أحمد الجَـــلالي
بربكم ما الذي وقع للمغرب، البلد الفلاحي العظيم، حتى أصبح لا صوت فيه يعلو على صوت المعدة، ولا أولوية لدينا تسبق مكونات “الكاميلة”؟ وهو وضع لم يعد معه الحديث عن المجاعة والتعبير عنها بالعويل مزحة، بل أمرا يكاد يدخل حير الحقيقة؟
التساؤل عمن وما الذي أوصلنا إلى هذا الدرك من الانحدار لن يجدي نفعا، ذلك أن التعويل على الحكومة أو سابقاتها لإلقاء اللوم عليها مضيعة للوقت ورهن للحاضر بالماضي. وتوجيه التساؤل للمسؤولين حول الحلول الممكنة وما يجب أن نصنعه وبسرعة، يشبه ضرب رؤوسنا مع حائط حجري أصم بني على العهد الروماني كأقواس وليلي العنيدة.
الانتقال بالمغرب من بلد الخيرات والمياه والخضرة ورؤية الملك الحسن، باني السدود، إلى مغرب باتت تتهدد مواطنيه المجاعة حرفيا، ليس صدفه وإنما “عملية” أو “مسلسل” قديم.
ولن ينس من عاشوا جفاف ثمانينات القرن الماضي، عندما مر المغرب بقحط لسنوات متتالية قاسية، كيف أنه رغم انحباس المطر تماما شبع المغاربة لحما على الأقل نظرا لانخفاض أسعار المواشي فكان الجيران في المدن والبوادي يشتركون كل أسبوع ويشترون عجلا وينعمون ب”وزيعة” معتبرة ويرفعون أكف الضراعة للباري تعالى أن اللهم اسق عبادك وبهيمتك.
صحيح أن المغرب ليس اليوم في أفضل سنواته الفلاحية، ولكننا بعيدون جدا عن وضعية جفاف الثمانينات حيث اختفت الخضرة وتيبس النبات والحيوان. ومع هذا لم نجع في تلك الفترة بينما نشتكي اليوم بوادر المجاعة رغم وجود السلع بغزارة في الأسواق ولكن “منين غادي دوز ليها”.
هذه هي المعادلة المبسطة التي تختزل اللغز المخيف: من/ما هي الأيادي التي تتحكم في الأسعار وترعى اشتعالها؟ وهل هي أياد من عندنا أو خارجية بأذرع محلية؟
وطبعا، لابد أن نسجل هنا افتقار الحكومة لأي جواب حول من يرفع الأسعار ودليلي هو تخبط بايتاس، لسان الحكومة، عن المضاربين الذين يعرفهم العادي والبادي ثم انقلابه على نفسه ليسأل المغاربة أن يدلوا الحكومة عليهم لمساعدتها..يا سلام.
والحقيقة أن المواطن المغربي مستعد للعمل “بركاك” لدى الدولة والحكومة على مدار الساعة و “ببلاش”، للتبليغ عن كل ظلم أو خرق للقانون لو وجد من يثق بأنهم سيطبقون القانون حرفيا على الجميع من الوزير إلى الغفير. ولكنكم تعلمون المتاعب التي تعرض لها من بادروا إلى التبليغ عن الفساد في مواقع مختلفة.
ولقد هالني فعلا العدد المفترض للاستفادة من القفة الرمضانية لهذا العام بعدما قارنت الرقم الحالي برقم العام الماضي. توقفت دامعا بالقلب عند خمسة ملايين شخص ــ وفي شهر الصيام ــ يحتاجون من يطعمهم للبقاء على قيد البقاء. وبعدها خمنت العدد الحقيقي من المحتاجين الذين لا تسمح لهم عزة النفس بمد اليد أو الوقوف في الطوابير في انتظار غذاء أو دواء..وفي لمحة انتصبت أمامي رواية: Cry my beloved country
كل المعطيات الحالية تقول الحقيقة المرة كما هي. ولسنا بحاجة لا إلى تقارير والي بنك المغرب ولا لخرجة مثل خرجة المندوب السامي للخطيط لنستشعر أننا مقبلون على أوقات رديئة وأزمة صعبة جدا.
اسأل اي فلاح ليقول لك هل البذور/ “الزريعة” متوفرة ومن أين وبكم تصل إلى حقله لتتوقع إن كانت الخضر ستكون بعد أشهر في الأسواق. ولا داعي أن تسأله عن “لانكري”..فتلك حكاية أشد مرارة.
اسأل أي مرب للمواشي من أي بلد نستوردها وبأية تكلفة وتوقعاته للمستقبل القريب لتعرف هل سيجد رضيعك حليبا في دكان الحي أم لا.
اسأل أي موظف منتم للطبقة الوسطى،فرضا، عن أحوال جيبه وهل ينام ساعات كافية لتعرف أن الطبقة الوسطى التي يتحدث البعض أنها مهدده أنها في الحقيقة ماتت من زمان.
وإذا، ما دمنا كشعب نبدو كأي يتيم ترك لحاله، فانسوا تماما أي وهم في أن الأسعار ستنخفض أو أن ملاكا سينزل من السماء ليلزم الحكومة باتخاذ المتعين الممكن، فما علينا سوى أن نبادر الظرفية بما ملكت أيادينا.
دعكم من التفكير العتيق أن النزول للشارع بتلك الطرق التي تتيح للمتعيشين من “النضال” وسماسرة النقابات الانتعاش الموسمي، فهم يفرحون بهذه المواسم التي تعيدهم للضوء وتعيد تدفق المنافع إلى جيوبهم. نعم، الاحتجاج السلمي حق مكفول في دستورنا نطريا……..وفي فنلندا ومثيلاتها على أرض الواقع. صيحوا ما شئتم فلن يسمعكم أحد. لا داعي لهدر الوقت والطاقة.
وإياكم ممن سينفخون في النار فلو صار الشارع حلا سيكون القمح هو الجواب ولن تربح بلادنا شيئا. هذا ليس جبنا مني ولكن “حسبوها مزيان” وستجدون أن الحلول التي ستطالبون بها لا تقابلها مسامع في حالة جيدة إن لم تكن خربانة تماما.
وبدل الخروج للشارع أفضل التفكير الجماعي في حلول ممكنة التحقق عبر ما تراكم لدينا كشعب من أعراف منتجة جاء الوقت لإحيائها وتعميم شيفراتها على الجيل الصاعد.
ــ التكافل الأسري والاجتماعي: في كل موقع هناك من يملك ومن لا يملك شيئا لكنه مستعد للعمل، فليعط من يملك لمن يريد أن يشتغل أي شغل يمكنه مما يقيم به أوده.
ــ على المحسنين الذين يبنون مئات المساجد سنويا أن يحولوا نشاطهم نحو جمع التبرعات ــ بتنسيق مع السلطات المحلية وفي إطار القانون ــ لأشد المواطنين حاجة، وسترون كم من الملايير يمكن توفيرها.
ــ التقشف..وليس الجوع: ليكن من اليوم شعارا لنا أن لن نرمي كسرة خبز أو أي شيء يؤكل في القمامة. لنسأل أنفسنا إن كان كل ما نشتريه نحتاجه حقا لنعيش؟ وعلى أساسه يدخل أرباب الأسر والأمهات الفاضلات الشاطرات في ترشيد النفقة وتخسيس “القفة”..وسترون كم يمكن أن توفروا.
ــ بما أن القضية صارت مسألة أكل أو جوع فليكن الجواب الحاسم أن نجلس أرضا لأننا دخنا. والمخرج الوحيد للخروج من هذا الدوار المستورد إلى ثقافتنا الزراعية سيكون هو التمسك بأمنا الحنون الأرض والعودة إلى حضنها.
كيف؟
على كل من يملك شبرا، وليس هكتارا بالضرورة، أن يزرعه ولو بحبة بصل. لننطلق في ثورة اقتصاد منزلي حتى لو ساهد بواحد في المائة فالرقم حسابيا يعني دالة رياضية برقم خيالي لأنها ستضرب في عشرات ملايين الميزانيات الأسرية.
وبالنسبة للبادية المغربية التي هي الحل كما أفريقيا هي منقذة العالم فلن أطلب من الدولة أن تساعد الفلاحية ولا أن تعطهم أفضليات..فذلك كلام كبير لو تحدث عنه الراحل عبد الواحد الراضي بكل صراحة وتجرد في كتابه “المغرب الذي عشته” لشاب الولدان واصيب الشباب بالزهايمر. سأطلب من السلطات المركزية أن تعطي أوامرها للسلطات في البوادي فقط ألا يعرقلوا إنتاج البسطاء: من حفر بئرا فاتركوه لحاله..ومن أسس تعاونية فلا تعرقلوه..ومن بجانب نهر فدعوه يسقي خضره..ومن أحيى أرضا ميتا فلا تقتلوه فقصة ببيروقراطية بالية ما عاد الزمن زمنها.
وبما أن المستقبل مخيف إلى درجة ألا أحد يعرف معها إلى أين يسيرون بالعالم منذ الجائجة مرورا بالتلقيح اللعين ووصولا إلى هذا الغلاء المستعر، فقد صرت مقتنعا بأمور أحب أن أشرككم معي فيها:
ــ من لديه حبه قمح أو بقايا بذور لأي نوع فليحافظ عليها كإرث من الأجداد لوقت شدة قادم ففي أي وقت يمكن أن يمنعونا من البذور التي فرطنا فيها وصرنا عبيدا لهم.
ــ بل حتى النباتات البرية مثل “بشنيخة” إياكم أن تحتقروها وعلينا جميعا في هذا الصيف أن نخرج للبراري والحقول والأودية والجال لنجمع من بذورها ما نستطيع، فقد يسلطون على كل غطائنا النباتي ما سلطوه على “التين الشوكي”/ الهندية/الزعبول….فتكون نهاية كل شيء لا قدر الله.
ــ ومن لديه ماعز أو خروف أو بقرة أو كلب مغربي أحمر اللون فليعمل على تكاثره وألا يبيعه أو يفرط في نسله مهما حصل. إنه إرثنا وتراثنا الحيوي وليس مجرد ديكور نتباهى به…العالم اليوم صار مجنونا وقد يطمع حتى في “فارة الخيل” التي يطاردها صبياننا لهوا ونزقا.
يا ناس، أفيقوا فقد انتهى زمن الاسترخاء وجاءت أزمة الاستخراء على الشعوب. إنهم ــ أنا متأكد من وجودهم بأفعالهم وليس بمكانهم ــ إنهم يكرهون الإنسان على وجه البسيطة ويكادون يجنون أن الناس مازالت تعيش وتتناسل وقد قرروا إنقاص هذه الأعداد عبر كل الطرق الخبيثة الإبليسية وما “كورونا” علينا ببعيدة. إنهم يتصرفون كمالكي كل شيء وأن البقية عبيد أو حيوانات في المزعة من حقهم ذبحها أو إعادة تصنيعها.
علينا نحن القطيع أن نتصرف كقطيع حرفيا. لنتحرك مجتمعين ولنحم صغارنا وراء أكتافنا. ولنقصد في الأكل والشرب. لنتحرك بكل الذكاء غالريزي الكامن فينا من أجل البقاء على الأقل…هكذا سنقلص فرص الوحوش المتربصة بنا من أجل الفتك والإفناء.