ذ.يونس التايب
بكل صدق، أتساءل هل هنالك فعلا “نقاش عمومي” حقيقي في بلادنا ؟؟
ألسنا، فقط، أمام تعبيرات تفرزها ديناميكية مجتمعية متنوعة التجليات، تستثمر الثورة الرقمية و ما يتيحه الإعلام الجديد، ومنصات التواصل الاجتماعي…؟؟
ألسنا نخوض في نقاشات متعددة، متتالية أو متوازية، تتحرك ضمن مسارات مستقلة عن بعضها البعض، يكاد لا يحدث بينها تقاطع …؟؟
حتى حين يحدث ذلك التقاطع، أليست الحقيقة هي أنه لا يفرز التراكم المطلوب ليستفيد المجتمع و تتغير ديناميكيته في اتجاهات تعزز طموحاتنا بتطوير مجتمعنا وتجويد ممارسات تدبير الشأن العام و إحداث التغيير المأمول ؟؟
ما يبدو لي، حي أخلد للصمت و أتابع ما يجري و ما يكتب هنا و هناك، هو أن السجالات تتوالى حول مواضيع مختلفة، ليس بينها بالضرورة روابط، و كأننا صرنا غرقى في دوائر كلامية متوازية تتميز بما يلي:
– السجالات لا تحمل مواضيع متجانسة و لا تتأسس على مطلقات وأهداف واضحة، و لا تحترم قواعد حوار متفق بشأنها؛
– لا تلتزم بمنهجية تحليل نقدي أو تشخيص عقلاني، ولا بطريقة استنباط خلاصات منطقية؛
– الكل يريد أن يسمع الناس رأيه، لكن لا أحد يحرص فعليا على الإنصات لآراء الآخرين أو يساعد في خلق شروط ذلك الإنصات المتبادل ؛
– لا تتمخض عن ديناميكية الكلام مخرجات ملموسة واضحة؛
– عدد من النقاشات تندلع فجأة، ثم تخبو قبل أن تكتمل الصورة بشأن ما أتت به و ما أفرزته.
ألا تتفقون معي أن الضوضاء التي تحدثها “مساهماتنا” و “آراءنا”، تسير على إيقاعات فوضوية تتفاعل مع ما يتصادف من مواضيع و من أحداث ومستجدات؟؟
ألا تلاحظون أن كثيرا من الناس ينتقلون، في اليوم الواحد، من موضوع أول إلى آخر جديد برز و استجد، دون إتمام النقاش السابق، أو الخروج منه بخلاصات خاتمة ؟؟
ألسنا نعاني من شرخ قائم بين العالم الافتراضي و بين واقع يبدو مستقلا أحيانا عن هواجس التواصل الجارف عبر الأنترنت ودوائر الكلام التي تؤثثه ..؟؟
بالعودة إلى العناوين الكبرى لتدويناتنا وتعليقاتنا، يتأكد أن كثيرا من الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعكس انخراطا في أحاديث كثيرة ومتنوعة، حتى قد يخيل للقارئ أن هنالك تفاعل مع كل شيء و مع لا شيء بالتحديد.
سجالات تعلو حول عدد من المواضيع والقضايا دون رابط منطقي أو منطق تراتبي واضح. و في النهاية لا تتشكل ملامح رأي عام مؤثر، و لا تبرز مسارات وعي مجتمعي يمكن أن يسلكها المتواصلون بشكل متناغم و بزخم يؤثر على الواقع …
في هذا السياق، أتساءل :
– متى سنطرح سؤالا عريضا وكبيرا حول طبيعة الأفق الذي نصنعه لانفسنا و لديناميكية التعاطي مع قضايا وطننا، من خلال السيل الجارف من الأفكار غير المرتبة ضمن نسق تواصلي مضبوط و هادف …؟
– إلى أين يسير بنا واقعنا التواصلي الافتراضي بما يميزه و بما يعيبه؟؟
– ما مدى قدرة ذلك الزخم التواصلي على دعم مسار مجتمعنا نحو غد أفضل، أكثر عدلا و أكثر إدماجا للناس ضمن ديناميكية تنموية حقيقية؟
– ألم يحن الوقت لنعيد التفكير في الأدوار المنسية، أو المغيبة، للهياكل المؤسساتية التي كانت تلعب دور الوساطة السياسية والاجتماعية والثقافية …؟؟
– متى و كيف يمكن أن تعود هيئات الوساطة السياسية والاجتماعية إلى سابق ديناميتها لتتيح فضاءات للتواصل و الحوار “بين / ومع” المواطنين، بشكل مؤطر و مضبوط، يساعد في إحداث أثر ملموس و يساهم في إسماع أصوات الناس بنجاعة أكبر، و يفرز ديناميات سياسية تعزز الشعور بالانتماء الواحد و بالمصير المشترك أمام إكراهات اجتماعية واقتصادية وثقافية متنوعة وخطيرة ؟
#أنيروا_الطريق
#نديروا_النية_و_نخدموا_بلادنا
#سالات_الهضرة