ملف التعليم ليس في حاجة إلى دموع التماسيح ومحترفي التوظيف السياسوي…
بقلم : يونس التايب
يعتبر ملف التعليم في بلادنا، من أكثر الملفات التي تجسد فشلنا الجماعي في بلورة منظومة تربوية متميزة تساعد في تحقيق أهداف التنمية. و للأسف الشديد، هو ملف عرف تدبيره عددا من الأخطاء الكارثية، و تقررت فيه اختيارات لم تكن موفقة …
ويعد قطاع التعليم من القطاعات الكبيرة جدا من حيث أعداد من يمارسون فيه و من يستفيدون من خدماته، و من حيث ثقل أثر ما يجري فيه و ما يصدر منه، لذلك هو قطاع لا يقبل المزايدات الإيديولوجية و الخطابات السياسوية المقيتة الهادفة لدغدغة المشاعر و جلب التعاطف الحزبي و تسجيل نقط سياسية في مرمى الخصوم السياسيين.
في هذا الصدد، يجب أن يظل حاضرا في ذهن الجميع أن تفاصيل تاريخ تدبير قطاع التعليم، منذ الاستقلال، تؤكد مسؤولية كل الأحزاب التي ساهمت في تسيير الحكومات السابقة، إما مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة، فيما آلت إليه الأوضاع في قطاع استراتيجي، كان المفروض أن يشكل قاطرة حقيقية لصناعة الإنسان المغربي القادر على رفع تحديات التنمية والتقدم و دعم التنافسية العالمية لبلادنا على كل المستويات.
و لأن المسؤولية السياسية مشتركة بين عدد كبير من الأحزاب، ومعها المركزيات النقابية، ليس هنالك أي معنى لما تقوم به بعض “النخب” الحزبية، من خلال خرجات في برامج حوارية تبث هذه الأيام على مواقع إلكترونية أو قنوات اليوتوب. وأخص بالذكر، بشكل أساسي، بعض النخب المنتمية لأحزاب سياسية مارست تدبير الشأن العام، لخمس سنوات أو عشر سنوات.
تلك النخب التي تنشر في هذه الظرفية الحساسة، “نصائحها السياسية” و “حلولها التدبيرية”، و هي تكثر من تعابير “الأسى و الحزن عما آلت إليه أوضاع قطاع التعليم في بلادنا”، عليها أن تشرح للمغاربة لماذا لم تتمكن هي، و أحزابها و وزراؤها و نوابها، من تجسيد تلك النصائح و تنزيل “الحلول” لمعضلة التعليم عندما كان تدبير الشأن العام موكولا لهم جميعا لسنوات ؟؟؟ و لماذا لم ينجحوا في جعل “التميز” و”الجودة”، عناوين لواقع المدرسة العمومية؟؟؟ ألم يكن على تلك النخب أنها “تورينا حنة يديها” حين كانت “تحكم” و تصول و تجول في الدواوين و في مجلس النواب ؟؟
و لأن تلك النخب لم تفعل شيئا يذكر حين كانت أحزابها تمارس السلطة، من الأفضل لها، من أجل إغناء النقاش العمومي الجاري حاليا، ومن الأكرم للمتكلمات و المتكلمين، أن يتواضع الجميع في الحديث، وأن يقولوا كلاما حكيما يجمع الشمل و لا يشتت الجهود، و لا يؤجج الوضع العام أكثر من اللازم، و يدفع الفرقاء إلى مزيد من اللاثقة والتوجس و العنف التواصلي و الغلو في المواقف.
إن الحقيقة المرة الوحيدة التي سيذكرها جيلنا هي أن الأساتذة، و معهم كامل المنظومة التربوية و المدرسة العمومية، ظلوا خارج دائرة الاهتمام الاستراتيجي الحقيقي في فترات طويلة، حيث لم تنصف قرارات حكومات سابقة أسرة التربية والتعليم، خاصة في عهد الحكومات التي أتت بمصيبة التعاقد، و التي كان فيها من يؤمن بضرورة “أن ترفع الدولة يدها عن التعليم و الصحة”.
في سنة 2023، حين يتحدث الأساتذة عن الكرامة، فهم لا يكذبون و لا يمارسون الدجل السياسي. فعلا، أجرة 5000 درهم شهريا لا تحقق الكرامة، كما أن وضعية المرافق التعليمية في عدد من المناطق، لا توفر شروط الكرامة للأساتذة و للتلاميذ. وبالتالي، من الطبيعي، في دولة تحتكم للقانون والمؤسسات، و تحمي حرية التعبير وتتيح العمل النقابي، أن يطمح الأساتذة لتحسين أوضاعهم و يناضلوا من أجل ذلك وهم يحلمون بأن تشملهم جهود الدولة الاجتماعية من خلال دعم أكبر و رعاية أوسع.
لذلك، كتبت في تدوينة سابقة، أن ما وعدت الحكومة الحالية بتقديمه من زيادات، هو بداية جيدة، ولو أن الوزارة الوصية لم تتقن تدبير التفاوض بشأنها، و لم تتوفق الحكومة بشكل عام في استراتيجية التواصل حول هذا الملف، حيث كان بالإمكان أفضل مما كان لضمان المحافظة على جسور الثقة و إبقاء مناخ صحي بين الفرقاء، عوض الغرق في موضوع “النظام الأساسي” بالشكل الذي تابعناه و لم يساعد في طي ملف مطلبي مهني، كان ممكنا الانتهاء منه في أسبوعين أو ثلاثة ليس أكثر.
في هذا السياق، لأن فاتورة التوتر كارثية بكل المقاييس، على أبناء الشعب المحرومين من التعليم منذ شهرين و نصف، أعلنت انحيازي للرأي القائل بضرورة انخراط الأساتذة، بكامل حريتهم و بحسهم المواطن و قناعاتهم الوطنية الراسخة، في عملية شجاعة لإحياء الفعل التربوي من خلال العودة للمدارس و الأقسام، كتعبير عن الانخراط بشكل إيجابي في دينامية الحوار و التفاوض لتتميم الإصلاحات الجارية، حتى الوصول إلى مسودة جديدة مقبولة للنظام الأساسي و تسوية كل المشاكل المادية لعدد من الفئات داخل أسرة التربية والتعليم في بلادنا.
و لازلت أعتبر أن موقفي صائب، حتى و لو اختلف معي في ذلك الاجتهاد عدد من الأخوات و الإخوة الأساتذة، لأنه موقف يعكس الصدق الذي أحمله إخلاصا لوطني و غيرة على كل أبنائه. موقف أدافع عنه من منطلق فهمي لقضية حساسة، تحتاج إلى من يقول لغة الحقيقة عوض كذب من يذرفون دموع التماسيح “حزنا على المنظومة التربوية المغربية” و تضامنا مع الأساتذة “في محنتهم” بينما هم قد تناوبوا على عضوية السلطة التنفيذية و التشريعية، خلال ولايتين تشريعيتن، و راكموا الانتماء لعدد من مجالس الحكامة، بما فيها المجلس الأعلى للتربية و التكوين، و لم نسمع لهم حينها، موقفا يحمل انتقادات حقيقية أو اقتراحات تنتفع بها المدرسة العمومية أو تتحقق بها الكرامة المستحقة للأساتذة.
و الله يجيبنا في الصواب، لأن #المغرب_كبير_على_العابثين.