أحمد الجَــــلالي
من آيات الخالق الذي أتقن كل شيء صنعه أن جعل التناسق بصمة تقود العقول للفهم والأفئدة للإيمان بأن هناك صانعا موجدا للأكوان قد ترك لمسته التي لا تقلد في كافة مخلوقاته.
وتعني “سيماهم في وجوههم” من بين ما تعنيه أن الباطن ينعكس على الخارج، في رسائل للناظرين المبصرين وأولي الفطرة السليمة. ولذلك، يستحيل أن تجد مؤمنا حقيقيا يملك وجها وقحا عبوسا. وليس ممكنا بالمرة أن تصادف نورا مشرقا من محيى صاحبه أو صاحبته “بنت ستين في سبعين”.أبدا، مستحيل.
وخلق الله ليس فحسب أوادم وحشرات ودوابا..خلق الله كيانات قد تكون هيئات أو مؤسسات..أي جماعة بشرية منظمة بعرف أو بقانون تكتسي شخصيتها وكينونتها كما تملك “وجها” ولسانا..وصيتا…وعلامة.
بهذا الفهم حكومة عزيز أخنوش أيضا من مخلوقات الله الذي سخر ولادتها بأيدي العباد والدستور..فولدت وعند الوضع حملت جينات قصة الولادة وبصمات ولمسات “القابلة” وكل من ساهموا في اختيار ذريتها من المستوزرين.
من بين هذه السلالة الحكومية لسانها الناطق أسبوعيا “بداك الشي”، المدعو بايتاس، وهي مفردة عجزت “الشوارع” عن الوصول إلى جذر معناها، على كل حال.
هذا المخلوق الحكومي الذي لم يدرس التواصل ولا الاتصال ولا الصحافة ولا الإعلام وجد نفسه “ناطقا رسميا”. والحقيقة أن كل ذي لسان فهو بالضرورة ولا غرابة “ناطق” وليس كل من ليس أبكم يصلح للنطق باسم حكومة صاحب الجلالة.
ففضلا عن متلازمة “بوهزهاز” المعلوماتي التي تلازم بايتاس إذ يقول الشيء اليوم وينقلب على كلامه “السوق الجاي” فهو، بايتاس وليس “سوق لعرب” نحا في الآونة الأخيرة منحى “قال السماء كئيبة وتجهما”.
وكي لا نغمط الناطق حقه فقد أبان عن موهبة خارقة في شد حاجبيه إلى الأعلى، وهي قدرة فوقبشرية على تقويس ما فوق العينين، ما يعطي لوجهه اكفهرارا يتماشي طرديا مع اكفهرار وعبوس الحكومة التي يتكلم باسمها.
هل فهمتم الآن معجزة “التناسق” الرباني التي تحدثنا عنها أعلاه؟
قبل أمس كان لدينا وزير للإعلام مثقف ومسيس هو مصطفى الخلفي كانت تقف كل الكلاب الافتراضية ضده لسبب أو حتى من غير سبب حين كان يرتكب بعض الأخطاء البشرية.
“ما حمدناش الله” على الخلفي فأخلف غيره فينا وكان فعلا ظاهرة زمنه القصيرة وهو الوزير “عبيابة”، ولعمري ما هذه المشكلة الدائمة في دلالات الأسماء؟ غير أن زمن عبيابة و “عيوبه” لم تطل كثيرا، وكان بالمقدور هضمها وتحملها.
واليوم “حيانا الله” في زمن موت الصحافة حتى شاهدنا “بايتاس” كيخاصم على الصحافيين كتلاميذ صغار في “مسيد” أمام فقيه قاس يهدد بعصاه براعم تتهجى الآيات الأولى في كتاب الله.
والمضحك المبكي أن سيهم بايتاس ــ كما تم تداوله ولاحظناه ــ أعطى أوامره كي لا يظهر أي صحافي وهو يطرح عليه سؤالا.
لن أطرح السؤال “أين وصلنا”؟ على “مجلس الصحافة” الذي سيدخل بعد يومين مرحلة الفراغ القانوني بعد أن استكمل نصف سنة كفترة تمديد وعجز عن إجراء انتخابات تجديده الذاتي، هو الذي أسس بغاية “التنظيم الذاتي”.
ولن أسأل فدراليات الناشرين : “واش بان ليكم”؟ لأن أقصى ما قد يفكرون فيه والحال هذه هو أن يقولوا شفويا أو في خاطرهم: لا، حشومة عليه.
ولن أسأل وزارة “مهدي” إن بنسعيد يسعده ما يرى من تقريع للصحافيين، لأن بنسعيد المشغول بصيانة الذاكرة ذاكرته لا تتسع لمثل تفاهات “الشوارع”.
ولكني أقدر على طرح السؤال على جهتين غير دستوريتين وهما:
ــ “الصحافيون” الذين يحجون أسبوعيا للتبرك ببايتاس: واش عندكم شي كرامة ولا متكسابوهاش؟ ملي قردكم لم بقيتكم تنظرون ساكتين؟ علاش متجمعوش الوقفة وتنوضو نايضيتن؟…الخوف….ممن؟
ــ ذاتي..السؤال موجه مني إلي: آش بان ليك آسي.
جوابي لي أنا: لقد “بان لي” من زمان والدليل أني حضرت مرة فقط لندوة صحافية لوزير الثقافة الأشعري وكنت على يساره مباشرة وبدل أن أسأله رافعت عن أفكاري وعبرت بالكلام وحركات اليدين. وقد راق لمخرج نشره الأخبار أن يختار تلك اللقطات بيني وبين الوزير بحيث لما شاهدها “العقلاء” من بني بلدتي خمنوا أن “ولد منصور مشا فيها” لأنههم “شافوه ما بقالو غير يشنق على وزير”، بل من اجتهد وقال: راهم شدوه..راهم دابا كيتحاسب. ولما ذهبت بعدها بأيام لتناول كفتة “علال التازي” قال لي أحدهم “من نيتو”: على السلامة سي احمد.
ولكني، كأي من أبناء الحرفة غير المسلطين عليها بالباراشوت أدري افتقار الغالبية الساحقة من بني قبيلتي المهنية للحد الأدنى من “..النحاس..” لمجرد التفكير في الاحتجاج الصامت.
إن إعلاميا يرتعد لمجرد قول “ولكن” لرايس التحرير، سيكون من الظلم أن نطلب منه الاحتجاج على وزير.
إن صحافيا يقضقض عُصلا حينما يدخل “مول الشي” مقر الصحيفة، سيكون عيب وعار علينا أن نحرضه على الانتفاض لكرامته و سمعته و “إسمه” إن كان ما يزال للإسم المهني مدلول أو رائحة.
إن قطاعا منكوبا لا يمكن أو ينجب صحافيين وصحافيين بالحد الأدنى من رباطة الجأش لما يقفون أمام أي مسؤول، بله أن ينجب ــ هذا القطاع التالف ــ قيادات وهامات يقام لها ويقعد.
تحضرني دائما صورة الصحافي البريطاني “ستيفن ساكر” صاحب برنامج “هارك توك” يعني “كلام قاصح”، حينما وضع رجلا فوق رجلا وعطا لطوني بلير بكتفو..وهات يا أسئلة كالرصاص.
عموما، لنعد إلى خرافنا كما يقول المثل الإفرنجي. كما تكون القبيلة المهنية يول عليها، وكما يكون وجه الحكومة تكُ كلمات وأسلوب لسانها…وحتى “حجبانو”.
www.achawari.com