د.امحمد لقماني
هل من الصدفة أن يتواجد كل من الملك محمد السادس و الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أرض دولة الغابون الافريقية؟ و ما الذي جعل الرئيس الفرنسي يبدأ جولته الافريقية بالغابون تحديدا و هو يعلم بأن الشعب الغابوني ممتعض من هذه الزيارة و قرر الاحتجاج عبر القرع على الأواني؟ و كيف تصادف ذلك مع استباق ماكرون لهذه الجولة بتصريحات ودية اتجاه الملك محمد السادس ؟
تذهب بعض التخمينات إلى أن اعلان إصابة الملك بزكام حاد و نصيحة أطبائه بتجنب السفر لبعض الوقت مما دفعه لتأجيل زيارته التي كانت مبرمجة للسنغال، إنما تدخل في إطار إيجاد مبرر للبقاء في الغابون. فهل كان ذلك ضدا في ماكرون أم هو ترتيب لاتفاق مسبق لعقد لقاء ثنائي سري بهدف إجراء حوار صريح يهدف إلى خفض التوتر بين البلدين ؟
مبدئيا و سياسيا، لا مشكلة في ذلك طالما أن الدبلوماسية السرية اثبت جدواها في أكثر من ملف بعيدا عن ضغوطات الأضواء الكاشفة لوسائل الإعلام و دسائس لوبيات الدولة العميقة في فرنسا، بل و حتى أجهزة المخابرات لدول أخرى ؟ لكن بالنسبة للمغاربة ملكا و شعبا، الأمر بات محسوما و لا يمكن السماح لفرنسا بالتمادي في إهانة المغرب و ابتزازه بأوراق رخيصة و بطرق تحن للعهد الاستعماري البائد.
مشكلة فرنسا أن دبلوماسيتها عاجزة عن قراءة المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، فكانت صدمتها كبيرة و هي ترى المغرب يقفز في غفلة منها إلى واجهة الدول المؤثرة و النافذة في إفريقيا، حتى أضحى يهدد مصالحها في القارة السمراء، بل و تذهب التقارير الاعلامية و الاستخباراتية الفرنسية إلى ان المغرب له يد طولى في تحريض قادة بعض الدول الافريقية ضد وجودها في القارة، و ذلك من خلالها تحليلها للخطاب الجديد للمملكة الذي صاحب عودتها لشغل مقعدها داخل منظمة الاتحاد الإفريقي سنة 2017 بعد أن اعتبر جلالة الملك أن إفريقيا للافارقة و ليست حديقة خلفية لأحد.
لذلك سارعت مخابراتها الخارجية في تقاريرها المسربة إلى تحذير الرئيس ماكرون من امكانية ولادة تركيا جديدة في غرب المتوسط، و هي تعرف قدرة المغرب على التأثير، خاصة في المنطقة الافريقية الفرنكوفونية، و تحديدا غرب افريقيا، و بشكل أخص لدى الدول التي تدين، كليا أو جزئيا، بالإسلام السني.
في النهاية لن تصمد فرنسا أكثر مما صمدت ألمانيا و إسبانيا، فالدول الأوروبية كلها، هي في النهاية تدور في فلك الحلف الاطلسي، أي في حماية الامبراطورية الأمريكية، و المغرب حين ضاق درعا بألاعيب الصغار، قرر اللعب مع الكبار و إخراج الأوراق الاحتياطية الرابحة من داخل اروقة القرار الأمريكي النافذ و على رأسها منظمة الإيباك و ما ادراك ما الإيباك. لذلك، فرنسا لن تذهب بعيدا في سلوكاتها غير الودية في حق المغرب، و لن يشفع لها الاعتماد على اللوبي الفرنسي داخل البلاد أو حتى تهديداتها بالكشف عن ملفات لهذه الشخصية أو تلك، فالمغرب أيضا لديه ما يدلي به في هذا الموضوع.
www.achawari.com