كان سودانا فأصبح سودانين اثنين بين سنة وضحاها. كان سلة غذاء أفريقيا وما جاورها فجعلوه رمزا للمجاعة والنزوح والأمراض. من يتلاعب بالسودان الطيب ولصالح من كل هذه الحرائق؟ لا بد من مستفيد بلا شك. تقرير جيد نشرته ” العربي الجديد” نعيد نشره هنا للأهمية ولكي لا ننسى مأساة الـسوادان في زمن الفتن العالمية.
هالة حمزة
نشط المضاربون على الدولار في الـسودان الذي يعاني من تداعيات حرب شرسة منذ نحو 15 شهراً على الاقتصاد المنهك، ما فاقم من معيشة المواطنين وأجج حالة الجوع التي يعانون منها.
وحذّر محللو اقتصاد ومصرفيون مما أسموه بحرب اقتصادية تقف بقوة وراء انفلات سعر الصرف وتغيره بشكل شبه يومي إلى مستويات قياسية في السوقين الموازية والرسمية، ليتجاوز 2700 جنيه في السوق الموازية، ويتراوح بين 1790 و1870 جنيهاً في البنوك.
حمّل المحللون الذين تحدثوا إلى “العربي الجديد” أطراف الصراع مسؤولية الطلب العالي للدولار لتوفير الأسلحة للجيش، وتزايد تحويلات مدخرات المواطنين إلى الخارج، وانتشار المضاربات لجني الأرباح، مقابل شح المعروض في السوق.
ويشهد السودان حرباً متواصلة منذ 15 إبريل/نيسان 2024 بين الجيش وقوات الدعم السريع، نتج عنها مقتل وإصابة عشرات الآلاف وتهجير ملايين السودانيين وتدمير العديد من القطاعات الاقتصادية.
قفزة الدولار
توقّع المحللون استمرار ارتفاع الدولار إلى 3 آلاف جنيه فأكثر، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتعاش نشاط المضاربين خلال الفترة الأخيرة.
وفي هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة الخرطوم إبراهيم أونور لـ”العربي الجديد” إن القيمة الاقتصادية المستحقة للدولار أو القيمة العادلة له كانت في العام المنصرم 2023 نحو 708 جنيهات، بينما بلغت في السوق الموازية 850 جنيهاً بفارق 142 جنيهاً.
وأشار أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة الخرطوم إلى تجاوز الفارق في سعر العملة الأميركية بين السوقين الرسمية والموازية 800 جنيه. وقال أونور إن الفرق في القيمة المستحقة للدولار ارتفع أكثر من 7 أضعاف في عام 2024 مقارنة بـ2023. ووصف الانفلات في الأسعار بغير المبرر اقتصادياً، وأنّ الاحتمال الأقوى هو وجود حرب اقتصادية يخوضها المضاربون.
وتشهد أسعار الصرف تبايناً يومياً في المصارف السودانية مع شح في المعروض من النقد الأجنبي. وفي هذا الإطار، طالب أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة الخرطوم، الحكومة باتخاذ إجراءات أمنية مشددة ضد المضاربين في العملة، وحظر المعدّنين من الاتجار في الذهب بيعاً وشراء وتصديراً، إلا عبر البنك المركزي، أو إنشاء محفظة مصرفية من المصارف التجارية التي ترغب في الدخول في النشاط. واقترح تقييم معدن الذهب بالدولار وفقاً للأسعار السائدة في البورصة العالمية.
ودعا إلتفعيل مواد الاشتباه والتحري وفقاً لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في مواجهة منفذي عمليات النهب والسلب. وأشار إلى ضرورة إنشاء مركز لفحص العملة المتداولة لدى الجمهور في الأسواق، لمراقبة ومتابعة العملة المزورة، أسوة بما هو معتمد في دول العالم.
مقترحات
قدم أونور مقترحات عدة لوزارة المالية لتجاوز أزمة تصاعد سعر الصرف، منها التخطيط وإعداد موازنة النقد الأجنبي السنوية للحكومة ووحداتها، تشمل الإيرادات والصرف والمراقبة بواسطة وكالة الاقتصاد بالوزارة، والتي كانت تمثل إدارة مراقبة النقد الأجنبي للحكومة ووحداتها قبل سياسة التحرير الاقتصادي. ودعا المالية إلى تطبيق زيادة جديدة في الرسوم والضرائب والعوائد الجليلة على شركات التعدين لمقابلة الصرف الأمني المتزايد.
وشدد على أهمية توجيه البنك المركزي التمويل المصرفي للقطاعات الإنتاجية والتأكد من ذلك ميدانياً، وإلزام المصارف برفع طلبات الاستيراد للموافقة عليها من بنك السودان المركزي، كما كان حدث في عام 2018 عندما انفلت سعر الصرف.
ودعا أونور البنك المركزي إلى استخدام نموذج تحديد القيمة المستحقة والعادلة للدولار، لمتابعة مسببات تسارع انخفاض سعر الصرف بصورة دورية.
وشدد على ضرورة توجيه شركات الصرافة والتحويلات المالية بالتعامل المباشر بالجنيه الـسوداني من دون توسيط عملات أجنبية مقابل عملات دول الجوار التي هاجر إليها السودانيون كمصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب الـسودان وأوغندا ورواندا، وإجراء ترتيبات مصرفية مع هذه الدول وإعلان أسعار التحويلات وخفض العمولات ما أمكن.
ودعا إلى إلغاء حظر حمل العملة السودانية في المعابر، والسماح بتداولها خارج السودان وطباعة فئات كبيرة لتكون مخزنا للقيمة، نظراً لارتفاع الدولار حاليا إلى نحو ضعفي أكبر فئة من العملة الورقية وهي 1000 جنيه.
وأشار أونور إلى إمكانية إجراء عملية إبدال وإحلال للعملة الحالية، وإنشاء شركة قومية للصرافة من قبل بنك الـسودان المركزي وشركات الصرافة العاملة والتي ترغب في أن يكون حسابها بالدولار، لتتولى شراء الفوائض والبيع لمن يحتاج منها وتوفير وتحديد احتياجات القطاع الخاص من النقد الأجنبي. وأشار إلى إمكانية إصدار هذه الشركة شهادات استثمارية قصيرة الأجل تدرّ أرباحا للمدخرين لتخفيف التضخم وانفلات سعر الصرف. وشرح إمكانية السماح للشركة ببيع وشراء الذهب من المعدنين بالدولار.
وقال إن اقتصاد الحرب وتزايد الإنفاق خاصة الحكومي يتطلب توسيع وفتح مجالات للاستثمار وإيجاد قنوات للادخار تلائم هذا النوع من الاقتصاد، كإنشاء شركة قومية للصرافة وشركات إنتاجية تصدر شهادات استثمارية توفر موارد وتساعد على خفض التضخم وإدارة سعر الصرف، بدلا من جعل المضاربة في بيع وشراء العملات الأجنبية هي النشاط الوحيد المربح في السودان، ما يدفع المستثمرين للمزاحمة فيه.
اقتصاد الحرب
من جانبه، شدد مساعد رئيس بنك الـسودان المركزي عبد الله الحسن على أهمية محاصرة تصاعد الدولار في البلاد عبر تولي شركة مساهمة عامة العمل بين الحكومة وبنك السودان المركزي والمصارف، وشركات القطاع العام والخاص لبيع وشراء الذهب بالدولار بسعر البورصة العالمية.
واقترح أن تتولى الشركة حصريا تصديره للخارج، مشيراً إلى أهمية الشركة في تحقيق الاستقرار في سعر صرف الجنيه ومحاربة المضاربات وكبح جماح التضخم وتوفير موارد حقيقية داخلية وخارجية للصرف وزيادة الادخار.
تابع: “يجب أن تصدر الشركة شهادات استثمارية بالدولار؛ قيمة الشهادة 500 دولار، باكتتاب سنوي ونصف سنوي وربع سنوي أو تجدد وتدفع الأرباح بالدولار، وأن تسمى الشهادات التي تصدرها الشركة شهادة تبر، على أن تحدد قيمة وعدد الشهادات بواسطة بنك الـسودان المركزي”.
شدد مساعد رئيس بنك السودان المركزي عبد الله الحسن على أهمية محاصرة تصاعد الدولار في البلاد
ودعا إلى أن تكون الشهادات مغطاة ومضمونة بكمية من الذهب المشترى بالدولار بواسطة الشركة، وأن يتم تداولها بين الجمهور وبالسعر الموازي. وقال إن الشركة تسهم في توحيد سعر الصرف وزيادة تدفق الموارد بالنقد الأجنبي، ما يقلل الفجوة بين السعرين الموازي والرسمي.
وفي إطار المحاولات الحكومية لتخفيف حدة أزمة الدولار، أعلن بنك الـسودان المركزي مؤخرا، عن إطلاق محفظة سلعية مشتركة بإشراف مباشر منه وريادة بنك الخرطوم بقيمة مليار دولار لتمويل استيراد السلع الاستراتيجية المحددة من قبل وزارة التجارة والتموين. وتشمل السلع، المواد البترولية، والقمح، والدقيق، والدواء، وذلك لخفض الطلب على النقد الأجنبي، وتحقيق الاستقرار في معدل التضخم.
وتكبّد الاقتصاد السوداني خسائر باهظة من الحرب، لكن الحكومة لم تعلن عن رقم رسمي في هذا الصدد. وقال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في تصريحات سابقة إن الحكومة شكلت لجنة لمعرفة التقديرات الحقيقية للخسارة. وأضاف: “لكن بطبيعة الحال الخسارة هائلة للغاية، كل القطاعات تأثرت بما فيها البنية التحتية، لكن أكثر القطاعات تأثرا القطاع الصناعي”. ويتواجد أكثر من 95% من المصانع في العاصمة الخرطوم التي شهدت الاشتباكات الأعنف بين الجيش وقوات الدعم السريع التي استُخدمت فيها معظم أنواع الأسلحة. كذلك، تضرر القطاعان الزراعي والتجاري بشكل كبير من الحرب.