لا بد أن الفساد في المغرب يشعر هذه الأيام بقلق من أزمة تهدد وجوده ومستقبله في البلاد، ذلك أن تقارير سوداء بشأنه ودعوات متزامنة لمحاربه خرجت إلى العلن في ظرف بضعة أيام.
بداية، أكدت “ترانسبرانسي المغرب”، اليوم الثلاثاء، أن المغرب مستمر في الغرق في الرشوة النسقية، حيث تظل الظاهرة متوطنة، ولم يتم اتخاذ إجراءات جدية للحد منها، في ظل غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد.
وخلال ندوة لتقديم نتائج مدركات الفساد لسنة 2024، قالت ترانسبرانسي إن التراجعات في حقوق الإنسان والديمقراطية يسهمان سلبا في تقهقر مؤشر إدراك الرشوة في المغرب، فضلا عن واقع الصحافة والمجتمع المدني.
وأكدت “ترانسبرانسي” أن ظاهرة الرشوة تظل متوطنة في المغرب ولم تتخد إجراءات جدية للحد منها، ففي سنة 2012 احتل المغرب الرتبة 88، وظل بعدها متقلبا صعودا وهبوطا، وسجل أفضل ترتيب له سنة 2018 بالمرتبة 73 والنقطة 43.
ومنذ ذلك الحين، استمر المغرب في التراجع ترتيبا ودرجة ليستقر في المركز 99 في التصنيف العالمي لسنة 2024 بـ37 نقطة، فاقدا 5 درجات و 26 مرتبة مقارنة بسنة 2018.
وأوضحت “ترانسبرانسي” أن متوسط درجات الدول “الديمقراطية الكاملة” يبلغ 73 نقطة، في حين متوسط درجات الدول “الإستبدادية” يبلغ 29 نقطة، ويقع المغرب على بعد 8 نقط فقط من متوسط هذه الفئة الأخيرة، ضمن الدول الهجينة.
ونبه ذات المصدر لنتائج المغرب المحصل عليها فيما يتعلق بالمؤشرات العالمية التي تقيس وضعية الفساد والحكامة منذ ما يناهز ربع قرن. حيث تظهر هذه النتائج مرارا وتكرارا أن المغرب يعاني من رشوة نسقية تتطلب إصلاحات هيكلية جدية لمعالجتها، لكن هذا ليس هو الاتجاه الذي يتم السير فيه، في غياب الإرادة السياسية.
وفي السياق نفسه، قالت نبيلة منيب، البرلمانية عن “الحزب الاشتراكي الموحد”، إنه آن الأوان لمعاقبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، والربط الحقيقي للمسؤولية بالمحاسبة.
وأكدت خلال مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في جلسة عمومية اليوم الثلاثاء بمجلس النواب، على ضرورة الإقرار بأن الفساد معضلة بنيوية في المغرب، تتطلب استراتيجية صارمة لمحاربته، داعية إلى ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد، والأخذ بعين الاعتبار التوصيات القيّمة لهيئة النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
وشددت منيب في مداخلتها على الحاجة لتحسين أدوار الدولة، ووضع حد لمنطق الهروب إلى الأمام والتسليع الذي تنتهجه الحكومة، والاحتكار واقتصاد الريع وتنازع المصالح، وإعداد الأطر الكفءة لمجتمع العلم والمعرفة، مستغربة كيف أن 27 في المئة من سكان المغرب أميون رغم مرور 70 سنة على استقلال البلاد.
كما سجلت منيب سجلت فشل إجراءات الإصلاح الجبائي ومشاكل المؤسسات والمقاولات العمومية، ومشاكل نزع الملكية، داعية إلى سن استراتيجية لمكافحة الفساد واسترداد مليارات الدراهم ممن استفادوا من تحرير المحروقات وإغلاق مصفاة “سامير”.
من جهته، دعا حزب “التقدم والاشتراكية” إلى تحسين نظام الحكامة وتوطيد دولة الحق والقانون، وتنقية المناخ العام من كل الممارسات السلبية الفاسدة التي تضر بمسار المغرب الديمقراطي والتنموي على حد السواء.
وجاءت دعوة الحزب في المداخلة التي قدمتها برلمانتيه نادية التهامي، اليوم الثلاثاء، خلال مناقشة عرض المجلس الأعلى للحسابات بمجلس النواب.
وأكد الحزب على أهمية الترسيخ الفعلي لمبدء ربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل السياسات العمومية لها أثر إيجابي حقيقي وملموس على المواطنين والمواطنات المغربيات، منبها الحكومة إلى الخطورة البالغة التي ينطوي عليها إصرارها على تجاهل مظاهر الاحتقان الاجتماعي المتصاعد، والصعوبات الاقتصادية الكبيرة، وعلى رفضها الممنهج لاتخاذ ما تتطلبه هذه الأوضاع من إجراءات قوية وملموسة لمواجهة غلاء كلفة المعيشة وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، والتفاقم غير المسبوق لمعدلات البطالة.
وحذر الحزب من تزايد الفقر وتراجع القدرة الشرائية بالنسبة لعموم المواطنين المغاربة، وخاصة الفئات المستضعفة والطبقة المتوسطة والأجراء تحديدا، مجددا إثارة انتباه الحكومة إلى ضرورة النهوض الحقيقي بالاقتصاد الوطني والاستثمار، ودعم المقاولات الوطنية وخاصة منها الصغرى جدا والصغرى والمتوسطة.
وعبر عن استغرابه لكون الحكومة أمام أوضاع صعبة اقتصاديا واجتماعيا، ومع ذلك تستمر في التطبيع مع سلوك الريع والاحتكار والفساد وتضارب المصالح، وخدمة مصالح الفئات الضيقة ولوبيات المال على حساب عموم المواطنات والمواطنين، واستغلال بعض مكونات الحكومة لبرامج ووسائل عمومية في تسابق انتخباوي سابق لأوانه، وبأساليب غير مشروعة، بما يتنافى مع متطلبات الحكامة الجيدة، ومستلزمات حياة ديمقراطية سليمة.
تعليق:
الفساد مثل الشيطان كله شرور، لكنه يتوفر على ميزة “أخلاق الوضوح”: فهو إن لم تقتله قتلك وإن لم تفطر به تغذى بك وتعشى.