جانب ظروف الوباء، نسي ما هو فيه من تفاصيل معيشية ونهض إلى الأهم: الأرض والعرض.
دروس كثيرة يجب أن نستقيها جميعا من هذا المنعطف لعل أهمها هو التالي:
ـــــ القوة خيار لا يجب أن يغيب أو يترك في أسفل قائمة الحلول الممكنة
ــــــ الشعب المغربي أي الجبهة الداخلية هي صمام الأمان وعلى الدولة إعادة النظر في سياساتها الداخلية فليس لها غير هذا الشعب الكريم المعطاء الصبور الذي يستحق كل العناية والتكريم
ـــــ الفرصة سانحة اليوم لحسم الأمور وعدم الارتكان إلى الحلول “اللاحلول”
ــــــ العلاقات التاريخية للمغرب مع الخليج هذا أوان تمحيصها فلا مجال لمنزلة بين المنزلتين
ـــــ فرنسا الشريك الأول للمغرب والمستفيد الخارجي الأول من المغرب على الرباط أن تخيرها بين أمرين: اثبتي أنك معنا وبالفم المليان سياسيا وعسكريا أو إن أرض الله واسعة وما أكثر الشركاء الاستراتيجيين للمملكة شرقا وغربا.
ـــــ الفرصة أكثر من سانحة بالمغرب اليوم وليس غدا لفرز نخب سياسية وإعلامية للقيام بواجبها الوطني المقدس.
www.achawari.com