مشروع “المسطرة المدنية”: رفض لمضامينه ومطالب بسحبه 

خلف مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادق عليها مجلس النواب ، انتقادات واسعة ورفضا كبيرا في أوساط المهنيين والسياسيين والمجتمع المدني على حد سواء. وبسبب هذا المقترح فإن أصداءه زادت إلى حرارة صيف المغربي البيئي حرارة احتجاج المجتمع المدني.

وفي هذا السياق، ندد المحامون في وقفتهم الاحتجاجية أمام البرلمان، اليوم السبت، بالتراجعات الكبيرة الماسة بالحقوق والحريات بمشروع المسطرة المدنية، التي صادق عليها مجلس النواب مؤخرا.

وانتقدت جمعية هيئة المحامين بالمغرب خلال كلمة لها ضمن الوقفة التي عرفت إنزالا قويا للمحامين، طريقة عرض المشروع على الغرفة الأولى والمصادقة عليه في زمن قياسي، مشيرة أن ما يحدث هو حلقة أخرى في مسلسل الاستهداف الذي تتعرض له المحاماة بالمغرب.
وأوضحت أن هذا دفع المحامين للتوقف عن العمل لمدة ثلاثة أيام، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، وسيقدمون أيضا على أشكال احتجاجية تصعيدية، معتبرة أن العملية التشريعية والسياق الذي يمر منه مشروع قانون المسطرة المدنية يفتح النقاش حول فصل السلط من جديد.
وسجل المحامون أن الحكومة مررت المشروع بأسلوب لم يعتمد التأني والتدقيق، ذلك أنه يتضمن مقتضيات خطيرة، ويهدف إلى خدمة مصالح فئوية، كما أنه يميز بين المواطنين حسب وضعيتهم المالية، مما يهدد الولوج المستنير للعدالة.
وشددت على أن المشروع هو انتكاسة حقيقية تعيد طرح مفاهيم العدالة للنقاش، لأنه يمس الثوابت الحقيقية للحقوق الأساسية والمكتسبات الدستورية، شاجبة بقوة محاولات المس بالمحاماة، داعية كل المحامين والمحاميات إلى الوقوف صفا واحدا ضد كل محاولات المس بالمبادئ الأساسية لمهنة المحاماة.

واعتبرت الجمعية أن المشروع يحرم المواطنين والمواطنات من حق دستوري هو التقاضي، مطالبة بحسبه لأنه لا يستجيب لأدنى مطالب المحامين والمحاماة، وهي في الأساس ليست نقابية بل تصب في مصلحة المغاربة وحقهم في الولوج إلى العدالة.
من جهته، قال محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العالم إن منطق المنع من الولوج إلى القضاء الذي هدد به وهبي الجمعيات المعنية بمحاربة الفساد، ضدا على الدستور، هو نفس المنطق الذي حكمه وهو يقيد حق المواطنين في اللجوء إلى القضاء.
وأوضح في تدوينة على فايسبوك أن المتأمل لنصوص مشروع المسطرة المدنية التي صادق عليها مجلس النواب، سيجد أنها مثقلة بالغرامات ضد المتقاضين والتي تصل في بعض الحالات إلى مبلغ 15000 درهم، والهدف منها هو منع الناس من الانتصاف أمام القضاء في انتهاك صارخ للدستور والمواثيق الدولية.
وأضاف “وزير العدل والذي لم يصدق كيف أصبح وزيرا تحكمه ذهنية “الشر “و “سوء النية ” وهي نفسية تنظر إلى الناس كأشرار يتربصون بالملائكة، وهذا ما يفسر نسبيا سيكولوجية الإنسان المقهور، المحكومة بهاجس الطغيان والتعطش لممارسة السلطة للتلذذ بقهر الناس وإذلالهم، لإشفاء نزوع مرضي مركب انتصاراً لنزوات ذاتية تبحث عن إشباع داخلي لحالة نفسية مريضة بجنون العظمة والسعي للتفوق”.
وتابع “يمكن أن نقف عند ذلك من خلال تصريحاته المتكررة والطريقة التي يتحدث بها داخل البرلمان، وسعيه الدائم إلى البحث عن البطولات الفارغة من خلال إثارة الخلافات، والتي تكون أحيانا مجانية، لكي يتلفت إليه الناس ويشعروا بوجوده، ولذلك حتى في التشريع يقول مرارا سأعدل القانون والنص كذا وكذا، سأمنع الجمعيات من الشكايات”.
وزاد ” هو يريد أن يوحي بكل ذلك إلى أنه يملك القرار والسلطة، وهو الكل في الكل، هي النرجسية التي تمنعه من الحديث عن كون التشريع وتمرير النصوص من صلاحيات البرلمان وليس “هو”، ونفس النرجسية هي التي جعلته يقول “لن أقبل أن يكون أخنوش رئيسا لي، والذي يبحث في سيرته سيجد ما يؤكد تضخم الذات لدى الوزير، هذا التضخم وبعد إعفائه من الأمانة العامة للحزب التي كانت تشحذ نرجسيته، ولأنه لم يقبل أن تنزع منه “السلطة ” بتلك الطريقة فإنه اختار أن يهاجم المحامين ويؤلب ضدهم الرأي العام، كما دافع عن مشروع المسطرة المدنية وركز على النصوص التي تتضمن الردع بالغرامات”.

وعلى صعيد متصل، انتقدت الأمانة العامة لحزب “العدالة والتنمية” المقتضيات الخطيرة والتراجعية التي تضمنها مشروع قانون المسطرة المدنية، ولاسيما تلك المتعلقة بحق التقاضي وحقوق الدفاع، والأمن القضائي، واستقرار المعاملات المؤسسة على أحكام قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به.

واستغربت في بيان لها، من التعاطي المتسرع والانفرادي وغير المسؤول للحكومة مع قضايا التشريع عامة، ومع النصوص الأساسية والمهيكلة وذات الأثر الكبير على المواطنين والمواطنات بالخصوص، والتي تقتضي التأني والتشاور الواسع والسعي لتوفير شروط الإجماع حوله، مؤكدة رفضها لتبني الحكومة وأغلبيتها بمجلس النواب لمقتضيات تتعارض صراحة مع الدستور، وتضرب في الصميم استقرار المنظومة القانونية والأمن القضائي ببلادنا.
وسجلت أن المشروع يمس بشكل صريح بالمقتضى الدستوري القاضي بكون الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، وذلك عبر تخويل النيابة العامة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بآجال الطعن، إمكانية أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام، وذلك “بناء على أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو على إحالة من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطأ جسيم أضر بحقوق أحد الأطراف ضررا فادحا”.
وشددت على أن هذا المقتضى يعتبر مسا خطيرا بالمبادئ والحقوق الدستورية الصريحة وبالأمن القضائي ببلادنا، لأنه يفقد الأحكام القضائية النهائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به حجيتها المطلقة، ويضرب في الصميم استقرار المعاملات المؤسسة على الأحكام القضائية النهائية، ويحط من قيمة ومكانة سلطة القضاء ويضرب في الصميم استقلالية القضاة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد