خطاب نصر الله ينتظره جمهور يفوق مشاهدي نهايات كؤوس العالم

أحمد الجَــلالي

منذ اختراع جهاز الترانزيستور ( الراديو) ومن بعده التلفزيون لم يسبق للعالم خلال القرنين الحالي والذي قبله أن انتظرت قاراته جميعها خطاب رجل واحد. غدا/اليوم الجمعة سوف يستمع العالم كله ويشاهد خطاب رجل واحد اسمه حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” اللبناني.

هذه السابقة الكونية تؤشر إلى أن هذا العالم يقف على رجل واحده في منعطف هو الأخطر بين تأجيل الانفجار أو الذهاب رأسا إلى حرب عالمية ثالثة نووية قد لا تكون لها حرب تليها.

وهذا الانتظار القاتل لكلمة رجل واحد قد تحدد مصير منطقة ومستقبل خرائط سايكس بيكو التي جثمت على أنفاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبلدان أخرى عبر العالم لعقود طويلة مرة، يعني ضمن ما يعنيه أن لنصر الله وللقوة التي تقف خلفه أوراقا وإمكانات تجعل منها طرفا حقيقيا في معادلة الصراع العالمي.

وللمرة الأولى في تاريخ “الميديا” لم يستطع المحللون ولا المتكهنون المغامرة بتنبؤ وحيد حاسم لما سيرد من قرارات على لسان زعيم حزب انتصب شوكة في حلق الاحتلال وخاص نزالات ضارية معه راكم من خلالها تجارب جعلته اليوم من الثقة بحيث يهدد بضرب حيفا وما بعدها.

ولعل أول المتضررين من المقاومة اللبنانية في هذه الأيام هم بالدرجة الأولى تجار الطائفية البغيضة إذ ما عادت تجارتهم رائجة في سوق الشحن والتحريض أمام هتافات المصريين باسم نصر الله كي يضرب بقوة خلال هذه الحرب/المحرقة الجارية على أرض غزة البطولات.

وما ينغص على الطائفيين أكثر أن الجماهير نسيت “الدول السنية” وأسقطتها من حساباتها ولم تطلب منها شيئا فيما تعلقت بأمل وحيد: إيران وحزب الله في لبنان.

ومن غرابة زمن التيه العربي أن من يصرون على أن “إيران المجوسية” وحزبها في لبنان أعداء كفرة فجرة، وأنهم “سرقوا حماس السنية” ثم “تآمروا عليها وخانوها” لم يسألوا أنفسهم ماذا صنعوا لحماس هذه كي تبقى تحت خيمة “أهل السنة والجماعة”.

إنه فصام الشخصية العربية المصابة بشتى أنواع العلل والهلوسات. ولأن صدمة الطوفان قلبت كل الموازين فليس مستغربا أن يقاوم كل ذي عقدة عن عقدته ويعيش حالة نكران معلن.

وفي مقدم من يعيشون حالة النكران النفسي لما يحصل يوميا أمامهم من حقائق على الأرض، هناك قيادة دولة الاحتلال ومعها أمريكا اللذان يعاندان التاريخ ويرفضان بشكل يدعو للاستغراب والشفقة أن الزمن تغير وأن النظام الدولي الذي فرضوه على بني البشر تتداعى أركانه على مرآي ومسمع من كل ذي بصر وأذنين.

ومن تجليات غض الطرف عن الواقع كما هو ترويج كثيرين لضلالة تقول إن المقاومة لم تصنع شيئا لغزة، بينما الحزب قدم عشرات الشهداء ويواصل القصف فيما يكاد الجليل كله يصبح فارغا من كل شيء جراء البارود اللبناني.

ولكن هذا كله لا شيء لأنهم يرفضون سماع أغان غير التي تطربهم.

ومن عجب العجاب في اتهامهم للمقاومة بخذلان غزن أن أحد أقوى رجال “حماس” وهو يحيى السنوار يتوفر فيديو له يعترف لإيران بفضلها تسليحا ودعما.

وهناك مفارقة مزعجة كون بعض “النخبة” تصطف مع حقوق الشعوب ومع حقوق الإنسان ومع مواثيق الأمم المتحدة ومع تاريخ التحرر في العالم، ولكن عندما تصل إلى المقاومة الفلسطينية تختل لديها الموازين وتقلب المفاهيم لتنام على بطونها.

عند المقاومة الفلسطينية فقط تصبح بعض النخبة المهجنة “عاطفية جدا” لأن الأطفال يقتلون…وأبدا لا يرد على ألسنتهم تعبير يدين أو يحدد على الأقل المسؤول الصهيوني عن قتلهم.

وعند المقاومة الفلسطينية فقط يطيب لهم الحديث عن “الواقعية والحسابات الاستراتيجية” وكأن ماو تسي تونغ وغاندي وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار كانوا يملكون النووي والكيماوي وغاز الأعصاب قبل الشروع في مقاومة طاحنة قدمت شلالات من الدماء المقدسة على مذابح الحرية.

يا ناس، إن كنتم لا تنوون أو لا تستطيعون أو لا تريدون أن ترحموا فلا أقل من ألا تعترضوا طريق رحمات الله من مسالك أخرى. أهذا صعب؟

لنعد إلى خطاب نصر الله. فقد سبقه لأول مرة ترويج سمعي بصري محترف أفزع الصهاينة وكل الدوائر الغربية، تحضيرا نفسيا من المقاومة للخطاب الفيصل حول هذا الوحل الذي دخله الجيش، ومعه كل مرضعاته والمتعاطفين معه والأشقاء من الرضاعة، هذا الكيان الذي ذبح جيشه “الذي لا يقهر” صبيحة الـ 7 من أكتوبر ولا يستطيع المضي فيه ولا هو قادر على الانسحاب منه.

ولمن يتابع الإعلام الغربي بلغاته فقد رأى كيف صار فيديو لنصر الله من بضع ثوان موضوع ساعات طويلة من التحليل والتأويل.

هل الغرب فعلا قوي وغير قابل نهائيا للهزيمة كما ضحكوا علينا طيلة قرن من الدعاية الكاذبة؟

أية أمريكا وأية إسرائيل وأي “نيطو” هؤلاء الذين تداعوا جميعا ليقاتلوا حركة مسلحة تقليديا قوام جيشها في أكبر التقديرات بضع عشرات آلاف من المقاتلين عجزوا عن هزمها طيلة ثلاثة أسابيع من القتال؟ وهل تهزم مقاومة أفرادها يتجولون بلا تغطية بين دبابات الميركافا ليضعوا المتفجرات فوق ظهورها ثم يدمرونها..ويصورون “الفيلم” بهدوء؟

واي عالم غربي خرافي القوة هذا الذي “يقزقز” خوفا من خطاب رجل واحد يتزعم حزبا صغيرا في بلد صغير جغرافيا واقتصاديا اسمه لبنان؟

إذا كانت تشكيلات مقاومة صغيرة العدد والعدة في وقت وجيز أربكت قوى الغطرسة بترسانتها فما بال العربان لو “كفروا” مرة واحدة بالنظام الدولي الذي لا يقيم لهم وزنا ولا كيلا وحركوا وحدات فقط من جيوشهم؟

وسواء قرر حزب الله عبر أمينه العام حسن نصر الله  أن يكون معتدلا وواقعيا و “خيب آمال” البعض ثم أجل الحرب العالمية الثالثة الحتمية، أو تشدد مع العدو المتطرف ومضى قدما  في حرب مفتوحة مدمرة للجميع.. فالأمر سيان: هذا العالم الظالم لن يصبح عادلا لأن المتحكمين به سيصبحون فجأة ــ ولوجه الله ــ حمائم سلام وعدالة إنسانية، فإن تأكل البركان بعد الطوفان فهو آت بلا شك، أما إن عجلت قوى المقاومة بالضغط على زناد الحرب الكونية فالأمر سيان: هذا العالم المجنون الظالم المنافق مصيره أن يحرق نفسه بطغيانه…انتظار الموت أصعب من الموت نفسه…حريق عاجل خير من انتظار جحيم آجل.

 

#رصي_راسك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد