أحمد الجـَـــــلالي
بعد اسابيع من خبر “تعديل جون أفريك” الذي قض مضاجع الأحزاب المشاركة في حكومة أخنوش، ولكنها لم يمنعها من صمت القبور، عادت حمى الحديث عن تعديل حكومي قيل إنه وشيك.
وقد تقاسمت هذا “الخبر” مواقع مغربية وأخرى فرنسية تشم فيها رائحة التبعية لفرنسا الرسمية تحديدا. لكن أضيف لخبر جون أفريك هذه المرة بعض من توابل “تقاسم الخطية” بين الثلاثي الحكومي المسمى “آمنا بنوبتنا”.
والتعديل يعني في السياق المغربي تعبيرا ملطفا عن الفشل الجزئي للفريق الحكومي الذي لا يرقى في الحالة الأخنوشية إلى ربع كفاءة وليد الركراكي الذي يبدو أنه سمع نصيحة الشوارع و”رصى راسو” وهو بصدد القرار الصحيح: استدعاء الجميل المتواضع حمد الله…ماذا نقول غير الحمد والشكر لله.
والتعديل في الواقع المغربي يعني أيضا التناوب بين المقربين حزبيا على ضمان تقاعد وزاري فاحش وتأمين الحاضر والاطمئنان على مستقبل لوليدات. وهكذا يترك ذاك كرسيه لهذا ليمرره هذا بدوره إلى محظوظ آخر “شاد النوبة”..وهكذا.
والتعديل عندنا مرة ثالثة يعني بالباث والمطلق الوفاء لتلك العادة القبيحة التي تقتضي إحكام إغلاق أبواب الاستيزار جيدا أمام أي مثقف حقيقي أو إطار كفؤ ينتمي إلى الحزب المعني بالمشاركة في حكومة ما.
في زمن مضى كان اختيار الوزراء حتى وإن كنت ضدههم شخصيا فإنك لا يمكن أبدا أن تنكر أن فلانا كفؤ في مجاله وأن علانا ذو خبرة أو تجربة في ميدانه، وأن زيدا أستاذ جامعي مبرز وأن عمرا لا يشق له غبار في القضية الفلانية.
أما اليوم فاخرج إلى الشوارع وقف أمام الجامعات واسأل من شئت هل تعرف فلانا؟ هل سمعت بفلانة؟..والرهان بيننا قائم إن وجدت بين كل مائة من يعرف أسماء “النيو وزراء” بله أن يعنوا لهم شيئا.
أبدا، وكأن الأمر يتعلق بمعايير مصنعية صارمة، أو غربال آلي يختار وفق خوارزميات مواصفات الضحالة وأرباع الكفاءات ورخاوة الشخصية… ونقصان التجربة.
ويا للمصادفة، وأنا أتصفح ما تيسر لي طالعت تدوينة لواحد من الكفاءات الحقيقية التي فرض عليها التجميد بحزب الجرار الذي كان الرهان عليه أن يحرث بأصالة ويزرع حقول تمغرابيت ليجني الوطن بذور التطور والمعاصرة فإذا بالركاب الجدد للتراكتور يحرثون الماء، ويشاركون في حكومة تعمل كل شيء لتجر البلاد إلى حصاد ثمار من يزرع الريح.
صاحب التدوينة هو الدكتور امحمد لقماني، وأما التدوينة فهذا نصها :
“أيهما أكبر، الوزير أم المسؤولية ؟
حين تكون المسؤولية أكبر من الوزير، فالحل هو تغيير الوزير و ليس المسؤولية ، لأن هذه الأخيرة ليست شخصية، و إنما هي مسؤولية عمومية مرتبطة بالمصلحة العامة. لكن ،إذا تعذر ذلك لوجود إكراهات مرتبطة بالمحاصصة الحزبية داخل الحكومة، يمكن،على الأقل، تخفيف عبئ المسؤولية بما يناسب وزن الوزير و قدرته على التحمل، دونما الحاجة إلى التفريط فيه”.
ولم أكن من “العاكزين” فعلقت بأسلوبي الذي أظن أن لقماني يهضمه كالتالي: ” اختلف معك على طول المحيط الأطلسي. علاش؟ لأنه ولكي يبقى الواقع الحزبوي على خاطرو..يجب الذي يجب ألا وهو: تغيير فهمنا للكون كله كي يبقى الزعيم وأذنابه في كراسيهم…وإن اقتضى الأمر يجب الذي يجب مرة أخرى..ألا وهو: تغيير هذا الشعب بشعب آخر ليس بين ملايينه المملينة من مازال “يكفر بالنعمة” ويطرح السؤال مثلك أو يسائل “السياسات” كما تفعل…أو “تضربه النفس” على حرمة قبر المرحوم المثقف داخل “الروضة الحزبية العطرة”……….انتهى الاختلاف معك..وإن عدت أنت عدت أنا”.
ودليلي على أن تعليقي لا يصيب أمثال لقماني بعسر هضم أو مغص ذهني فقد رد علي ب ” اطمئن السي احمد لن اعود”.
والحقيقة أن رده هو من آلمني لأني أكره ألا يعود هو وأمثاله إلى معمعان السياسة، رغم علمي بشبه استحالة تمكين المثقفين من دورهم في أي حزب مغربي.
آه لو كنت أستطيع إقناعك ومن هم على مستوى نضجك وكفاءتك ووفائك المبدئي في وطني بخوض النزال وسط البرك الآسنة، أنا القادم من الهامش والعارف بحروب صغار النفوس كبار الكروش أصحاب الكعب العالي في الدسائس.
أتحدث عن لقماني كمثال لمأساة المثقف في البنية الفوقية والتحتانية الحزبية لأني أزعم أني أعرف هذا الحزب جيدا ويعرفني هو “صح ما يتمكن”.
وما يقال عن لقماني يجب أن يقال عن آخرين وفي وفي مقدمهم عندي الزميل خالد أدنون الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره من كثير ممن شغلوا مناصب وزراء إعلام أو رشحوا لها من قبل أحزابهم.
واليوم، والثقافة والاتصال يئنان تحت وطأة “حقبة طوطو الثقافية والفلسفية” ما لا يقال ويجب أن يقال أن “قيادة البام” هي من اختارت وزيرا لمنصب وكرسي لا قبل له بهما لا تكوينا ولا مراسا ولا استعدادا نفسيا ولا علميا.
وقد أجازف بالقول إنها المرة الأولى في تاريخ المملكة المغربية حيث أوكلت وزارة الثقافة لوزير لم يسبق له أن نشر مقالا في صحيفة أو موقع. ولن أضيف.
ولو أن القوم اهتدوا ــ قياس الخير ــ أو لنقل اخطأوا واختاروا أدنون للإعلام و”عطاوه التيساع” لكان أنقذ هذا القطاع المنكوب من السكتتين العقلية والقلبية.
ولو أن أصحاب العقد والحل…حلوا أعينهم ــ قياس الخيرات ــ وأوكلوا للقماني قطاع الثقافة والنطق باسم الحكومة لترحمت على الرجل أجيال لاحقة من المثقفين.
أتحدث عن هاذين الشابين بهذه الموثوقية وأتحمل مسؤوليتي. وبحوزتي ما أستتد عليه واطمئن له من معلومات وتجربة شخصية واطلاع وثيق.
كنت أحب أن أضيف اسما باميا كبيرا آخر هو يونس التايب ولكنه يستحق مقالة لوحده.التايب الذي اشتغل بدأب وجلد وصمت مديرا مركزيا بالحزب ، ولما غادر وانفجر كتابات وطنية رصينة أبان عن حقيقة طمر الكنوز البشرية أو التفريط فيها بعدم استثمارها كما ينبغي. يا حسرة على الأحزاب.
عندما أسمع من لقماني المثقف بحسرة صادقة عبارة “لن أعود” فقلبي يؤلمني ليس لهدف شخصي أو مصلحة مرجوة وإنما لأني أخشى أن يكون الأمل قد قرر ألا يعود للقابضين على جمرة الأمل من أمثالي.
عندما أقرأ بعين الحال “لن تراني في واجهة” في انزواء إطار كبير كخالد أدنون، أشتهي العودة إلى التدخين بعد سنوات قطيعة ليس هزيمة أمام إدمان دحرته ولكن رغبة في حرق شيء آخر غير أعصابي وأعصاب جيلي التي أحرقها السفهاء وأتلفها لوبي قطاع الطرق أمام أولاد وبنات الناس المناسبين، في الأماكن المناسبة، فوق الكراسي التي يستحقونها في المناصب التي يملؤونها..من أجل المغرب الذي نستحق..وهو مغرب ممكن وليس مستحيلا على كل حال.