بفلسطين السياسة تناطح السياسة والفرح ينازل الحزن والتعمير يكافح الخراب

أحمد الجلالي


كان للهجوم الصهيوني الغاشم على قطاع غزة وما حصده من أرواح وخلفه من دمار على البنى التحتية بهذا الجزء من فلسطين المحتلة أثر نفسي سيئ علي وعلى قدرتي على مواصلة هذا الربورتاج المطول.
في حمأة الهجمة الصهيونية على الإخوة في فلسطين شعرت بورطة حقيقية، سيما أن عنوان هذه السلسلة كان” فلسطين ليس من سمع كمن رأى”، والحال أني لم أر غزة، وحتى إن رأيتها فرضا فإني لم أحضر الويلات التي عاشها القطاع طوال أسابيع.
الآن، ورغم الجراح التي تركها جيش “النتن ياهو” في النفس، أستطيع لملمة ما بقي في الذاكرة من صور ومشاهد.
كان مؤتمر دعم القدس وفلسطين مبادرة ذكية من قبل الزملاء العرب تفيد أن فلسطين ما تزال قضية العرب رغم محاولات تقزيمها، وأن القدس ستبقى ـ ولو روحيا ونفسيا ـ مركز الصراع في العالم بأسره.
لا داعي للحديث عن تفاصيل المؤتمر لأنه حدث قد مر ولأن الغاية من هذه الحلقات ليس الحدث بحد ذاته بقدر ما هي الرغبة في نقلكم عبر الكلمة والوصف إلى قلب فلسطين.
أول ما أثار انتباهي عند وصولنا رام الله أن فلسطين ليس دمارا بل هي ـ من خلال رام الله ـ إصرار على بناء الدمار.رام الله مدينة نظيفة وأهلها نظيفو العقل والهندام.طيلة الأيام التي قضيتها هناك لم اشاهد متشردا ولا متسولا.
صحيح أن أحوال الناس تحت الاحتلال ليست مثالية، ولكنها عفة النفس الفلسطينية في أبعادها الاجتماعية. أما الكرم فحدث ولا حرج عليك.شعرنا أننا لسنا ضيوفا على السلطة الوطنية ولا على اتحاد الصحافيين الفلسطينيين فحسب وإنما كنا ضيوف فلسطين.الترحاب في كل شبر زرناه، وعيون الناس تقول ألف مرحى.
لابد من التذكير أن زيارتنا تزامنت مع اختلاق الصهاينة قصة اختطاف مستوطنين بالخليل.وخلال الليالي التي قضيناها في فندق أبراج الزهراء، كنا نسمع ونشاهد كل ليلة من النوافذ قطعان الهمج من عصابات بني صهيون المسلحين يطلقون الرصاص، وفي الصباح نقرأ في الصحف أخبارا عن القتل والاختطافات الليلية.
بالشقة ستة وثلاثين سمعت وشاهدت رفقة الزميل أوسيموح لحسن الشباب الفلسطيني يتراكضون بالشوارع ليلا، وأصوات الرصاص الحي والمطاردات. مشاهد ستبقى بالذاكرة إلى الأبد.
جولاتي في رام الله كانت في معظمها بواسطة السيارة.المدينة مجموعة من الهضاب والمرتفعات تخترقها طرق نظيفة مسفلتة، أما البنيات فهو حديث بطلاءات متناسقة تعكس بجلاء الذوق الهندسي.
تكاد العمارات تغطي كل سنتيم من رقعة رام الله. أينما وليت بصرك ثمة جرافات تقتلع الحجر من وسواعد تحول هذا الحجر إلى عمران ينطق بالتحدي الفلسطيني في مجال التعمير المقاوم.
منذ أن بدأ بعض الانفراج في القضية الفلسطينية وإمكانية إيجاد حل، توافد على الضفة الغربية، وتحديدا على رام الله، أبناؤها في الشتات. كل من وفر قسطا من المال استثمره في مشروع أو بنا به بيتا.
خلال اليوم الأخير من لقائنا بمحافظة رام الله والبيره الدكتورة ليلى غنام قالت لنا كلمة ظلت في عقلي: رأس المال بطبيعته جبان إلا إذا كان فلسطينيا فهو أحمق.تقصد أن أبناء بلدها استثمروا بطريقة قتالية في رام الله.هذه المدينة في الأصل مشكلة من مدينتين متداخلتين هما رام الله والبيره.
المحزن في ما شاهدته في رام الله أن المستوطنات الصهيونية تطل عليها من المرتفعات الصهيونية من كل اتجاه. وقبالة كل مرتفع من المدينة “غيتو” اسرائيلي يحتل الأرض والفضاء.
كل شيء بفلسطين مقاوم: السياسة تقارع السياسة. الفرح ينازل الحزن. التعمير يقاوم المستوطنات.
التقطت مئات الصور بهاتفي. كان لسان حال سلوكي يشي بأني كمن يرغب في أخذ فلسطين كلها معه. أكثر من هذا كنت مصرا أن آخذ معي أيضا ترابا من كل مكان.

قلت لزميل فلسطيني إني أهرب التراب الوطني الفلسطيني. ضحك وقال لي: أنتم المغاربة فلسطين معكم أينما كنتم، ثم اختار لي حصى جميلا من المكان وسلمني إياه.
لرام الله معالم زرت أهمها: ضريح الراحل ياسر عرفات وضريح الشاعر محمود درويش.التفاصيل يوم الخميس المقبل. إلى اللقاء

www.achawari.com

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد