أحمد الجَـــلالي
في أسواق التفاهة التي انتعشت خلال السنوات الأخيرة بالمغرب هل رأيتم بضاعة تسمى “الشروق نيوز24″؟ وفي كل “مارشيات” الإشاعة وبضاعتها المنتشرة هل صادفتم ماركة مسجلة تدعى فرحان؟ أنا صادفت وتابعت وشاهدت واستنتجت ثم لكم كتبت.
لقد صارت سلع الإشاعة والبشاعة الأوفر حظا في هذا العالم وبمغربنا بحكم اتساع عدد وتعداد مستهلكيها، وتاليا تضخم أرصدة منتجيها والقيمين عليها. هذا ما تقوله الوقائع المتتالية في مغرب زمن الوباء وما تلاه من أوبئة بلا حصر.
ويكفي أن يكون الرأي العام الوطني متابعا قضية جدية أو ينتظر من الدولة والحكومة يقدما جوابا عمليا حول ملف اجتماعي أو سياسي حتى يأتي ساحر لا ندري من أين ويخرج من طاقيته حمامة أو كائنا بشريا عجيبا للفت أنظار الناس إليه وجرهم إلى ملهاة لن تنسيهم في المأساة التي يعيشونها أو ينتظرون من يخفف عنهم وطأتها.
وخلال الآونة الأخيرة لا ملف يعلو اهتماما في نظر المغاربة على قضيتي تردي الوضع التعليمي وفضيحة المتورطين في شبكة كوكايين “الحاج إبراهيم”، المالي الذي بفضله تكشف جانب رهيب من الفساد المالي.
وبينما يعد المغاربة الساعات والأيام في انتظار المزيد من الأسماء والتفاصيل في ملف “خانز” امتزج فيه المالي بالسياسي بالحزبي بالرياضي بالفني، بقي “الوقت المغربي” وفيا لعادته في الإتيان بالساحر ليلعب لعبته الأثيرة ويؤنس الشعب بحكاية جديدة.
غير أن حكاية هذه المرة اتخذت أبعادا واكتست ألوانا فاقت سابقاتها جنوحا وجنونا وغرائبية، وسار بذكرها ولوكها وإعادة تدويرها مواقع التناحر الاجتماعي وقنوات من كل لون ومشرب.
هل سمعتم بموقع اسمة “الشروق نيوز 24″؟ بلا شك أغلبكم وصل إلى بصره أو سمعه روايات وحكايات هذا الموقع الموجود مع صاحبه في إيطاليا. وهل تعرفون من هو مدير الموقع المسمى فرحان؟ فرحان بماذا..لا أدري.
رأيت صاحب الموقع في فيديوهات وقدرت أنه يكبرني سنا أنا الذي بدأت أحسب على المخضرمين في هذه المهنة غير أني أسمع باسمه للمرة الأولى والشيء عينه قاله كل المهنيين ممن أعرف على الأقل. أين كان هذا المغربي؟ ولماذا خرج اليوم بالذات بهذه الضجة الكبيرة؟ ولماذا الآن تحديدا في هذا التوقيت؟
اعتبرها ضجة قوية نظرا للصدى الذي خلفته بكمية المعلومات التي نشرها الموقع بحيث نقلت عنها وكالة الأنباء الجزائرية أما مواقع اليوتيوب فحدث ولا حرج، لكن الحرج الحقيقي هو أن نسكت عن مناقشة وتحليل مثل هذه الظواهر.
وبلا أدنى شك فصاحب الموقع يتلقى تسريبات ليس اليوم فقط بالموازاة مع قضية إسكوبار الكوكايين ولكن منذ فترة قبل هذا التاريخ حيث يؤكد محرك البحث غوغل تطرق فرحان إلى الملف قبل أشهر. أي أنه سبق فعلا “جون أفريك”.
وجدير بالملاحظة أن التسريبات التي يتلقاها فرحان كبيرة نوعا وكما. نعدها تسريبات ومزاعم وليس بيدنا ما يثبت صدقها كي نعتبرها “معلومات” ولا ما يكذبها فتصبح من فصيلة “الأخبار الكاذبة”، فالوقت وحده من سيجيب عن هذه الأسئلة.
وإن اعتمدنا على ما يصرح به صاحب الموقع نفسه عن مصادر معلوماته كمدخل لبعض الفهم فسنكون أمام رواية شخصية ترفع صاحبها إلى مستوى أساطير الصحافة و “ويكيليكسيات” هذا القرن وربما هذه الألفية.
لماذا؟
ببساطة، لأنه يزعم أن مصادره كثيرة وفي جهازي الاستخبارات المغربية الداخلية والخارجية معا، على حد مزاعمه طبعا. وهذا ادعاء يستدعي بعض التحليل والتساؤل:
ــ أولا، أن تكون للصحافي في أي بلد مصادر أمنية واستخباراتية فهذه صارت بديهية وميزة سيما في بلدان الغرب. ولكن أن يجمع المرء بين مصادر في جهازي استخبارات متنافسين/ متكاملين في بلد كالمغرب فهذا أمر لا يستساغ بالمنطق والواقع المُعاش.
ــ ثانيا، لو اقتصر الأمر على القول بامتلاك مصادر في جهاز واحد لكان الأمر قابلا للتصديق، ولو من باب “حرب الأجهزة” وهي تحصل في جميل أقطار الدنيا. ولكن أن يجعل صاحب الموقع نفسه يجمع بين “الحسنيين” فهذا يقتضي شرطين: أنه أذكى من جهازين معا أو ينتمي إلى جهاز استخبارات كوني يخترق استخبارات باقي الدول، واختاره هو بعينه لهذه “المهمة العظيمة”.
ثالثا، يزعم فرحان بوجود تاريخ مهني طويل وغزوات إعلامية في الشأن “الفاسي” ولكن لا أحد سمع بصداها إلى اليوم، مثلما يدعي أن فصيلة “الشرفاء” في الأمن و “لادجيد” هم من يمدونه بالمعلومات والملفات الحساسة، وهذا سيعني أن الأمر يتعلق بعدد كبير من “مناضلي فرحان” وأنهم رغم كثرتهم بالجهازين معا لم يستطع لا الحموشي ولا المنصوري كشفهم إلى اليوم…هل تصدقون هذا؟ أنا لا أصدق.
ومن عجائب “الشروق نيوز 24” التي سطعت شمسها فجأة تزامنا مع منزلة “الليالي”، ويا للصدف، أن صاحبها لم يكتف بكشف طبيعة مصادره بل وزع وثائق باللغة القبرصية قال إنها دعوات مرفوعة ضد مسؤولين أمنيين كبار بالمملكة مثل حموشي والدخيسي.. وأن المطلوب هو القبض عليهم ومحاكمتهم.
بل أكثر من هذا وذاك جلب معه في “لايف” استضافه صاحب قناة “فسحة” التي انبرت للقيام بالواجب تجاه نغمة يوتيوبية تحبها،(جلب) مغربية تدعى بوسعادة لوحت بوثائق أخرى في القضية نفسها لتدعم رواية فرحان. وقد فعلت ذلك وهي لا تخفي فرحتها وتحديها أمام “الويب كام”.
أمام خطورة هذه المزاعم كان من الطبيعي أن ينور المغرب الرسمي الرأي العام الوطني ببلاغ مفصل أو مقتضب من مؤسسة الأمن أو من وزارة الخارجية مثلا لوضع حد لهذا الإفك اليوتيوبي/السيبراني الخطير.
ولكن قصارى ما فعله المغرب الرسمي في شخص وكالة المغرب العربي للأنباء عبر بلاغ نقلت فيه عن “مصدر دبلوماسي” نفيه نفيا قاطعا لما تم ترويجه في هذا الصدد متهمة صاحب الموقع بذي السوابق في النصب..وانتهى الأمر.
لكن الأمر للأسف انتهى في وكالة المرحوم الهاشمي فقط ولم ينته في الواقع الحقيقي والافتراضي حيث أن نسب متابعة قصص فرحان في تزايد وستجد مزيدا من الزبناء والمستهلكين في خضم حياة صارت الصولة فيها للتافهين لا للعاقلين وللطارئين على الصحافة لا لأبنائها العارفين والحظوة لـ”المؤثرين” والاحتقار للكتاب والمبدعين والدعم أشكالا وألوانا للمهرجين وليس للمبدعين منتجين ومخرجين.
يسير المغرب بسرعات صاروخية في مجالات محددة كالأمن والسياسة الخارجية، لكنه يخطو بإيقاع السلاحف في السياسة الاجتماعية وفي الصحافة والإعلام والتعليم والصحة. وهذا واقع و “استثناء مغربي” يثير حيرة لدى المراقب الأجنبي. فبلادنا بهذا الشكل مثل شاب نمت عضلات ساقيه فيما ضمرت عضلات أكتافه وتقوت عضلات ظهره فيما تعاني بطنه الهزال والانسحاب..إنه تشكيل كاريكاتوري بسبب غياب خطة تنموية تجعل بلدا بكامله يسير بتوازن ويكبر ويتطور باتزان..ماشي شي معلي وشي مدلي..شي سابق وشي متلي.
ومن حق القارئ المغربي أن يتساءل عن الدور الذي يجب أن تؤديه الصحافة الوطنية ورقية ورقمية في مصل هذه المعارك. وهذا سؤال ضروري ومشروع تماما. وأما الإجابة عنه فليست بسيطة وليست معقدة في آن:
ــ الصحافة الوطنية الورقية: صارت بضع مؤسسات تستهلك الملايير سنويا هي ومطابعها من أموال المغاربة ولكن لقد أدركها الهرم والعجز الذاتي وأكمل أمراضها انصراف القراء عنها وأتى على البقية الباقية وباء كوفيد..فلا تطلبوا منها ما ليس بوسعها وادعوا لها بحسن الخاتمة.
ــ الصحافة الوطنية الرقمية المُنعمة: هي مواقع تعد على رؤوس الأصابع ممن تتمتع بالدعم العمومي ولها إمكانات اشتغال ولكن جلها مصاب بداء الرقابة الذاتية وعدم المغامرة خصوصا في التطرق إلى المواضيع “الحساسة”، وهكذا كل يوم تبتكر لنفسها هذه المواقع مبررات وتزيد من حجم ممنوعاتها حتى تحولت إلى مجرد أسماء نطاقات على الإنترنت بلا طعم أو رائحة.
ــ الصحافة الرقمية “الطبالة”: هذه مواقع طحلبية تناسلت وتكاثرت بشكل مخيف وتعددت ألوان ميكروفوناتها وهي مبثوثة في كل حي وزقاق وندوة وتنشر أي شيء وبلغة أدنى من الدارجة..ومع من غادي تدوي؟
ــ الصحافة الرقمية الوطنية “على باب الله”: هي مواقع حقيقية تصورا ومضمونا وتنهض على خبرة صلبة وتكوين عال لأصحابها من المخضرمين ممن أسسوا في السابق صحفا وصنعوا من أسمائهم نجوما بعالم الصحافة الورقية، غير أنهم فقراء لا يتلقون سوى الفتات من وزارة الاتصال سنويا وبدل أن يبدعوا ويحققوا وينشروا الأخبار الحصرية فقد التهمتهم الهموم اليومية لضمان أجور المحررين والتقنيين وقيمة الإيجار ومصاريف التنقل..يخوضون الحرب الخطأ مجبرين في الزمن المهني الغلط.
وإذا كان هذا حال إعلامنا في الألفية الثالثة فمن سيخوض حروب الدفاع عن الوطن ورموزه وبأية وسائل مقنعة وحجج دامغة ومن سيزود المهنيين الحقيقيين بذخيرة رصاص المعلومة الحصرية؟ وأين هي الحكومة التي من واجبها الاستماع لهموم الصحافيين؟
ولهذا لا تستغربوا أن يكون شخص يدعى ادريس فرحان مازال فرحانا بما يصنع في إيطاليا ولم يجد من ينسف رواياته نسفا بالبرهان الماحق..هو الذي أخذني الفضول فقرأت أهم ما نشر وشاهدت بعض فيديوهاته سواء على قناته أو ضيفا بقنوات أخرى…وشو اكتشفت يا حزرك؟:
ــ لا يستطيع كتابة فقرة واحدة صحيحة
ــ يعجز عن تحرير جملة عربية واحدة سليمة
ــ لا يملك بالتالي أيا من مواصفات الصحافي أو المراسل
ــ حتى لو ضمه موقع ناطق بالدارجة فلن يكتب بدارجة مفهومة
ــ هذا الصنف من “الأنواع” وبهذه المواصفات يستحيل أن يكون صحافيا ولكن ــ للإنصاف ــ تتوفر به كل ميزات ومواصفات المخبر المأجور.
ولكن في زمن البذاءة والرداءة والضراط والزيغ عن الصراط…تكون هذه هي الصحافة وهؤلاء هم نجومها…نجوم “الغروب نيوز24”. انتهت الصحافة وانتهى الإعلام اقرؤوا على روحيهما السلام.