أحمد الجَـــلالي
دار الزمن السياسي المغربي دورة كاريكاتورية فرست سفينته على شط العبث فاتكأ الوزراء ومسيرو الشأن العام على “المؤثرين” طلبا للنجدة فكان أن استنجد الغريق بالمغرق.. وغرقا معا في بحر الضياع.
ما معنى أن يلتحف وزراء يرأسون قطاعات حيوية بفئة من العاطلين الذين انتحلوا صفات “وظيفة” مستحدثة ترتبط بكل ما هو افتراضي ولا صلة لها بالواقع في شيء؟
معناه أنهم وصلوا خط الإفلاس السياسي والتدبيري والتواصلي. هؤلاء المسؤولون لا يستطيعون مجالسة ولا مجابهة ذوي الاختصاص وحملة الأفكار والنقاد الذين تحركهم معرفتهم العلمية بالواقع المغربي وخوفهم على مستقبل الأمة.
وبدل أن يستفيد الحكوميون من ذوي الخبرة وعبرهم ينقذون ما يمكن إنقاذه تراهم يستعيضون عن المتين بكل ما هو “راشي” أي غثاء لا ينفع وقد يضر.
البلاد تئن تحت وطأة كثير من الأمراض السياسية والاجتماعية، والفساد أبو الأمراض كلها يعيش أزهى فترات عنفوانه واستعلائه معلنا ألا صوت يعلو صوته.
وفي الحالات المرضية المستعصية يصف الأطباء عادة أدوية مرة يجب الصبر على تجرعها. وأمر دواء يجب على المغرب الرسمي تجرعه ــ وهو مفيد للعلاج ــ هو قول الحقيقة على لسان من يملكون الحقيقة ولا يعدمون الحلول الممكنة لهذا الانحطاط الذي أوصلونا إليه في كل المجالات.
ولكن من يتقبل قول الحقيقة المرة في هذا الزمن؟ على العكس تماما فهو يفضلون من يمدحهم ويكذب عليهم، وهم يعلمون أنه منافق كاذب، ولكنهم استمرأوا المديح تناسوا قول الشاعر: “مر الكلام زي الحسام يقطع مكان ما يمر..بس المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضر”.
وفي انتظار اكتمال الباهية وتأسيس حزب افتراضي بقيادة “مؤثرين” قد يقود مستقبلا حكومة “فيرتوال Virtual” تطعم الناس خبز “البارطاج” وتسعف البلاد والعباد بأمصال “اللايكات”، لا تستغربوا كيف أن حكومة الأرشيميلياردير أخنوش أصبحت تتحدث عن الوفرة في كل شيء فيما المتسوقون يرون ويلمسون العكس تماما، ولا تتعجبوا أن الوزراء صاروا يمدحون حكومتهم ويثنون على أدائها “الرائع” بينما أنتم يا شعب تكتوون يوميا بنتائج تسييرها المصر على طحنكم.
هيئوا أنفسكم وأبدانكم وحواسكم وبطونكم وكل مشاعركم وجوارحكم للتعايش والتأقلم مع الواقع الافتراضي و”حاكمية” الافتراضيين.
وإلى أن يتدخل خير الماكرين ليبطل ما يصفون بعد إعلان النخب والناخبين وكل الأوادم الهزيمة أمام هذه الشرذمة ورفعهم راية الاستسلام والخنوع، إلى ذلكم الحين “ما فيها باس” أن نناقش معنى أن تكون “مؤثرا” في مغرب اليوم ومع حكومة اليوم.. في عالم ينتحر يوميا.
افترضوا يا سادة ــ وهل بوسعكم ألا تفترضوا؟ ــ أنه بعد سحق قطاع التعليم وتجريف المدرسة العمومية وهجرة الأطباء والممرضين وتحديد السن الوظيفي في الثلاثين لم يبق أمام شباب المغرب سوى ممارسة “التأثير” عبر الإنترنت.
وعليه، فقد تحولت وكالات “الأنابيك” إلى وسيط بين السياسيين والشباب والشابات “المؤثرين”. يطلقون قنوات روتينهم ويدفعون بالدولار لترويجها..وبعد استيفاء الشروط يحين يوم مقابلة التوظيف:
قرع على الباب ثم يسمع صوت: ادخل زيد/زيدي
ــ بونجوغ
تبدأ الأسئلة بشكل مباشر:
ــ شحال عندك ديال المتابعين؟
ــ ميات ألف
ــ مكافيش
ــ أزيدي دخلي
ــ شحال عندك ديال المتابعين
ــ عندي مليون تقريبا بلا لي ديما تباعين روتيني في الزنقة
ــ طري بيان..غتخدمي معانا، هاكي قراي شروط العمل عبر التعاقد الموسمي..بحال الانتخابات أو ملي تكون شي مقاطعة أو شي هجوم علينا.
ــ ميغسي
آآدخل مالك واقف؟
ــ واحد السلامو عليكم
ــ شحال معاك؟
ــ غير بوحدي
ــ بغيت نقول شحال ديال المتابعين عندك في قناتك
ــ آه فهمت دابا…يكون شي سبعميات آلف
ــ برافو..شنو تخصصك؟
ــ كندير جميع أنواع الروتين السياسي ونقول اي حاجة لي بغاها مول لفلوس..أنا طالب معاشي وظريف وشعاري أراشوف وميكون غير خاطرك
ــ سير الله يكثر من أمثالك..انا غندير جهدي باش تولي رئيس مصلحة عندنا.
يا سادة، هذه مجرد مقابلة توظيف متخيلةـ ولكن رجاء لا تتعجبوا فكل شيء صار ممكنا في هذا الظرف اللاواقعي/المتخيل/الافتراضي/ الاقتراضي…كل شيء قابل للتحقق ما عدا النزول لواقع الناس وإيجاد الحلول لمعضلاتهم الكبيرة والمعقدة.
افتحوا أعينكم يا ناس فليس مستبعدا أن تزخر مكتباتنا الوطنية وباقي أكشاك العرض بكتب وعناوين تسير جميعها في طريق دعم “تأثير المؤثرين والمؤثرات” من قبيل:
ــ كتاب: الوافي في مسخ الصحافي
ــ كتاب: لا تلوميني ولا تحسديني على روتيني
ــ كتاب: باب العارفين بسحر المؤثرين
ــ موسوعة: اعتبرني حلوف..غير أراشوف
وآخر دعوانا أن الطف بنا يا ربنا…ودينا فضو.