صبرا يا وطني..فالأولوية لـ”طوطو” وعصير البرقوق والزليج المسروق

أحمد الجَـــــلالي

يتحدثون عن أزمة “صامتة” بين المغرب وفرنسا ويطرحون “الأدلة” استنادا إلى رحيل سفيرة الإفرنج من الرباط دون تعويضها بغيرها. ويضيفون إلى الأدلة تهديد شركات فرنسية بالانسحاب من المملكة.

أقول: للأسف، لم يكرمني البارئ تعالى بمخ يستوعب وجوب أزمة بين بلدين حليفين حتى النخاع بينما ملك المغرب يوجد منذ مدة في فرنسا نفسها. سيظل مخي ينفي وجود أية أزمة اللهم إلا إذا عاد الملك وأعلن عن هذه الأزمة في خطاب رسمي.

يروجون لاستعادة علاقات “طيبة” مع إسبانيا وأنها ثابتة على موقف رئيس وزرائها الإيجابي من مقترح “الحكم الذاتي” في الصحراء، غير أن ما تنشره صحف إيبيرية واسعة التأثير والانتشار من “أخبار” سيئة بحق المغرب في الأسابيع الأخيرة يؤكد، أو على الأقل يؤشر ،إلى خلاف ما يروج له أصحاب التفكير الرغبوي.

يشجعون بوريطة على حمل المقص دون هوادة لاستئناف تدشين قنصليات بلدان من قبيل الصومال وجزر القمر وكأنهم يشجعون اللاعب “حمد الله” ضد كندا قبل انطلاق كأس العالم بقطر.

والحقيقة أن الاحتفاء بتعداد قنصليات بلدان صغيرة أو متوسطة غير مؤثرة في صناعة القرار الدولي لن ينسي أحدا أسئلة ملحة ذات صلة بمهنة المقص وقص الأشرطة: أين هي قنصلية ماريكان؟ أين هي قنصلية فرانصيص؟ أين هي قنصليات “الحلفاء الجدد”؟

ثم من فضلكم أنبئوني بأسماء الدول التي اعترفت لنا بلا تلعثم بأن الصحراء مغربية دون الاختفاء وراء التعابير العامة بشأن دعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية. نريد اعترافات تقول بلا تردد: “الصحراء مغربية.نقطة على السطر.”

وبعيدا عن حك الضبرة إياها، فإن هذا “لهبال الاستراتيجي” في مقاربة القضية الوطنية الأولى مستجد بكل مقاييس الاستغراب الممكن.

لماذا؟

ــ لأن زائد قنصلية ناقص سفارة ليس هو الحدث الذي سيغير المعادلات على الأرض. ولنفترض أن كل قنصليات العالم وضعت من بوجدور إلى العيون مرورا بالداخلة فإن هذا لن يضمن لنا أرضا ولا حقا إن ارتخت سواعدنا وتراخت قبضتنا حول أرضنا.

ــ ولأنه حتى لو أغلقت كل البلدان تمثيلياتها الدبلوماسية في بلادنا ورحلت عنا فهذا أيضا لن ينقص من بلادنا شبرا ولا خبة رملة مادامت أقدام جنودنا ثابتة على الحدود والأصابع على الزناد متأهبهة.

ــ وحتى وإن وقفت كل كلاب الأرض ضدنا فلن يأخذوا “ما ينقون به أسنانهم” من حقنا إن كانت جبهتنا الداخلية بخير وعافية. والخير هنا أعني به العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والمساواة والتضامن المؤدي للتخندق خلف المؤسسات الوطنية سياسية ومنتخبة وعسكرية وأمنية.

لنكن هكذا ولتذهب كل القوى المعادية إلى الجحيم. لنكن هكذا أقوياء بذاتنا وليس بالارتهان إلى الاعتماد أو التعويل على البراني ولسوف ترون كيف أن القوة تصنع الحق وتثبته. ولنا في فكر الغرب عبرة، هم القائلون: Might makes right

لقد ضاع من زمن المغرب الشيء الكثير. والزمن هو رأس المال الوحيد الذي يستحيل تعويضه. وهل بمكنة أحدنا تعويض حياته الضائعة هدرا؟

إن حالة التيه السياسي والتدبيري التي تمر بها المملكة المغربية غير مسبوقة وهي تجعل الصادقين الغيورين يضعون أياديهم على قلوبهم مخافة أن يصاب الوطن بسكتة قلبية أو جلطة دماغية، فاللهم  لطفا بالبلاد والعباد، واللهم غفرا للمسؤولين.

التخبط الحكومي في تدبير القطاعات الحيوية من صحة وتعليم وشغل وقضاء وإسكان وغلا فاحش، مقابل اغتناء حرام عند أقلية مجهرية، يعمق الإحساس بالغبن والظلم  لدى قطاعات واسعة  من المغاربة ويحدث ثقبا مظلما يهدد النسيج المجتمعي برمته.

غياب التناغم في تسيير الحكومة وما يقع تحت تصرفها من إدارات يفضح هشاشة التركيبة الحكومية وافتقادها لعرض سياسي حقيقي يغري الشعب بتصديقها والإبقاء على الأمل..مهما كان بسيطا.

الافتقار الحكومي لإجابات حقيقية عن القضايا الملحة الحارقة، يكشف فقط الموهبة الخارقة لدى فريق أخنوش لابتكار مبررات ذات صلة بالمريخ والزوهرة ولا علاقة لها بواقع المغاربة ومنطق الأشياء. الحكومة تحتاج إلى رؤية ثاقبة وخارطة طريق وإسمنت يرص صفوفها وصراحة مع الشعب وقدرة على التواصل الفاعل.

والحال أن مايسترو الأوركسترا مصاب برهاب مواجهة الناس والناطق باسمه مبتدئ يثير الشفقة ووزير التعليم العالي ممتعض من “لخماج” ووزيرة السياحة مفتونة بطنزانيا ووزير الثقافة يصرف من طاقته على الحشاش “طوطو” أكثر مما يجب أن يولي من الاهتمام للكتاب والمسرح والسينما والإعلام المهترئ..

هذا الوضع يقتضي سريعا لملمة المشهد وغربلته ثم فرز الكفاءات الحقيقية غير المحزبة وفق دفتر تحملات قاسي مشفوع بمراقبة موسمية صارمة..والفالطة بالكبوط..وحسن الأداء والمردودية بالجزاء الجميل.

إن المغرب كباقي كثير من بلدان العالم مقبل على أزمنة رديئة لم تكن تخطر لنا على بال. ولا يبدو أن الدولة تستعد للقادم بأي حال من الأحوال. التضخم المستورد لن تجدي معه خطة رفع الفائدة فلكل نفس انقطاع ولكل كم حدية وحائط تتوقع عنده.

وبدل البحث عن عقول جبارة لتشتغل ضمن خلية أزمة وطواريء ليل نهار لوضع سيناريوهات تخفف من وطأة المستقبل المخيف، لم يجد القوم غير الانشغال بملاحقة شكل الزليج المغربي المسروق من قبل قطاع طرق يوجدون شرق البلاد.

لسنا من دعاة التفريط في حقوقنا الوطنية المادي منها والرمزي. لا والله، لكن قضية الزليج ليست أولوية بل هي بالقياس للقضايا الراهنة الكبيرة ذات الأولوية تبدو لي أقل من مجرد ترف لا عيب في ممارسته وقت الرفاه والحبور.

يا ناس، أهم من المطالبة بالزليج فتح ملف الصحراء الشرقية. وأهم من الفسيفساء الاهتمام بفسيفساء الشعب المغربي من فقراء ومرضى وعاطلين ويائسين…ومظلومين، هذا الفسيفساء الآخذ في التفكك والتحلل على نحور مرعب لمن أصغى السمع وكان له قلب.

قالوا وغنوا قبل عقود: ماهموني غير الرجال يلا ضاعو/لحيوط يلا رابو كلها يبني دار.

وقلنا نحن في انتظار من يلحن ويغني… ولياخذ معه بالمرة حقوق هذه الكلمات:

قطوط تحوم       وسبوعا واقــفة

فواه مزمومة      وقلوب عارفــة

عيون مفتوحة     وعباد تالفــــــة

وجوه مسامحة     وخواطر حالفة

دخاخن طالعة     وجوع فلـــخالفة

www.achawari.com

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد