المغرب الأقصى أي المملكة المغربية…أو بلاد “ما بين الحقـدين”

الشوارع/المحرر

ليست الرداءة كلها سيئة، فكثيرا ما لا تتضح ملامح الوجه الجميل للخير إلا من بين ثنايا الشر المستطير.

صحيح أن الرداءة والعفونة مستهجنتان ويمجهما الذوق السليم، ولكن ما العمل مع التشكيل الأصلي للطبيعة الذي جعل المخصبات تعيش في بطون المزابل.

ولأن الشر محرك للتاريخ فهو محفز الإبداع والاختراع،ولولا الحروب لما تقدمت التكنولوجيا، ولولا الأمراض لما أبدع الأطباء في الإتيان بالحلول.

والمغرب ككيان جغرافي سياسي ثقافي يعد جسما متفاعلا ومنفعلا بما حوله. لا أحد يختار جيرانه على أديم الأرض، ومن ثمة لا بديل عن الصراع والكر والفر والكيد والكيد المضاد.

قديما سمى المؤرخون بلدانا من خلال تموقعها بين البحار والأنهار: مصر صارت “هبة النيل” والعراق بلاد الرافدين، ومناطق أخرى سميت بما بين النهرين أو البحرين. ولكن جاءت لحظة تغيير القواميس وتطوير اللغة، ففضلا عن الجغرافيا هناك محددات أخرى “طبيعية” مرتبطة بالبعد البشري والنفسي والمزاجي.

فالمملكة المغربية، مثلا، ابتلتها أقدارها بالتموقع بين كيانين حاقدين هما دولة العسكر الجزائري ودولة الإيبيريين الفاشية، المسماة مملكة إسبانيا.

وليس صعبا ابدا حتى على الصبيان إدراك السعار والهيجان والهذيان الذين صاروا العملات الرائجة في سوق مواقف هاذين البلدين الجارين لنا، خصوصا خلال السنتين الأخيرتين.

ولأن المغرب بدأ يتململ عسكريا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا لاسترجاع كثير من مظاهر استقلال القرار الوطني فإن الأمر قض مضجع المفترسين الراغبين في الإبقاء على المغرب مخنوقا دائما لتمرير أجنداتهم المعلنة والخفية.

ولقد قاوم صناع القرار المغاربة رغبات الجارين ومن وراءهما من قوى الشر والهيمنة بأشكال مختلفة، منها التحرك على الأرض في الصحراء، والتكشير عن الأنياب بالمحافل الدولة، وإعادة النظر في خارطة الشراكات شرقا وغربا واتباع سياسات وطنية خاصة بنا كما هو الشأن في التلقيح وسد وإغلاق الحدود أو فتحها.

واليوم، وبعيد خطاب العرش الذي خلط الأوراق، يبدو أن خط المواجهة سيتخذ أبعادا أكثر تصعيدا ودراماتيكية.

لم يأت رد جزائري رسمي على ما ورد على لسان ملك المغرب، بالمعني المتعارف عليه، بل صرفوه عبر مجلة للعسكر لم تذخر صفاقة أو ابتذالا في تدبيج أي كلام/اتهام ضد المغرب، ومنه الزعم بإدخال المغرب الحشيش والعملات المزيفة عبر الحدود إلى الجزائر.

ولو كان هذا حصل فعلا لما تردد العسكر في طلب عقد جلسة لمجلس الأمن، على الأقل.

وليست الجزائر وحدها من افترت بل سارت على درب إعلامها إسبانيا فحركت صحفها “المستقلة” عن كل شيء سوى استخباراتها، وفي مقدمها “الإسبانيول” التي أثبتت أن الإعلام الغربي ليس فقط تابعا بل يمارس أدوارا أخرى ليس أقلها الكذب و”التفكير الرغبوي” و”الاستمناء المهني”.

ففي واحد من مقالاتها توقعت “الإسبانيول” لملك المغرب مصير القذافي وللمغرب مآل ليبيا. وفي الحقيقة فهم لا يتوقعون، لأن التوقع يكون مبنيا على معطيات علمية وواقعية، ولكنهم “يتمنون” أن يحصل هذا ليكتمل مخطط تفتيت شمال أفريقيا.

غير أنهم يتناسون عمدا أن المغرب ليس هو ليبيا، وأن ملوك المغرب لم يأتوا للحكم على ظهور الدبابات من خلال انقلابات تشبه انقلاب القذافي على الملك الليبي السنوسي.

في الحقيقة، إنهم يعرفون حق المعرفة أن المغرب رقم عصي في معادلة إقليمية ودولية يستحيل حلها أو تفكيكها بمجرد تمن أو “توقع”. ولذلك، يلجؤون إلى هذه الشطحات الإعلامية من باب عسى ولعل. ولكن الرياح تظل عاجزة عن هز جبال الأطلس.

ومع كل هذا علينا أن نبدي التفهم لآلام جيراننا: فليس سهلا عليهم تقبل حقيقة أن الصحراء بين ايدينا وأن خيراتها لنا وحدنا وأن سمكها وفوسفاطها جزء من تجارتنا الدولية.

وليس هينا عليهم ـ طبعا ـ هضم الحقيقة التاريخية أن سبتة ومليلية مدينتان مغربيات وأن استرجاعهما مسألة وقت وأن “المورو” عائدون لاقتلاع سرطان الاحتلال منهما.

وليس خافيا ــ بكل تأكيد ــ ألمهم من اشتغال ميناء طنجة المتوسط بهذا الزخم بحيث بات يهدد تجارتهم بالبوار واقتصادهم بالاندحار..نعرف هذا جيدا ونقدره، ولكننا نشجع بلادنا على المضي فيه إلى منتهاه.

نقط قوتنا كبيرة ومنها الواضح والمستتر، ونقاط ضعفنا كلها واضحة وليس فيها ما يخفى: إنها جراحنا المجتمعية ذات الصلة بالجبهة الداخلية، صمام الأمان أمام كل اختراق خارجي، علينا ألا نخجل من الاعتراف بها وجعلها تحت شمس التغيير والإصلاح الشجاع: عدالة اجتماعية، قضاء مستقل، تزويج المسؤولية بالمحاسبة، سيادة القانون…وكفى.

 

www.achawari.com

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد