الشوارع/المحرر
قبل قرابة نصف قرن استفاق العالم على فعل استثناء مغربي سمي المسيرة الخضراء، أبدعها ملك اسمه الحسن الثاني كان بعد في ريعان رجولته، وشارك فيها مئات آلاف من المغاربة. وكان ما كان.
ولأن الحس الوطني في شقه الإبداعي كان مازال يسري قويا ويتدفق ساخنا في جيل ما بعد الاستقلال فقد تفاعل شباب مغاربة مبدعون تمثلوا في أعضاء مجموعة جيل جيلالة صحبة الشاعر الذي رحل عنا تحت كنف النسيان والإهمال محمد شهرمان وأبدعوا واحدة من الأغاني الخالدات الماجدات في زمن قصير جدا وصارت الشعار المغربي رقم إثنان بعد النشيد الوطني في كل المناسبات.
وبين ذلك التاريخ ونهاية العام ألفين وعشرين تغيرت أمور كثيرة في بلادنا وفي العالم وفي إنسان الوطن وأناس الكرة الأرضية.
ولم تشأ الأقدار أن ينقضي العقد الثاني من الألفية الثالثة دون حدوث شيء خاص بالمغرب، فكانت موقعة الكركرات وما استتبعها من تغيرات في العمق سواء في قضية الوحدة الترابية للمملكة أو المواقف العالمية والوطنية المرتبطة بها.
ولقد كان حدثا جيواستراتيجيا بالمعنى الشامل للمفهوم نظرا للمواقف الدراماتيكية التي تلتها بدءا بالموقف الأمريكي من الصراع، مرورا بنشاط الآلة الدبلوماسية المغربية وما حصدته من نقاط حاسمة.
وحدث مثل هذا لو وقع قبل ثلاثين أو أربعين سنة ببلادنا كان سيوثق ويخلد فنيا لو أن الاعتناء بالإبداع الحقيقي كان مايزال هما للقيمين على الشأن الثقافي في هذا البلد السعيد.
وبدل أن تسجل أغان في الموضوع يتنافس فيها الشعراء والملحنون والمطربون، اكتفت الدولة بما سجل من أشرطة في عين المكان وما أذيع من أخبار وشبه مناظرات في برامج ملتلفزة.
كل هذه الفيديويهات وما شاكلها ستنسى مع الوقت كما حصل مع كثير من الأرشيف الوطني والدولي الذي يستغل عند الضرورة ويستخدم كمراجع أو “شهادات”، غير أن الذي لا ينسى فهو ما يرتبط بالأذن. والسمع مقدم دوما على البصر، وحتى الله سبحانه وتعالى يصف نفسه دائما بالسميع قبل البصير.
وفي ظل هذه الغفلة الفنية والتبلد الإبداعي رمى مطرب شعبي اسمه “حجيب” حجرة صغيرة في هذه البركة لكنها كانت مسموعة ليس لسمو إبداعها ولكن لأنها الوحيدة…في السياق وفي الصميم.
تساءل هذا المغني الشعبي المعبر عن الوجدان “التحتاني” لطبقات الشعب المغربي: الجنوب تحرر واش باقي خُر؟ ولقي تفاعلا ملحوظا من الجمهور المغربي التواق إلى الإبداع الذي يشبهه ويعبر عنه وعما يخالجه وقد سئم “إبداع” الأرداف والمؤخرات والدفع بالميوعة والسفالة إلى شاشات وميكروفونات الإعلام المغربي.
نحسب صاحب الأغنية المشار إليها مغربيا وطنيا وقد قام بالواجب بكل عفوية، غير أنه طرح سؤالا حقيقيا في السياسة: ماذا تحرير بعد الصحراء المغربية؟
إن النص الغنائي يقول بالمفهوم العكسي: مازالت هناك ثغور وقضايا أخرى تتطلب التحرير وليس أقلها: تحرير سبتة ومليلية والصحراء الشرقية…ولم لا الإنسان المغربي نفسه من الجهل والتخلف والمؤسسات الوطنية من التكلس وباقي الأمراض التي تستبطنها فتؤجل النهضة الوطنية الشاملة.