أحمد الــــجَــلالي
أنهت قناة الجزيرة القطرية مهام الصحافي والمذيع المغربي بها عبد الصمد ناصر. وقد خلف هذا القرار ردود أفعال متباينة لكنها مالت من طرف المغاربة عموما إلى التعاطف الفطري مع “الضحية” واتهام القناة بالرضوخ إلى “لوبي” جزائري له مصلحة في تنحية وجه مغربي بارز في قناة تعد مدفعا إعلاميا عابرا للقارات.
هذا الزمن، كل ما يحدث فيه يجد من الأسباب المعقولة لتبني نظرية المؤامرة أكثر مما يصادف من الأسباب “العقلانية” لما حدث ويحدث.. وسوف يحدث دائما.
نقابة الصحافة بالمغرب سارعت لإصدار بلاغ أنهته باتهام “الجزيرة” ووصفت قرار التخلي عن ناصر قرار طرد تعسفي “يمس بمصداقية قناة “الجزيرة”، ويفرغ شعاراتها المتعلقة بحرية التعبير والنشر وباستقلالية الصحافي والدفاع عن كرامته من محتواها، وتحولها إلى مجرد شعارات جوفاء”.
كان بودنا أن نرد على النقابة ونقول لها: يا ناس “فكوا أولا معانا هاد لحريرة.. عاد ادويو على الجزيرة” لكن ليس هذا هو وقت هذا الرد، على كل حال.
ليس غريبا ولا عيبا أن تتصارع اللوبيات، بما فيها لوبينا المغربي إن وجد، على ترسيخ الأقدام في كل المواقع والمؤسسات الدولية الحساسة والمؤثرة كقناة الجزيرة.
وسيكون فخرا لناصر وأمثاله إن كانوا فعلا اشتغلوا ضمن أو لصالح لوبي مغربي يخدم مصالح الوطن، وعلى رأس هذه المصالح أرضنا صحراؤنا. لكننا لا نزعم ولا نملك أي دليل على أن عبد الصمد كان ضمن هذا اللوبي.
ومع هذا، وبعيدا عن العواطف، فإن الجزيرة كمؤسسة يحق لها فسخ العقود مع موظفيها متى ما شاءت ذلك، عليها فقط أن تمكن المفصولين من حقوقهم كاملة وتحفظ كرامتهم ، كما يقع على عاتقنا نحن المهنيين أن نناصر ناصرا وغيره في حال تعرضوا للظلم، سواء في مؤسسات أجنبية أو هنا بالمغرب.
أما وقد وقع ما وقع، والواقع لن يرتفع بتعاطف أو إدانة، فإن على من يعتقدون أن ناصر حاز من التجربة والخبرة ما يكفي ليكون قامة إعلامية وطنية ــ ونحن نعتقد جازمين أنه يملك ما يكفي من ذلك وزيادة ــ عليهم أن يدعوا الدولة المغربية للترحيب به في وطنه ليس بالقول البارد فقط وإنما بالفعل/الجواب.
لن يكون سهلا على ناصر أن ينزل من شاشة قناة عملاقة إلى “أيتها تلفزة” ويشتغل كأيها موظف. وهذه معضلة العمل الإعلامي خصوصا لمن تدرجوا في المهام صعودا إلى نهاية السقف.
وفي المغرب، لشديد الأسف، كلما طال باعك في مهنة الصحافة وعلت مهنيتك وسقف إبداعك صعب عليك إيجاد عمل: فالمؤسسات تخشاك وتتذرع بعدم القدرة على دفع راتب يليق ببروفايلك.
ومسامير الميدة في المؤسسات يعلنون الحرب الاستباقية كي لا تضع واحدة من قدميك في تلك المؤسسات، وإن ” زهقت لهم” ودخلتها فحي على الحروب الخبيثة طويلة النفس إلى أن تجن أن تقدم استقالتك، إذ الكفاءات تزعجهم بل ترعبهم.
إن كانت الدولة المغربية يتوفر لها من المعطيات أن “إبننا” عبد الصمد ناصر قد ظلمته الجزيرة مباشرة بألاعيب أو ضغوطات الخصوم والأعداء فإن الدولة “خيرها ياسر” بالتعبير الصحراوي الحساني، ويدها فوق الجميع:
ــ تعيين ناصر عبد الصمد مديرا عاما للقطب الرسمي بديلا للعرايشي الذي حان وقت تقاعده بل تأخر. على أن تترك لناصر الهامش الضروري لتطوير القطاع ولكي يظهر لنا جميعا “حنة يديه فخاطرو”.
نعي جيدا أن بالوسط الإعلامي المغربي كفاءات مشتتة في الخارج وتعاني الأمرين في الداخل، ومع ذلك فإن فكرة استثمارهم جميعا في تأسيس قناة مغربية دولية يبقى تفكيرا مشروعا لكنه رغبوي..مبررا على كل حال في لحظة عاطفية تتداعى فيها الأماني.
فحثى لو أسست الدولة المغربية قناة كالجزيرة تمويلا وترسانة فذلك لن يكون أبدا ضمانة للانتشار والمنافسة والاكتساح.
لماذا يا سادة؟
لأن الإعلام روح قبل أن يكون عتادا. وروح الصحافة والإعلامية هي الحرية واستقلالية الخط التحريري، وهذا في ظننا غير متاح كما هو متعارف عليه عالميا ونظريا، غير متاح حاليا بالمغرب لأسباب على رأسها أنه يتطلب قرارا سياسيا شجاعا يؤمن أولا بأن الخبز “لن يخبزه” غير خبازه، وهو الإعلامي ابن المهنة وليس النازل على كرسي المسؤولية بالمظلات تحت جنح الظلام وظلال الغفلة والاستغفال.
لا نعني هنا أن تصرف الدولة الملايير من أجل مشروع كبير دون أن تنتظر منه خدمات فهذا سيكون من باب الحمق والعبث والمستحيل، وإنما نقصد توفير أكبر هامش ممكن من المهنية والحرية في تناول الأحداث وتغطيتها، فحين يدخل مع الطباخ الماهر غرباء تكون الوجبات في النهاية لا طعم ولا رائحة لها.
للشباب الذين يحلمون بامتهان الصحافة نوجه نصيحة مجرب عركته الأيام واشتغل في الداخل والخارج وتلقى أجره بالعملات الهشة والصعبة:
ــ كونوا أنفسكم جيدا ولا تجعلوا الصحافة كل همكم ولا مبلغ علمكم.
ــ اشتغلوا في البدايات في أي مكان وراكموا التجربة ولا تلتفتوا لحجم التعويضات.
ــ إذا سنحت لكم الفرصة وعترتكم على وظيفة مجزية فاقتصدوا على مالكم واذخروه لأيم البطالة بعد الطرد أو التسريح.
ــ تعلموا مهنة موازية للصحافة لأن الاعلام غالبا يبقى مهنة عبور وليست مهنة استقرار.
في النهاية، نتمنى لزميلنا التغلب نفسيا على ما حصل له وأن يعلم أن الدوام لله وأن الرجال تمر والكراسي تبقى خلفهم في مكانها، كما نرجو من القلب أن يكون قد حوش لـ “دواير الزمان” ما يكفي ليعيش بعد الجزيرة في بحبوحة وكرامة يستحقهما بعد عقود من الكد وحفر الصخر بالاظافر.