اشهدوا: لاحقوق لي على الدولة لا إفطار ولا علاج ولا تقاعد ولا دفن

أحمد الجَــلالي

فاجأني بلاغ جديد لوزارة الصحة لا صلة له بالوباء ولا بالجواز ولا بالزواج ولا  بأبغض الحلال عند الله. يستهدف البلاغ تلاميذنا، وأمعاءهم ومعداتهم تحديدا.

لقد رق قلب وعقل الوزارة معا لحال صغارنا وقرر أن يطلق حملة تحسيسية وطنية حول أهمية وجبة الإفطار بالنسبة للأطفال والمراهقين.

وبما أن الوزارة كمؤسسة كبيرة قررت أن تحسس هذه الشريحة العمرية، وهي بالملايين، فهذا يعني أنها تتوفر على معطيات عن كون جزء معتبر منهم يذهبون صباحا للمدرسة بأمعاء فارغة.

كيف علمت الوزارة بصيام صغارنا في مستهل كل يوم؟ الله أعلم.

ثم إن سؤالا يقفز مباشرة إلى الأذهان: لماذا الآن فقط انتبهت وزارة آيت الطالب إلى الأهمية القصوى لـ”التحنجير” قبل “التسكويل”؟.

ومهما يكن من أسئلة فإن أب الاستفهامات جميعا هو: لماذا لا توفر وزارة التعليم وجبات إفطار للتلاميذ خصوصا بالمناطق الفقيرة، سيما في فصل البرد والثلوج؟ وكيف أن وزارة بنموسى لم تقم بالواجب فيما وزارة آيت الطالب أخذت الأمر بجدية تطلبت حملة وطنية؟

هذا أب الأسئلة، أما جد التساؤلات جميعها فهو: أيكون هؤلاء غير المفطرين رافضين للأكل أم تراهم لم يجدوا ما يقيمون به أودهم في صباحات الفقراء الحزينة؟

سأكشف للوزير ولقرائي “سرا” شخصيا، في أيام الوباء هذه: فررت بجلدي سالما من كل حملات التلقيح التي كانوا يخضعوننا إليها في ثمانينيات القرن الماضي، و”رحبت” بالمقابل بكل الأمراض الفتاكة التي كانت تصيب الأطفال من بوحمرون وجذري وعواية..إلخ كلها “سكنت عندي” ما طاب لها السكن..وفي النهاية طردها جسدي النحيل وبقيت أنا حيا، بل بمناعة أدهشت بعض من عالجوني بالمغرب وخارجه.

وأنا طفل أخشى ما كنت أخشاه تلك “الريالة” البشعة التي كانت تخلفها الإبرة في ذراع كل طفل. كنت أخشى ذلك التشويه الظالم، وليس ألم محتمل للإبرة نفسها، إذ طالما تعرض جسدي لحوادث أين منها قرصة “الشوكة” ولم أبال.

وأزيد في إفشاء أسراري “النووية” أني لم أفطر أبدا طيلة المرحلة الابتدائية، ومرات قليلة فقط أيام الإعدادي، وأحيانا خلال السلك الثانوي..وفي الجامعة كنت أفطر لماما وأحيانا مجاملة لبعض الأصدقاء، إن اعتبرتم كأس قهوة سوداء وكسرة بمربى..”فطورا”.

ومع هذا لم يؤثر الأمر على مردوديتي الدراسية ولا الصحية ولا الرياضية. ولعل أقراني لم ينسوا بعد ماذا كنت أصنع بهم حينما قررت أستاذة مادة الرياضة، ونحن طلاب باكلوريا، إنابتي عنها في “التربية البدنية” في بعض الحصص.

هاهو نموذج “حي يرزق” أمام كل اللجان العلمية يعرض نفسه موضوعا لدراسة تريد الوصول إلى السر في مناعة استثنائية لمواطن كان طفلا فأصبح كهلا اليوم، وهذا الطفل/المواطن لم يكن يفطر ولم يسبق له أن لقح ومرت به وفيه كل الأمراض الفتاكة، ودخن عقدين متتاليين، مازال بكل خير..وهو من رافضي تلقيح نفسه إلى اليوم..مرحبا بالعلماء الأجلاء.

يطيب لي أحيانا حديث الذكريات بالمواضيع مناط البحث. تكون قصصا واقعية رصدتها في سابق أعوامي.

واللحظة تحضرني حكاية “خويا بوعبيد”، أقرب أصدقاء والدي رحمهما الله معا. كان بوعبيد يساعد الوالد في موسم الحصاء، وتصفية الحبوب وما شاكل من أشغال.

وفي عصر كل يوم عمل تكون الاستراحة في البيدر على صينية بها قهوة سوداء معطرة ورغيف أو حرشة وسمن وعسل أحيانا. وكان المذياع المؤنس الدائم.

لاحظ بوعبيد أن النشرات الإخبارية تكثر من ذكر المعطي بوعبيد، الوزير الأول بالمغرب آنذاك. فقال بوعبيد للمذياع: آودي بوعبيد راه مريض ــ يقصد نفسه ــ أرو ليه يلا كين شي دوا.

ونقول اليوم لوزير الصحة ووزير التربية الوطنية، بعد عقود من قول بوعبيد: آودي بدل ما تنصحو دراري بالفطور فطروهم على حسابكم أو عاونو والديهم باش يوفروا ليهم وجبات صحية.

أما عني: حقي في الدعم امنحوه للأيتام، قيمة حقي في العلاج ــ كل العلاج ــ ليذهب من يدكم إلى جيب/يد أقرب معوز..و”تقاعدي” حرام عليكم حلال على أرملة أو أبناء أي شهيد بطل من أجل الصحراء المغربية.

ولكي أخفف على الدولة والمجتمع أعباء دفني، فقد تبرعت بأعضاء جسدي كلها،وبحضور المرحوم صائب عريقات، في رام الله بفلسطين، للأشقاء بأرض بيت المقدس.

www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد