صناعة الرأي العام في حمام “المرساوي”..مخارية بين “المؤثرات”
الخلاف معي حول فلسطين يفسد للود كل قضية..بل لا يترك أي ود أساسا
أحمد الجَـــلالي
نحن في زمن صناعة الرأي العام عبر المؤثرات..بعد صيحة المؤثرين سابقا. ولكن إذا ضاق صدرك بأخبار الحرب ومشاهد التدمير والقتل وسفك الدماء وارتفع ضغطك وأردت ان تعيش لحظة افتراضية تقول ان العالم كله، ومعه المغرب، توقف الزمن عندهم في زمن “اللاحرب” وان الدنيا ربيع والجو بديع، فاين ستذهب بسمعك وبصرك؟
الامر بسيط جدا في المغرب: اضغط على الريموت كونترول وافتح على القناة المغربية الأولى او دوزيم وشقيقاتهما في عنقود “القطب العمومي” القابع تحت وطأة فيصل لعرايشي.
لقد جربت هذا على سبيل الاستكشاف قبل أيام. شعرت وكأني أعيش مع ما يعرض على المشاهدين وكما لو اني عدت الى التسعينات: افتقدت فقط بعض الوجوه كعزيز شهال و الكرواني وبركاش و سعيد زدوق ولحمر والمودن ومولاي مصطفى و الفيزازي و ..التلفزة تتحرك كي لا تتحرك.
هنا اللاتاريخ يا سادة..هنا لا وجود لمفهوم التطور..هنا و الآن فقد الزمان قدميه وركبتيه وكفر بقانون الحركة. هنا يجثو الوقت ويقبض على الحركة بيدين من حديد كي لا تدور عناصر الطبيعة دوراتها الطبيعية. هنا الفراغ القاتل.
من نشرة اخبار تصيبك بالدوار الى فيلم تركي مترجم الى دارجة هجينة مرورا بوجوه لا اعرفها تقول أي شيء. ولان المضمون في النشرات اما خارج السياق او تغريد خارج السرب فقد تلهيت عنه بإحصاء الأخطاء اللغوية: صنعت بنفسي ما يفعل مسافر تأخر موعد حافله ساعات فحارب الملل بقراءة صحف قديمة او فك شيفرات كلماتها المتقاطعة. في نهاية حصة التعذيب هذه ضاع وقتي ولا مضمون يفيد ولا لغة عليها القيمة..وهم لا يحزنون طبعا.
ما الذي اجبرك على تحمل هذا التعذيب؟ انا ضيف يا صديقي في البادية، والناس هنا مازالوا أوفياء للاستماع الى “إذاعة” الرباط وانتظار النشرة الجوية.
لماذا لم تشاهد ما تريد عبر هاتفك؟ ..صبيب الانترنت هنا يا عزيزي مجرد دعاية كاذبة مدفوعة الثمن تروج لها مواقع تافهة بمبالغ وعقود خيالية.
إلى اللقاء يا باديتي في وقت أتمنى الا تكون فيه حرب ولا احداث ضاغطة.
مرحبا بي في المدينة. أقلت المدينة؟ نعم انها المدن كما نعرفها مجازا وتجاوزا، وليست مدنا حقيقية، إذ المدينة مدنية في السلوك وتحضر في الفعل..وأين نحن من هذا من العاصمة الرباط إلى وجدة؟
مغربنا إما بواد ماتزال بيداء او دواوير عملاقة تحولت كميا الى “مدن” و صارت لها “عمالات”، وأما المدينة (من المدينية والتمدن) فنحن عنها غرباء وهي غريبة عنا بحيث لم يجرب أحدنا الآخر بعد.
مرحبا بي في “المدينة” على كل. هنا بعض الانترنت وإمكانية متابعة ما يجري وطنيا وفي العالم.
دخلت الشبكة ومن منصة الى أخرى ومن فيديو الى فيديو. وبحاسة الصحافي المتابع بسرعة استطيع ان التقط بسرعة الموضوع الذي اصبح او اريد له ان يكون “تريند” اللحظة السياسية او الاجتماعية؟
وفي قانون لعبة الاعلام كحرب ناعمة فالسباق على أشده محموم نحو من يسبق الى مخ المتلقي كي يحشوه بسلعته او فكرته او مخدره الذي يخدم غاية بعينها ويروج لمعلومة محددة.
وهذه اللعبة قديمة قدم الراديو والصحف المطبوعة غير انها في الزمن العنكبوتي اختلفت من حيث السرعة وأساليب الترويج مع بقاء الأصل في التسويق كما هو.
الأصل هو توفير المعلومة الصحيحة ليكون الرأي العام فكرة صحيحة عن مجموع ما يهمه من قضايا تبدأ من جودة الحليب والخبز وتنتهي بنوايا التصويت مستقبلا، لكن “تكوين رأي عام حقيقي” هو آخر ما يعني عمالقة الترويج لبضاعة السياسة ودهاقنة البروباغاندا من بني جلدتنا.
لم يأخذ مني الامر ازيد من ساعة لأحدد ما هو “تريند” الأسبوع؟
وقبل الحديث عن هذا التريند فلابد من توصيفه لكم على الصورة التي استوقفني بها عنده حسيا.
ــ أصوات مرتفعة متداخلة تحدث لمن يركز معها كي يفهم ازيزا في الاذن مع بعض الدوخة التي تعرفونها داخل حمام بلدي مكتظ مساء ذات خميس.
ــ أصوات تزعق وكأنها مباراة في مقبلة رياضة يفوز فيها من يزعق اقوى..
ــ “اغنان” لأهل بادية تخاصموا حول حدود الفدادين الصغيرة قبل موسم الحرث بأيام قليلة..يصيحون في وجوه بعضهم في الوقت نفسه ولا احد يسمع الثاني ويكون الرهان على من يتعب أولا فيخفض الصوت ليستلم غريمه الكلام فيكمل انطلاقا مما كان يقول لحظة النزال وقد تكون اخرة فكرة في الموضوع هي اول جملة مسموعة للمتلقي.
أشياء كهذه سمعتها وشاهدتها على قناة اتابعها بين الفينة والأخرى لكنها تحول في الآونة الأخيرة الى “نادي صناعة الرأي عبر المؤثرات” وليتهن كن كذلك، لان التأثير الحقيقي يكون للمفكر او المثقف الحقيقي على الجمهور الواعي في الجو الصحي بالخطاب المحترم والمؤسس على الفكرة والمعلومة والأرقام، وليس ب”مدابزة لعيالات” في حمام “المرساوي” بدرب الرجا في الله.
“شاهدت” لمدابزة الأولى عنوة وتورطت في متابعة “لمخارية” الثانية عرضا.
خرجت بنتيجة سبقني الى تلخيصها المبدع عادل امام في مشهد “دول ودول” في مسلسل ناجي عطا الله.
وجدت بدوري ان “دول” تضرروا و تألموا مما قاله “دول” ولكن عند “دول وحتى دول “ليس من الأعراف ان يردوا على دول وجها لوجه، ففكر “دول” في تكليف “هاديك” بالرد على دول، ولم تمض سوى أيام حتى وجد “دول الثانيين” ان لابد من الرد على “دول الأولانيين” فاختاروا “هاديك الثانية” للرد على “هادوك”.
هل فهمتم شيئا؟ شاهدوا عادل امام وقد تفهمون. والاهم من هذا ستسألونني: أيها الكاتب الساخر انت مع “دول” او “دول”؟
ولن اتردد في الجواب الذي يعرفه ربما الـ”دولين” معا: أنا لست مع دول ولا دوووول. لاني لا اصلح لا لدوول ولا لدوول الثانيين. انا اصلح فقط لاقف مع الوطن ضد خونة ومفسدي الوطن، ولا املك بفضل الله من مواهب التقية ولا النفاق ما يجعلني اصلح طبالا لدول ولا غياطا خدمة لدول. اصلح فحسب لأعزف على عود رنان وجسور اغنية “عشتم اهل بلدي”.
وأصل “الطشاش” والهيجان بين “دول ودول” في حمام “المرساوي” هو الموقف من التطبيع والمطبعين و المتصهينين و “المتسريلين” وخطر “دووول” المحتمل على “دووووول”، ومن تورط من “دول” في الخطر المحتمل الداهم على “دوووول” الموجودين بحكم الواقع والتاريخ والجغرافيا وقوانين الدنيا والدين فوق “دول” و “دووول” وحتى “دووول”. لخصها مبدع قبل زمن صناعة الرأي العام عبر المؤثرات الشامخات في زمن البلاء والخواء والرياء.
ظني بك قارئي الكريم انك تهت عبر “الدولات” وتريد ان تنفك من هذا المقال الذي تورطت في قراءته لتصفعني حنقا بسؤال قاصف: وما موقفك انت يا كاتب من موضوع فلسطين، وتاليا قضية “التطبيع”؟
جوابي: أولا لا تنفعل و “رصي راسك”. ثانيا، سأكون اول المطبعين عندما تكون “إسرائيل” دولة “طبيعية” وهي لن تكون لأنها كائن بشع “صنع ليقتل ويحتل” وهذه وظيفته، أما أنا فوظيفتي أن أكون إنسانا يكره القتلة والمجرمين ومهمتي أن أحافظ على إنسانيتي. ثالثا، أما في قضية فلسطين أم القضايا العادلة فالخلاف معي فيها حول “الحق الفلسطيني الشامل” لا يفسد الود بيننا فحسب.. بل لا يترك أي ود بينا أساسا.
ومثلما فلسطين كلها للفلسطينيين في ضميري بحيث لا أناقش ما مستقبل غزة بعد حماس وإنما السؤال عندي ويجب أن يكون عند كل من لم يفقد إيمانه: ما مستقبل وشكل الشرق الأوسط والعالم بعد زوال كيان الاحتلال؟
وتماما كما مع فلسطين التي في القلب، أتصرف مع الصحراء المغربية فالسؤال عندي بشأنها ليس: هل سيمددون للمينورسو هذا العام؟ بل متى سترحل “المينورسو” نفسها عن أرضي؟
لا مساحة رمادية لدي بين الحق والباطل..لحسن حظي ولا وقت لدي لتأمل هذا العجب العجاب الذي لا ينقصه غير تأسيس أكاديمية مغربية لصناعة الرأي العام عبر المؤثرات….والحمد لله رب العالمين.
#رصي_راسك